قدم الدكتور محمد فرج الخطراوي ورقة عمل في الجلسة الخامسة تناولت السياسات الاقتصادية الحكومية وأثرها على القطاع الخاص. وتنقسم الدراسة الى أربعة أجزاء رئيسية.. وتناول الجزء الأول منها سياسة تنويع مصادر الدخل حيث ناقش تطور الاقتصاد السعودي وخصائصه والآثار السلبية للاعتماد على البترول ثم تطرق بشكل مختصر إلى آليات محددة لتنمية وتمويل الصادرات وتحسين مناخ الاستثمار. وتناول الجزء الثاني سياسة التخصيص والدور المأمول الذي يمكن للقطاع الخاص أن يقوم به. وناقش الجزءان الثالث والرابع أهم قضايا السياستين المالية والتمويلية، ثم ختمت الدراسة بمجموعة من التوصيات. وبدأت في فصلهاالأول الدراسة بمناقشة سياسة تنويع مصادر الدخل وأشارت إلى أن الاعتماد على مصدر وحيد للدخل الى تبعات سلبية على الاقتصاد. ويلاحظ الدارس لنمو معدلات التنمية لدى العديد من دول العالم وجود علاقة قوية وإيجابية بين نموها بشكل جيد ومستقر، وتنوع قاعدة الاقتصاد الوطني، وتعدد قطاعاته الانتاجية. وتزداد حدة المشكلة عندما يكون الدخل معتمدا بشكل رئيس على مصدر طبيعي واحد قابل للنضوب. تطور الاقتصاد السعودي اتسمت مراحل تطور الاقتصاد السعودي خلال العقود الثلاثة الماضية بالعديد من السمات المتباينة. إذ مع بداية السبعينيات الميلادية وتحديدا بعد الطفرة البتروية، بدأ الاقتصاد السعودي بالتحول الى اقتصاد حديث، بعد أن كان اقتصادا بسيطا تشكل الزراعة والرعي وبعض الصناعات البدائية المحدد الرئيس له. وقد شهدت فترة السبعينيات الى التسعينيات الميلادية تركيزا على التصنيع من خلال دعم وإنشاء المشروعات الصناعية ذات القيمة المضافة العالية، وتشجيع الصناعات الاحلالية لسد احتياجات السوق المحلية. وامتد ذلك التشجيع والدعم للقطاع الخاص في مختلف المجالات الاقتصادية الأخرى. وبالنظر الى الفترة الراهنة، فإن الاقتصاد السعودي يمر بأحد أهم مراحل تطوره، فعلى الصعيد الدولي يتجه الاقتصاد العالمي الى مزيد من الانفتاح والاندماج والتكامل. وعلى الصعيد المحلي فإن ضعف معدلات النمو الاقتصادي والزيادة الكبيرة في عدد السكان وانخفاض معدلات الاستثمار، كلها أدت إلى تسارع الجهود في المملكة لمواكبة التغيرات والتطورات العالمية خلال السنوات القليلة الماضية. التنويع الاقتصادي أدركت الحكومة منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين أهمية تنويع مصادر الدخل ووضعته هدفا استراتيجيا في معظم خطط التنمية. وقد استهدفت خطط التنمية المتتابعة من ضمن أهدافها تنويع مصادر الدخل الوطني، والتقليل من الاعتماد على ايرادات البترول، عن طريق زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى في اجمالي الناتج المحلي. كما تبنت خطة التنمية السابعة (2000 2004م) استراتيجية طويلة الأجل، حاولت استشراف وتوقع أداء واحتياجات الاقتصاد الوطني من منظور مستقبلي ينتهي بنهاية العام 2020م. وتسعى الحكومة الى وضع السياسات لتحقيق الأهداف التي تؤدي إلى تنويع القاعدة الانتاجية، وفيما يلي تحليل لمدى نجاح تلك السياسات في تحقيق أهدافها. الاقتصاد والنمو السكاني تشير مقارنة ما استهدفته خطط التنمية الخمسية مع ما تحقق فعليا الى أن أغلب معدلات النمو التي استهدفتها خطط التنمية الخمسية لم تتحقق؛ وربما يعود ذلك الى عدد من الأسباب، من أهمها عجز الاقتصاد الوطني عن تخفيف اعتماده على البترول وانخفاض معدلات الاستثمار عموما والحكومي بوجه خاص. ويؤثر تراجع الأداء الاقتصادي وارتفاع معدلات نمو السكان على الرفاهية الاقتصادية عند قياسها بمتوسط دخل الفرد بشكل سلبي. وتوضح البيانات الاحصائية وجود علاقة بين نمو الاقتصاد الحقيقي والنمو السكاني. فمع بداية الثمانينيات الميلادية أدى ارتفاع النمو السكاني