تحدثت في مقالة سابقة عن رؤى حي بن يقظان وللذين لم تسنح لهم الفرصة للإطلاع على قصة حي بن يقظان وأبعادها فهي قصة رمزية للطبيب والفيلسوف الأندلسي ابن طفيل إذ صور ابن طفيل الإنسان الذي هو رمز العقل في صورة حي ابن يقظان وقد هدف ابن طفيل من ورائها إلى بيان الاتفاق بين الدين والفلسفة وهو موضوع شغل أذهان مفكري المسلمين كثيراً. فأول ما يطرح ابن طفيل في هذه القصة إشكالية بداية وجود الإنسان على الأرض وإذا ما كان تولد من غير أب ولا أم حسب رأي البعض فيرى ابن طفيل أن حي بن يقظان ولد من أب وأم وكانت أمه هي أخت الملك خافت من الملك فقذفته في اليم وجرفه المد إلى جزيرة أخرى حيث التقطته ظبية كانت فقدت ابنها فحنت عليه وأرضعته حتى ترعرع، ومازال مع الظباء على هذه الحال يحكي نغمتها غير أنه نظر إلى الحيوانات فوجدها مكسوة بالأوبار والأشعار والريش إلا هو ورآها مسلحة بالأنياب والقرون والمخالب إلا هو فلما قارب سبعة أعوام ولم ينبت له شيء من ذلك يئس فبدأ يعوضها بتسخير عقله فاتخذ من أوراق الشجر العريضة ما يكسو بدنه واتخذ من غصون الأشجار عصيا تقوم مقام الأسلحة عند الحيوانات وصار لا يدنو إليه إلا الظبية التي أرضعته ولما أسنت وضعفت ماتت فسكنت حركاتها فاستغرب حي بن يقظان وناداها فلم تجب ففكر طويلاً في هذا الذي نسميه نحن الموت فأخذ يفحص أعضاءها عضواً عضواً، الظاهرة والباطنة، وأخيراً وصل إلى أن العضو الذي سبب الموت يجب أن يكون في الوسط حتى يمد سائر الأعضاء فلما مات ماتت الأعضاء ففتش في الوسط فلقي القلب وهو مجلل بغشاء في غاية القوة والرئة مطبقة عليه لحمايته وشرح القلب فرأى تجويفاً من تجويفاته فارغاً كان فيه حرارة ثم ارتحلت وأنه بارتحالها وارتحلت الحياة معه وبذلك أدرك الموت. وهكذا تتفاعل قصة حي بن يقظان متضمنه آراء وأفكاراً استقرائية تتفاعل في مجملها مع آراء الكاتب حول الحياة من منطلق فتى ولد في الأدغال وأخذ يسعى جل جهده لاكتشاف الكون من حوله وكنه الأشياء ووجودها فلم يكتف بأن يعيش ضمت المتاح. وعلى الرغم من أننا فد نختلف أو نتفق مع طرح الكاتب إلا أن الفكرة تظل جوهر الموضوع. @@ هند المحيسن