ما الأسباب التي تجعل الطفل يميل إلى العدوان؟ وهل يمكن أن تكون هناك إجابات كثيرة ومتنوعة على هذا السؤال؟ والإجابة على هذا السؤال تحتاج من كل واحد منا أن يعرف معنى كلمة سلوك عدواني فما تظنه إحدى الأمهات سلوكاً عدوانياً قد لا تعتبره أم أخرى كذلك، بل قد تنظر أم ثالثة إلى السلوك ذاته على أساس أنه دليل على حيوية الطفل، أن معنى كلمة سلوك عدواني يختلف من أسرة إلى أخرى ومن إنسان إلى آخر.. ومعظم الدارسين لعلم النفس والطب والتربية يسألون هل العدوان دافع فطري في الإنسان؟. والإجابة التي يقولها الواقع هي أن الله خلق في كل إنسان الطاقة لكي يكون عدوانياًأمام الخطر وحتى يدافع عن نفسه ضد عدوان الآخرين، وهناك اصطلاح يستعمل في علم النفس هو دافع العدوان الطبيعي ومعناه هو الطاقة التي يستنفذها الإنسان العادي في ألوان النشاط اليومي سواء في العمل أو المدرسة أو الرياضة. وهكذا نرى أن دافع العدوان الطبيعي ليس أمراً شاذاً بل هو دافع يومي للحياة، هذا أن لم يتحول إلى تدمير للنفس أو تدمير للآخرين، فكل طفل يولد وفي فطرته ميل طبيعي للعدوان، وطبعاً يمكن لكل من التربية والتجربة أن تغير من درجة هذا الميل نحو العدوان أثناء مراحل العمر المختلفة، أن الأم قد تصف حركة الجنين الدائمة وهو في أحشائها على أنها حركة ولد شقي وعندما تلده ويصبح هادئاً تقول أنه طفل وديع لكن هناك طفلاً آخر يكون هادئ الحركة وهو جنين ثم يصبح شعلة موقدة من النشاط ومصدر للضجيج وهو في شهره الثاني. وهكذا نرى أن الدافع الطبيعي إلى العدوان يختلف من إنسان إلى آخر، وحتى أشكال العدوان الشاذة تختلف من حالة إلى أخرى وحسب كل مرحلة من مراحل العمر. ونحن نستمتع بالطفل الغاضب الذي يحاول الانتقام لنفسه عندما يكون عمره سنة أو سنتين ونسعد كل السعادة عندما يعلن الطفل غضبه حيال من أساء إليه، أنه يغضب من أمه عندما تمنعه من الاقتراب من أي شيء قابل للكسر، وقد يضرب الأرض بأقدامه ويبكي، أو يرمي نفسه على الأرض أو من يرفس من أنه لا يملك من البداية ما يتيح له مهاجمة أحد، لكنه يبدأ بمهاجمة نفسه، وتجربة أكثر من تجربة ويملك أكثر من خبرة ثم يبدأ بها مهاجمة الآخرين. ان الطفل في عامه الأول أو الثاني يرغب في العض كأسلوب أولي في الهجوم والدفاع عن نفسه و كما أنه يحاول أن يضرب الخصم بأي شي ثقيل أو يوقعه على الارض , هذا هو الاسلوب المنتشر في هذا العمر للدفاع عن النفس وهو أسلوب بدائي المظهر ومباشر جدا , ولكن يصل الطفل الى عامه الثالث او الرابع فان الام تستطيع أن تلاحظ أن الطفل يتجه حتى أسلوبه العدواني الى التهذيب , إنه يبدو أكثر نضجا , فالطفل الطيب القلب ذو المشاعر الرقيقة لا يرد العدوان فورا انما يحاول من البداية ان يستفسر وأن يحتج و وقد يرد العدوان بعد ذلك , ومن المهم جدا أن نلاحظ بان الأحاسيس العدوانية تأخذ شكل اللعب , ان الطفل يلعب دور الضابط يسرع بالتقاط المسدس واطلاق النار على اللص الشرير الذي يحاول السرقة او تهديد المدينة , ويلعب الطفل ايضا دور العملاق الذي يهجم على المنزل ويسحقه ويكون هذا المنزل بطبيعة الحال مصنوعا من المكعبات التي يلعب بها الطفل.