بالمملكة نتيجة التحسن الكبير في الظروف الصحية والمعيشية للسكان الى ارتفاع معدلات المواليد، وتزامنت تلك التغيرات (الديموغرافية) مع تراجع معدلات نمو الاقتصاد، وباستثناء الفترة من 1990م إلى 1994م، فقد كان متوسط نمو السكان أعلى من معدلات نمو الاقتصاد. وبأخذ قضية ايجاد الفرص الوظيفية للمواطنين كمؤشر على أحد أهم آثار تراجع معدلات أداء الاقتصاد. يلاحظ أنه منذ النصف الثاني من الثمانينيات الميلادية، أخذت معدلات التوظيف بالتراجع، حتى استقرت عند 0.9% بنهاية الفترة من 2000 إلى 2002م بعد أن كانت قد بلغت 6.5% في النصف الثاني من الثمانينيات الميلادية. ولتقويم مدى نجاح الاقتصاد السعودي في تحقيق التنويع الاقتصادي أو الانتاجي، تمت دراسة تطور قطاع الصناعات التحويلية من خلال تحليل نمو ونسب مساهمة هذا القطاع في اجمالي الناتج المحلي، ومقارنته مع بقية القطاعات الانتاجية لاسيما قطاعي الزراعة والخدمات. وتشير البيانات الاحصائية الى أن نتائج التنويع الاقتصادي بالمملكة كانت متدنية، ولم تصل الى الدرجة المأمولة، التي تكفل إيجاد قاعدة إنتاجية يمكن أن تعزز من نمو الاقتصاد السعودي وتحافظ على استقراره، وعلى الرغم من أن الحجم الاقتصادي لأي قطاع يتحدد بناء على مجموعة من العوامل، من أهمها نصيبه النسبي من الاستثمارات ومن العمالة الكلية ومعدل الأجور والعائد النسبي لكل قطاع، إلا أن عدم توافر بيانات كافية عن تلك العوامل يحتم استخدام طرق أخرى للتحليل. وعلى هذا الأساس يلاحظ أن نسبة اسهام قطاع الصناعات التحويلية في اجمالي الناتج المحلي خلال فترة الدراسة لم تتجاوز في المتوسط 7.7% على الرغم من استهداف جميع خطط التنمية رفع هذه النسبة. وبالاضافة الى ما سبق فإن نسب مساهمة القطاعات الرئيسة في اجمالي الناتج المحلي للفترة من 1968م إلى 2002م، تؤكد على عدم نجاح خطط تنويع مصادر الدخل في المملكة. نسب نمو القطاع الخاص لقد أظهرت دراسة خطط التنمية، أن من أهم أهدافها معالجة وتصحيح الأوضاع الهيكلية للاقتصاد السعودي، لاسيما تقليص الاعتماد على انتاج وتصدير البترول، والعمل على تنويع القاعدة الاقتصادية. ورغم الدور البارز الذي اضطلعت به القطاعات الانتاجية غير البترولية في الاقتصاد السعودي خلال الفترة الماضية، إلا أن الايرادات البترولية ظلت المورد الرئيس للاقتصاد السعودي والمحرك لكافة عمليات التنمية الاقتصادية. ومنذ بداية السبعينيات الميلادية، ووفق ما أظهرته الأرقام الرسمية، فقد كان قطاع البترول وحتى منتصف الثمانينيات الميلادية الأكثر اسهاما في اجمالي الناتج المحلي، حيث بلغت مساهمته ذروتها بالنصف الأول من السبعينيات الميلادية بنحو 64.4% مقابل 24.1% للقطاع الخاص، و11.5% للقطاع الحكومي. ومع بداية النصف الثاني من السبعينيات الميلادية بدأت مساهمة القطاع الخاص في اجمالي الناتج المحلي بالارتفاع لتبلغ 34.2% مقابل 56.7% لقطاع البترول. وقد استمرت مساهمة القطاع الخاص بالارتفاع حتى وقتنا الحالي، حيث بلغت مع نهاية عام 2002م نحو 40.7% مقابل 37.6% لصالح قطاع البترول. آثار الاعتماد على البترول يمكن إيجاز أهم آثار الاعتماد على البترول كمصدر رئيسي للدخل في التأثير السلبي الكبير لتقلبات أسعار البترول على مستويات الاستثمار الاجمالي للاقتصاد الوطني ممثلا بإجمالي الناتج المحلي. كما أدى انخفاض الإيرادات البترولية إلى التأثير على عملية التنمية الاقتصادية، فإجمالي الناتج المحلي يتأثر بشكل مباشر وغير مباشر نتيجة تغير الإيرادات البترولية. وأدى اعتماد الاقتصاد الوطني بشكل رئيس على تصدير البترول، خاصة في تعاملاته الخارجية الى حدوث عجز في الحساب الجاري، وارتفاع معدلات البطالة بسوق العمل المحلية، لاسيما بين النساء، بسبب النمو السكاني