الأحداث العنيفة المتوالية يوما بعد آخر، تكشف مدى خطورة دوامة العنف التي يقود المجتمع إليها التيار المتطرف التكفيري، مؤثرا المواجهة المسلحة على كل وسائل الحوار الأخرى، وعلى العقل، والعمل التغييري الإصلاحي والمدني، الذي يتوسل آليات الديموقراطية طريقا لتحقيق تطور ملموس في بنية المجتمع والدولة. المجتمع من جهته بات ينظر بقلق لهذه الدوامة المتسارعة، فمنذ تفجيرات الرياض الماضية، والارهابيون لا يكفون عن الاشتباك مع قوات الأمن، مما أدى لمقتل العديد من الأشخاص من الجانبين، فضلا عن الأضرار الاجتماعية والسياسية التي تحدثها مثل هذه الاشتباكات، وحال عدم الاستقرار، وجو التوتر اللذان تشيعهما هذه الأعمال. الملاحظ أن التطرفية التكفيرية تأخذ نفس السمات في مختلف الأرجاء، كون جذرها الذي تتكئ عليه واحد، وهو "قمع الآخر"، والوثوقية الزائدة في النفس، التي تجعلها لا ترى صوابا غير منطقها وما عداه فهو محض باطل ينبغي اجتثاثه. التطرفية وبسلوكها الدموي، برهنت على عدم قيمية الإنسان في خطابها وممارساتها، فهي مهما رفعت شعارات الإصلاح، وتطبيق شرع الله، والحفاظ على حرمات الناس، إلا أنها على العكس من كل ذلك، نراها قامعة لهذا الإنسان، عابثة به، غير آبهة بحياته، وما ممارسة هذا القتل المجاني إلا دليل على ذلك. تتبع بسيط لتاريخ هذا العنف يكشف عن هامشية الإنسان في الخطاب التطرفي التكفيري، من عمليات الرياض، وقبلها 11 سبتمبر، وتفجيرات النجف، وتفجير مبنى الأممالمتحدة ببغداد، واغتيال عقيلة الهاشمي، والمجازر بحق المدنيين في الجزائر، ودوامة الدم التي عاشتها مصر لسنوات...كل هذه الممارسات وغيرها، تكشف مدى هامشية بل وحقارة قدر الإنسان لدى هذه الحركات المتطرفة. الاستهانة بقيمة الإنسان، لها بعدها الفكري، كونهم يضعون حاكمية الله في المقابل من حاكمية الإنسان، مما يجعلهم ضمن ثنائية صعبة، يوجهون فيها سلاحهم ضد الإنسان، لتبقى حاكمية الله، متناسين أن الله استخلف الإنسان في أرضه، ومتناسين أن الله خلق كل هذا الكون، وبعث شرائعه من أجل حياة كريمة للبشرية. الإنسان سيظل الضحية الأولى، وسيظل منتهكا ومهانا طالما ظل هذا الخطاب يبصر ضمن هذه الرؤية، وستظل هذه الرؤية مغذيا أساسا للجماعات المتطرفة التكفيرية. لذا لابد من إعادة قراءة لمكانة الإنسان ضمن الخطاب الإسلامي، لكي ننزع من التكفيريين أحد مرتكزاتهم الفكرية التي يشرعون عبرها ممارساتهم الإرهابية.