ويلعب الطفل ايضا دور الشرطي الذي يقود سيارة أو دراجة نارية ليطارد اللصوص و يمكننا ان نطلق على هذا النوع من الالعاب كلمة(زر الامن) لأنه يحمي الطفل من الإحساس بالعدوان , أنه ينقي أعماق الطفل من إحساس الضيق والكراهية والغضب .. تلك الأحاسيس التي تتولد وتكثر في الأعماق خلال علاقته بوالده او أحد أخوته. يأخذ الميل الى العدوان صورا أخرى عند بعض الأطفال خصوصا في مجال الاسرة , أن كل أب وأم من الذين انجبوا اكثر من طفلين يدركان جيدا ان هناك إحساسا بالغيرة يتولد في أعماق الطفل الصغير عندما يأتي الى الاسرة مولود جديد , ان الطفل الذي لم يتعد العام الثالث يتوجه بعدوانه إلى هذا المولود الجديد , وهذه القصة الاتية تظهر بوضوح هذا الإحساس بالعدوان الذي يغمر أعماق الطفل الذي لم يبلغ عامه الثالث وخصوصاً عندما يتحول هذا العدوان من حدود الأسرة إلى خارجها، بطلة القصة طفلة في منتصف عامها الثالث وألحقتها الأسرة بإحدى دور الحضانة، وعندما وضعت أم هذه الطفلة مولوداً جديداً لم تظهر على هذه الطفلة أي مشاعر عدائية ناحية المولود الجديد، لكن والدة هذه الطفلة فوجئت بأن دار الحضانة الموجودة بها هذه الطفلة تشكو من عدوان الطفلة على كل طفل أصغر منها بدار الحضانة، أنها تنتهز أي فرصة وتعض أحد الأطفال الأصغر منها، وأخيراً قررت إدارة الحضانة أن تضع حراسة على الأطفال الذين يقل عمرهم عن عمر هذه الطفلة. ونحن نلاحظ بين طفل وآخر ظهور ميل إلى العدوان عند أحد الأطفال بشكل مؤقت، يحدث ذلك كرد فعل لأي متاعب يجدها الطفل خارج نطاق الأسرة مثل عدوان أحد أطفال الجيران عليه وعدم قدرته على رد هذا العدوان ومثل إحساسه بصعوبة الدروس التي يتلقاها في المدرسة، كل هذا يدفعه إلى الإحساس بالضيق وبعدم الثقة بالنفس، ويخاف من أن يسخر منه أحد ويدفعه هذا الإحساس إلى العدوان، ولكن ميل الطفل إلى العدوان يأتي في معظم الأحوال من أسباب عائلية ومن مشاكل تحدث له في حدود علاقاته بأفراد أسرته، ولهذا فلابد أن تبحث الأسرة عن تلك الأسباب وأن تضع نهاية لها حتى نزعات العدوان في أعماق الطفل، أن الأسرة في بعض الأحيان تستطيع ذلك وفي أحيان أخرى لا تعرف الأسرة سوى الحيرة يضيع السبب وراء عدوان الطفل من ذهن الاب او الام وهنا لابد من استشارة احد الاخصائيين النفسيين او الاجتماعيين لانهم يستطيعون ان يعثروا مع الاسرة على حل لهذا العدوان. وهؤلاء الاشخاص المختصون موجودون بطبيعة الحال في العيادة النفسية ويمكن ان يقدموا المساعدة للاسرة كما تتوافر الان خدمات للصحة النفسية يوم الثلاثاء من كل اسبوع في وحدة الرعاية الصحية الاولية في حي الطبيشي بمدينة الدمام. *اخصائية اجتماعية