الكبير وتراجع معدلات نمو الاقتصاد عموما، بالإضافة الى انخفاض الانفاق على الاستثمارات الرأسمالية. معوقات التصدير تنقسم المعوقات التي تعترض هذه العملية الى معوقات محلية تتعلق في الغالب بالتنظيمات والإجراءات القائمة بالمملكة، أو خارجية مرتبطة بتطورات الاقتصاد العالمي عموما وبظروف اقتصادات البلدان التي يتم التعامل معها تحديدا، ومن أهمها: نقص المعلومات عن الأسواق الخارجية، ومشاكل التمويل والائتمان وضمان المخاطر، وضعف الدعم المباشر للصادرات، وارتفاع تكاليف النقل. آلية تنمية الصادرات احتلت سياسة تشجيع الصادرات مرتبة متقدمة على غيرها من السياسات كنظيرتها سياسة احلال الواردات، ولعل من أبرز مزاياها قدرتها على تحقيق نمو اقتصادي أفضل من بقية السياسات الاقتصادية الأخرى. ويعود السبب في تفوق هذه السياسة علىغيرها الى توفيرها حوافز للمبيعات الصناعية المنتجة محليا لأغراض التصدير، وتخصيصها للموارد بناء على الميزة النسبية، اضافة الى أنها تسمح باستغلال وفورات الحجم، وتساعد على الاستفادة من التطورات التقنية وتوافر المزيد من فرص العمل. وعند الحديث عن سياسة تنمية وتشجيع الصادرات فإنه يجب الأخذ بالعديد من الاجراءات والترتيبات التي تحقق للمصدرين الأهداف والنتائج اتي تقوم عليها سياسة التنمية ومن أهمها أدوات السياسة الصناعية. وتشجيع المنشآت والصناعات الناشئة والمتوسطة والصغيرة، ووضع البرامج والخطط الزمنية الرامية الى تشجيع وتنمية هذه القطاعات: يمكن أن تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دورا حيويا في توفير فرص العمل وتحقيق المزيد من التنويع وزيادة الانتاجية. ولقد أكدت وتؤكد خطط التنمية على دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق أهداف هذه الخطط. إلا أن حشد امكانات مثل هذه المؤسسات وتحديثها يتطلب التغلب على بعض المعوقات التي تحد من أنشطتها واسهاماتها. وتدل أغلب الدراسات التي أجريت حول المنشآت الصغيرة والمتوسطة انها تعاني تدني مستويات التنظيم والادارة، ويعود ذلك بصفة أساسية الى افتقارها الى الكوادر الفنية والخبرات الادارية الحديثة وضعف التزامها بالمعايير المحاسبية وحفظ السجلات السليمة، فضلا عن عدم توافر القدرات الفنية المطلوبة لإجراء أبحاث السوق مما يستدعي وضع الآليات المناسبة لتقديم المساعدة لهذه المؤسسات. كما تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لا سيما في قطاع الخدمات صعوبات في تلبية متطلبات الضمانات الخاصة بالقروض والأنواع الأخرى من الائتمان المطلوبة من قبل المؤسسات المالية، ومؤسسات الإقراض الحكومية المتخصصة. آليات تحسين مناخ الاستثمار يعد توفير البيئة الاستثمارية المناسبة أحد أهم المتطلبات اللازمة لتحقيق النتائج المأمولة من اقامة المشاريع الاستثمارية الهادفة إلى إيجاد المزيد من فرص العمل للمواطن، وتنويع مصادر الدخل وتأمين الاستقرار في الايرادات، كما أنها من أهم الركائز الأساسية التي لابد من توافرها لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز المدخرات الوطنية على الاستثمار محليا. وتطرقت الدراسة في فصلها الثاني الى سياسة التخصيص وتشجيع المنافسة وأشارت إلى أن الحكومات في العديد من دول العالم اتجهت الى اقامة وتملك المنشآت الاقتصادية بناء على قناعة بأن الحكومة هي الأقدر على القيام بمشاريع تنموية كبيرة لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها أو لا يرغب في الدخول فيها لأسباب عدة، لعل من أهمها المخاطرة الكبيرة المتوقعة للدخول في مثل هذه المشاريع. ولكن في الوقت الحاضر هناك توجه قوي نحو العمل على تقليص هذا الدور في الاقتصاد وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص. مفهوم التخصيص