عندما قررت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) خفض إنتاجها بواقع 900 ألف برميل في اليوم اعتبارا من الأول من نوفمبر معيدة إياه إلى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب على العراق، فهي بذلك تهدف لتفادي فائض في الإنتاج مع نهاية العام، ولتعيد سقف الانتاج الى 24.5 مليون برميل في اليوم بدلا من 25.4مليون برميل في اليوم في السابق، مما أدى على الفور الى ارتفاع في اسعار النفط حوالي دولار للبرميل. وكان لعودة العراق الى مقعدة من جديد في المنظمة عامل مساعد لاتخاذ مثل هذا القرار لافساح المجال أمامه في دخول السوق النفطي على نظام الحصص. وتعتبر أوبك هذا القرار جاء ليكون اجراء تصحيحيا لاجراءات اتخذتها في الربيع لمواجهة الغياب التام للعراق عن السوق بسبب الحرب. حيث ان قرار اوبك في 24 ابريل بزيادة حصتها الى 25.4 مليون برميل في اليوم اتخذ في ظروف خاصة. لا سيما وان العراق قد أعلن وعلى لسان وزير النفط العراقي ابراهيم بحر العلوم الذي حضر الاجتماع الوزاري لاوبك للمرة الاولى منذ الحرب، أن الانتاج العراقي يصل حاليا الى 1.8 مليون برميل في اليوم ويهدف الى انتاج ما بين 3.5 الى 4 ملايين برميل في اليوم قبل نهاية العام 2005، وستة ملايين برميل في اليوم من الان وحتى نهاية العقد. كما وضعت أوبك في حساباتها المفاعيل المتضافرة لانتاج الدول غير الاعضاء في اوبك، والتعويم السريع للمخزون التجاري والتي قد يكون لها كلها، بحسب اوبك، مفعول يزعزع الاستقرار في السوق ويفرض خفضا في عرض كل الدول المنتجة لضمان الاستقرار. لقد قررت اوبك عقد اجتماع استثنائي جديد في الرابع من ديسمبر القادم في فيينا والاجتماع العادي المقبل في العاشر من مارس في العاصمة النمساوية ايضا، لتقييم الاوضاع واعادة النظر بالمستجدات . ولم يأت هذا القرار الا بعد مشاورات مطولة بين وزراء نفط المنظمة خلف ابواب مغلقة طيلة الليلة التي سبقت الاجتماع ، في الوقت الذي كانت فيه كل التوقعات تشير الى ثبات سقف الانتاج دون تغير، على اعتبار ان الاسعار متوازنة وضمن هامشها المحدد. لقد جاء القرار منسجما مع مرئيات المنظمة التي تسيطرعلى حوالي 50 بالمائة من صادرات النفط الى العالم الهادفة الى تحقيق توازن بين ارتفاع معدلات انتاج العراق المتوقعة بعد انتهاء الحرب وبين ما تضخه دول اخرى خارج اوبك الى السوق وخاصة روسيا وبعض الدول الافريقية. ووصف محللون قرار أوبك بانه القرار الصائب وجاء في الوقت المناسب حيث تمكنت المنظمة من قراءة ما وراء الأحداث بدقة متناهية. مرة أخرى أثبتت أوبك قدرتها على التعامل السريع مع المعطيات المستجدة على الساحة النفطية العالمية، و كان لقرار الخفض رد فعل فوري في الأسواق ترجمته حالة ارتفاع الأسعار، وهناك توقعات بمزيد من الارتفاعات خلال التعاملات المقبلة وهو أمر طبيعي للمحافظة على نظام عمل آلية أسعار أوبك المحصورة بين 22 و28 دولارا للبرميل. وتؤكد المنظمة على ضرورة مراقبة تطورات الأسعار بشكل متواصل ومنع هبوطها الى معدلات قياسية مثلما حدث عام 1998 عندما انهارت الى اقل من عشرة دولارات للبرميل اذ لا يستبعد ان يعقد وزراء نفط المنظمة اجتماعا استثنائيا قبل نهاية العام الجاري لتحقيق هذا الهدف والحفاظ على استقرار السوق.