يعتبر التخصيص من أهم الوسائل التي تستخدم للاستفادة من نظام السوق من أجل تعزيز الكفاءة وتحقيق التوزيع الأمثل للموارد. وتختلف دواعي التخصيص بين بلد وآخر تبعا للظروف الاقتصادية ولمستوى التطور الاقتصادي. وفي كل الأحوال فعند اللجوء لسياسة التخصيص لابد من مراعاة الشروط الضرورية، القانونية والاقتصادية الكفيلة بنجاح عملية التخصيص، وبما يؤدي إلى إعادة توزيع الدخل والثروة بشكل يساعد على تحقيق العدالة الاجتماعية. وقد بدأ الاهتمام الفعلي بالتخصيص على المستوى الدولي مع حلول عام 1961م، حينما أقدمت الحكومة الألمانية على بيع جزء كبير من حصتها في شركة فولكس واجن للجمهور، مع التركيز على صغار المستثمرين، أعقبتها بتجربة أكبر من خلال طرحها أسهم شركة فيبا للاكتتاب العام. وجاءت تجربة المملكة المتحدة التي شملت نطاقا واسعا من القطاعات الاقتصادية خطوة مشجعة لبقية دول العالم لخوض تجربة التخصيص. ونظرا لأن البيئة السياسية والاقتصادية العالمية خلال عقد التسعينيات أصبحت مهيأة لإحداث تغييرات اقتصادية جذرية، اندفع العديد من دول العالم الى تطبيق التخصيص، ولعبت المنظمات والهيئات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي دورا كبيرا في هذا المجال. ومع أن التخصيص ليس هدفا بحد ذاته، وإنما وسيلة للوصول الى رفع الكفاءة في جميع القطاعات الاقتصادية، إلا أن عملية التخصيص يجب أن تكون مرسومة بشكل واضح مع الالتزام بالشفافية في جميع الخطوات التي تمر بها لضمان مصداقيتها واستمراريتها وبناء الثقة لدى المستثمرين. ويتلخص الهدف الأساسي والعام للتخصيص بإيجاد هيكل اقتصادي تتسم المشاريع فيه بالكفاءة في انتاج السلع ذات الجودة العالية، وتقديم الخدمات عند مستويات سعرية حقيقية وعادلة. ولعل أدق مفهوم يوضح ماهية التخصيص، ذلك المقدم من مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) الذي عرفه على أنه جزء من عملية الاصلاحات الهيكلية للقطاع العام في الهيكل الاقتصادي، لاسيما اعادة تحديد دور الدولة والتخلي عن الأنشطة التي يمكن للقطاع الخاص القيام بها، بهدف رفع الكفاءة الاقتصادية. الشفافية وتشجيع المنافسة من أهم المتطلبات التي يلزم توافرها قبل تنفيذ عملية التخصيص تشجيع المنافسة بما يحقق الكفاءة في الانتاج والتوزيع الأمثل للموارد في المجتمع، من خلال تنمية وتطوير قدرات المؤسسات القضائية والرقابية المختصة بما يعزز ويكرس البيئة التنافسية، ويوفر الفرص بشكل عادل ومتكافىء، ووضع التشريعات والقوانين اللازمة المضادة للاحتكار. ومن أهم العقبات القائمة وفق هذا المتطلب، غياب المحاكم التجارية المتخصصة، وهو ما أدى إلى بطء المؤسسات القضائية القائمة فيما يتعلق بفض المنازعات التجارية، وصعوبة اثبات حقوق الدائنين واقرارها. هذا بالإضافة إلى عدم كفاية التشريعات المتعلقة بمكافحة الاحتكار. وعلى الرغم من أن استراتيجية التخصيص أكدت على الشفافية والوضوح في اجراءات تخصيص المؤسسات العامة، وأشارت الى ضرورة إنشاء هيئات تنظيم مستقلة خاصة عند تخصيص قطاع الخدمات العامة إلا أنه عند التطبيق يلاحظ عدم الالتزام بالأهداف التي سبق ذكرها، ومن هنا فإنه لابد من التأكيد على أن من أهم المتطلبات التي يلزم توافرها لتنفيذ التخصيص، الالتزام بالشفافية في جميع الخطوات التي تمر بها العملية بهدف ضمان المصداقية التي تخدم عملية التخصيص واستمراريتها وبناء الثقة لدى المستثمرين. ويضفي وجود الشفافية على عملية التخصيص أحد أهم عوامل الجذب والاستقطاب، إضافة إلى تحقيق أهم شروط المنافسة الكاملة التي يشترطها نظام السوق. ومن جهة أخرى ينبغي على الحكومة الالتزام بالشفافية أثناء وضعها الخطط الخاصة بالتخصيص وتنفيذها. وعملا بالشروط اللازمة لتحقيق الشفافية، يجب أن تكون هناك خطوات محددة وواضحة لعمليات البيع، كما يجب أن تكون معلنة ومنشورة ومتاحة لجميع الأطراف من ذوي العلاقة، وبالنسبة للشركات فمن الواجب نشر كافة المعلومات المالية والمحاسبية التي تتعلق بجميع أنشطة تلك الشركات، وذلك قبل وقت كاف من اتمام عملية البيع ونقل الملكية، بما يساعد على التوصل الى القيمة السوقية المناسبة لأصولها. كما أنه من الضروري أن توضح أهداف واستراتيجيات التخصيص في المملكة الرؤية المستقبلية التي تركزعلى رفع مشاركة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية لزيادة الكفاءة التشغيلية للاقتصاد الوطني وإيجاد البيئة التنافسية، وإعادة النظر في دور الحكومة في الأنشطة الاقتصادية، وحصرها في أضيق الحدود بحيث لا تكون هي المحرك الرئيس للاقتصاد الوطني. وتناول الفصل الثالث من الدراسة السياسة المالية للمصروفات والايرادات واشارت الى ان اغلب الدراسات دلت على اهمية دور الحكومة في التنمية والنمو الاقتصادي, واوضحت دراسات عديدة على ان النجاح البارز لاقتصادات دول جنوب شرق اسيا منذ اوائل عقد الستينيات من القرن العشرين يعود الى سياسات الدولة, فالسياسات والاعمال التي قامت بها دول هذه المنطقة خدمت نجاح هذه الاقتصادات. وهناك اتفاق عام في الراي حول العناصر الرئيسة لهذا النجاح, والتي تشكل مجموعة متفاعلة متكاملة من اهمها ارتفاع معدلات الادخار والاستثمار لاسيما في رأس المال البشري, والتوزيع العادل للدخل والثروة, والاستقرار السياسي والاقتصادي. واذا كان هناك نوع من القوة الدافعة وراء نجاح اقتصادات دول جنوب شرق اسيا, فانها بالتأكيد تراكم رأس المال المادي والبشري, وتصرف الحكومات كمحرك او عامل مساعد دون ان يجري استهلاكها في العملية, اي انها كانت بمثابة منظم قابل للتكيف ومستجيب للتغير. وعلى الجانب الاخر فان تجربة دول امريكا اللاتينية تختلف بشكل كبير عن تجربة مثيلاتها دول جنوب شرق اسيا فمع انها اعتمدت على سياسات التصنيع وتدفقت عليها الاستثمارات واعانات وقروض كثيرة لمدة طويلة, الا انها عانت كثيرا من انهيارات اقتصادية ومالية كبيرة ومتعددة, وقد يرجع السبب الرئيس لذلك الى انها اعتمدت سياسات اقتصادية حمائية, كما اعتمدت على القطاع العام بشكل كبير. السياسة المالية في المملكة لقد تمكنت الحكومة منذ بداية السبعينيات الميلادية من استغلال العوائد البترولية في تمويل برامج طموحة استهدفت مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني, وبشكل خاص مساعدة القطاع الخاص على التطور والنمو. ومع ان عقد السبعينيات الميلادية شهد فترة تفوق للقطاع العام في المملكة على القطاع الخاص, الا ان هذا لايعني تهميشا للقطاع الخاص بشكل كامل, فقد شهد هذا العقد والعقود الذي تلته ايضا تزامنا وتشابها وترابطا بين معدلات نمو القطاع الخاص من جهة, وبين معدلات نمو القطاع الحكومي غير البترولي من جهة ثانية. وتشير الاحصاءات الى ان القطاع الخاص ساهم في سد الفجوة التي خلفها انخفاض الانفاق الحكومي على تكوين رأس المال الثابت او الاستهلاك كل هذا يدل على علاقة تكاملية وتناغمية بين القطاعين العام والخاص, ولكن هذه العلاقة التكاملية قد تنقلب عند وصولها الى حد معين الى علاقة تزاحمية. وهنا يأتي الدور الاهم لتفعيل السياسة المالية. الانفاق الحكومي واوجه انفاقه ينطوي تطوير عمل الميزانية العامة بما يتلاءم مع التطورات الحديثة, والعمل على ايجاد بعض السبل والابتكارات على اهمية كبيرة تؤدي الى مفعول مادي ومعنوي ونفسي على القطاع الخاص ليتجاوب معها. ويعتبر الانفاق الحكومي بكل انواعه الاداة الرئيسة للسياسة المالية وتأتي اهميته عن طريق تفعيل دور الميزانية العامة للدولة من عدة وجوه لعل من اهمها سبل واوجه الانفاق الحكومي, ووسائل وطرق الحصول على الموارد اللازمة لهذا الانفاق. وياتي في اولويات الانفاق, الصرف على الاستثمارات الحكومية, خصوصا الاستثمارات الموجهة للبنية التحتية حتى تكون عامل تحفيز وتشجيع لاستثمارات القطاع الخاص. ولهذا فمن المناسب استخدام الانفاق الحكومي المتوازن لتنمية المناطق لحفز القطاع الخاص على الاستثمار. وقد دلت اغلب الدراسات عن الانفاق العام في الدول النامية, على ان الانفاق الحكومي على المشاريع ذات الصبغة الاستثمارية يشجع استثمارات القطاع الخاص. وتشير البيانات عن المصروفات التقديرية في الميزانية العامة مقارنة بالمصروفات الفعلية خلال السنوات من 1987م الى 2002م, وكذلك الفرق بين الانفاق الفعلي والمقدر سواء لابالزيادة أو الانخفاض الى انه ماعدا ثلاث سنوات خلال هذه الفترة 1988م، 1993، 1998م فان الانفاق الفعلي يفوق الانفاق المقدر بنسب متفاوتة تتراوح ما بين 2.4% في عام 1994م, 32.1% في عام 1996م. كما وصلت هذه الزيادة الى اكثر من 27% في عام 2000م. قد تعطي هذه الفروق الانطباع للقطاع الخاص بان التقديرات التي تحتوي عليها الميزانية العامة للدولة عند اعلانها لايعتد بها. وهذا قد يؤثر على مصداقية البيانات ومن ثم انعدام الثقة فيما تعلنه وزارة المالية, وعدم اخذها في الاعتبار من قبل القطاع الخاص عند وضع خططه المستقبلية. هذا الى جانب ان الانفاق الجاري يفوق بكثير الانفاق الاستثماري, حيث يلاحظ ان الانفاق الجاري يصل في بعض السنوات الى ما يقارب 93% من مخصصات الميزانية العامة. وهذا قد يؤثر سلبا على استثمارات القطاع الخاص المستقبلية, خصوصاعند الحاجة الى زيادة الاستثمارات الخاصة للانفاق على تكوين رأس المال الثابت. كما ان العجز في الميزانية العامة بين الاعوام 1992م و 2002م يتراوح مابين 15.8 بليون ريال في عام 1997م, وما يقارب 48.5 بليون ريال في عام 1998م. ومع ان هناك فائضا في ميزانية عام 2000م الا ان العجز في الميزانية العامة عاد الى الظهور في ميزانية عام 2001م الى ما يقارب 27 بليون ريال, ونحو 20.5 بليون ريال في عام 2002م, وتتراوح نسبة عجز الميزانية الى اجمالي الناتج المحلي ما بين 2.6% في عام 1997م, 9.6% في عام 1993م, ويعتبر هذا العجز المزمن في الميزانية العامة للدولة منذ الثمانينيات الميلادية السبب الرئيس لتراكم الدين العام الذي تعدى ال600 بليون ريال حسب المصادر الرسمية. بنوك وصناديق التنمية امتدادا لاهمية الانفاق الحكومي في تحفيز القطاع الخاص, قامت الحكومة بانشاء بنوك وصناديق التنمية ودعمتها بالاعتمادات اللازمة. فصناديق وبنوك التنمية التي اقامتها الحكومة منذ سنوات, يتوافرلديها اصول مالية ضخمة كان لها اهداف انية تحققت واهدافها بعيدة ان الوقت للبدء في تحقيقها. القطاع الخاص والسياسة المالية اكدت الرئاسة على اهمية ازالة بعض المعوقات المتعلقة بالسياسة المالية التي يعاني منها القطاع الخاص والتي تتلخص في تاخر صرف المستحقات لدى الجهات الحكومية, وعدم الوضوح في الانظمة وانعدام الشفافية, وطول اجراءات الاعفاء الجمركي, وعدم وضوح انظمتها, وانتشار البيروقراطية وبطء الاجراءات الادارية الحكومية, ونقص البيانات والمعلومات, ومحدودية تمتع المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالحوافز والامتيازات الممنوحة للمنشآت الكبيرة, وعدم وجود حوافز للاستثمار في المناطق النائية, وضعف قدرة المؤسسات المالية الكبيرة على النفاذ للسوق المحلية. السياسات النقدية تناول الفصل الرابع السياسات النقدية والمصرفية واشار الى ان الجهاز النقدي والمالي يقوم بدور حيوي وفعال في تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال الوساطة المالية بين المدخرين والمستثمرين. وتشير الدراسات الى وجود علاقة موجبة ومباشرة بين كفاءة الجهاز النقدي والمالي ومعدلات التنمية في العديد من دول العالم, وبالنسبة للمملكة تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي بدور السلطة النقدية والمالية وتتولى الترخيص والرقابة والاشراف على اهم مكونات الجهاز النقدي والمالي في المملكة, لاسيما البنوك التجارية وشركات الصرافة, وسوق الاسهم, وشركات التامين كما يقوم عدد من البنوك والصناديق المتخصصة بدور فعال في تمويل مشاريع البنى التحتية والاسكان والمشاريع الصناعية والزراعية. مؤسسة النقد تعتبر البنوك المركزية من اهم مكونات الجهاز النقدي والمصرفي, ومن وظائفها اصدار العملة المحلية ومتابعة سعر صرفها, والعمل كمصرف للحكومة ومستشار مالي لها, والمحافظة على الاحتياطيات الحكومية من العملات الاجنبية واستثمارها, ومراقبة البنوك وغيرها من المؤسساتب المالية, وانشاء انظمة الدفع والمقاصة, وتخطيط السياسة النقدية وتنفيذها. البنوك التجارية تعمل في المملكة حاليا عشرة بنوك تجارية منها سبعة سعودية اجنبية مشتركة لاتزيد نسبة المساهمة الاجنبية فيها على 40% من رأس مالها, وثلاثة بنوك مملوكة بالكامل لمصالح وطنية. بالاضافة الى ثلاثة فروع لبنوك من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ويساعد وجود جهاز بنكي متطور وفعال على توجيه الموارد المالية المتاحة نحو الاستخدام الامثل لها, ويدعم تكوين المؤسسات الانتاجية خصوصا المتوسطة والصغيرة. وعليه فمن الضروري دراسة وتحليل اهم القضايا والمؤشرات ذات العلاقة بالجهاز البنكي في المملكة ومناقشة كفاءته وقدرته على خدمة الاقتصاد الوطني: الكثافة والتركز المصرفي تستخدم الكثافة المصرفية لقياس مدى انتشار الخدمات البنكية في الدول, ويدل انخفاض النسبة عن 0.5% على كثافة مصرفية منخفضة وزيادتها عن الواحد الصحيح على كثافة مصرفية عالية. وتشير الاحصاءات المنشورة الى ان المملكة تقع ضمن مجموعة الدول العربية متوسطة الكثافة من 0.6 الى 1.0% وقد ادى انتشار اجهزة الصرف الالي في المملكة خلال السنوات القليلة الماضية, وزيادة الاستخدام الرسمي والخاص لنظام سريع للمدفوعات, واندماج البنوك مع بعضها الى عدم زيادة عدد فروع البنوك التجارية خلال الاعوام القليلة الماضية، وبالتالي انخفاض الكثافة المصرفية في المملكة مقارنة بغيرها من الدول. ونظرا لعدم وجود مقياس عملي يحدد المستوى التنافسي للبنوك التجارية، فان التركيز المصرفي يستخدم عادة لهذا الغرض، ويتم قياسه بحساب نسبة الاصول العائدة الى اكبر ثلاثة بنوك من اجمالي اصول البنوك العاملة في الدولة. وقد بلغت تلك النسبة في المملكة نحو 50% في عام 2002م. الترخيص للبنوك التجارية تخضع البنوك التجارية الى رقابة واشراف وزارة التجارة والصناعة بحكم كونها شركات مساهمة خاضعة لنظام الشركات وغيره من الانظمة ذات العلاقة، كما تشرف عليها مؤسسة النقد العربي السعودي لكونها منشآت مصرفية او مالية. ويضع نظام مراقبة البنوك، وقواعد تطبيقه، الاطار النظري للترخيص بانشاء البنوك التجاريو مراقبتها والاشراف عليها. ويلاحظ المتابع لسياسة مؤسسة النقد العربي السعودي فيما يتعلق بالترخيص بانشاء بنوك جديدة او فتح فروع لبنوك اجنبية، تحفظها القوى على ذلك. ويعزو العديد من المهتمين بالتطورات النقدية والمالية في المملكة النسب العالية لارباح البنوك التجارية في المملكة خلال عقد التسعينيات الميلادية من القرن العشرين الى ارتفاع نسبة الودائع الجارية وانخفاض درجة المنافسة بين البنوك العاملة في السوق المحلية وتمتعها بمميزات احتكارية تسببت في ارتفاع تكلفة الخدمات البنكية على المستهلك والمستثمر، وانخفاض العائد على الودائع الزمنية. ومن جهة اخرى يرى البعض ان سياسة مؤسسة النقد تجاه عدم الترخيص للبنوك في المملكة، وتشجيعها اندماج البنوك القائمة مع بعضها، بالاضافة الى تركيزها على زيادة حقوق المساهمين في البنوك المحلية، ادى الى دعم المراكز المالية للبنوك المحلية وجعلها قادرة على المنافسة اقليميا مع بنوك دول مجلس التعاون، ودوليا مع البنوك العالمية. الملاءة المالية تعتبر حقوق المساهمين في البنوك التجارية خط الدفاع الاول لحماية اموال المودعين عند تعرض البنك الى خسائر مالية. وتتكون حقوق المساهمين عادة من راس مال البنك والاحتياطيات غير الموزعة من الارباح. ونظرا لاهمية تكوين الاحتياطيات وتعزيز راس مال البنوك التجارية، فقد نص نظام مراقبة البنوك على انه يجب على البنك قبل توزيع اية ارباح ان يرحل الى الاحتياطي النظامي مبلغا لا يقل عن 25% من ارباحه السنوية الى ان يصبح الاحتياطي مساويا لرأس مال البنك، كما حظر النظام على البنك دفع ارباح للمساهمين قبل استهلاك جميع مصاريف التأسيس واية خسائر يتكبدها البنك. ولضمان توافر حد ادنى من حقوق المساهمين مقارنة باجمالي حقوق المودعين نصت المادة السادسة من النظام نفسه على انه لا يجوز ان تزيد التزامات البنك من الودائع خمسة عشر مثلا من مجموع احتياطياته ورأسماله المدفوع والمستثمر (حقوق المساهمين). وللاهمية القصوى للعلاقة بين حقوق المساهمين واجمالي اصول البنك او ودائعه، وتأثيرها المباشر على سلامة الجهاز المصرفي وقدرته على التعامل مع الصدمات الداخلية والخارجية، تبنى بنك التسويات الدولية ما يعرف بنسب الملاءة المالية او الرأسمالية التي لا بد للبنوك التجارية من الالتزام بها. ومن اهم النسب المتعارف عليها لدى معظم المختصين في هذا المجال نسبة اجمالي حقوق المساهمين الى موجودات البنك ونسبة حقوق المساهمين الى ودائع العملاء. وتشير الاحصاءات المنشورة حول هذا الموضوع بالنسبة للبنوك السعودية مع نهاية عام 2002م ، الى ان جميع البنوك التجارية السعودية تتمتع بملاءة مالية جيدة تتجاوز النسب المحددة من بنك التسويات الدولية (8%) كما ان الملاءة المالية للبنوك الوطنية تفوق الملاءة المالية للبنوك السعودية الاجنبية المشتركة بشكل عام. وتبلغ نسبة اجمالي حقوق المساهمين لجميع البنوك التجارية الى اجمالي موجوداتها للعام 2002 م نحو 9.3% وهي نسبة تتجاوز النسبة المطلوبة عالميا (8%) من قبل بنك التسويات الدولي. وعند حساب الملاءة المالية المرجحة بالمخاطر للبنوك السعودية لاسيما ترجيحها بالسندات الحكومية يتضح ان الملاءة المالية للبنوك السعودية عالية جدا وقد تصل الى نحو 18%. هيكل موجودات البنوك التجارية تشكل مطلوبات القطاع البنكي على الحكومة ومؤسساتها وعلى القطاع الخاص واجمالي الاصول الاجنبية معظم موجوداته، حيث بلغت نحو 88% من اجمالي موجودات البنوك التجارية. وقد نما اجمالي مطلوبات البنوك التجارية على القطاع الخاص خلال الفترة من 1997م الى 2002م بمتوسط سنوي بلغ نحو 10.8% وبمعدل فاق معدل نمو اجمالي الموجودات الذي بلغ نحو 8.6% للفترة نفسها. وتشكل القروض والسلف والسحب على المكشوف نحو 90% من مطلوبات المصارف من القطاع الخاص. ومن الملاحظ ارتفاع نسبة القروض الاستهلاكية من اجمالي القروض الممنوحة للقطاع الخاص خلال السنوات القليلة الماضية. اما بالنسبة للتمويل العقاري فلم يكن نموه مقاربا لنسبة نمو الاقراض الاستهلاكي ولعل السبب يعود الى عدم وجود نظام واضح للرهن العقاري، وتخوف البنوك التجارية من عدم قدرتها على بيع العقار لتسديد القرض في حالة عدم سداده، لاسيما ان المادة العاشرة من نظام مراقبة البنوك تحظر على البنوك التجارية امتلاك عقار او استئجاره الا اذا كان ضروريا لادارة اعمال البنك او لسكن موظفيه او وفاء لدين تجاه الغير. من فعاليات المنتدى