تتزين الأحساء بعشرات العيون المائية، التي كانت تتدفق بشكل تلقائي بين واحاتها الخضراء، لتشكل أبهى لوحات الجمال الزراعي، وحينما قصر ماؤها عن الفيضان بذلت وزارة الزراعة جهود مكثفة لاستمرار عطائها، عن طريق وضع المضخات الضخمة، ولا تزال هذه العيون من أبرز مواقع الجذب السياحي في المحافظة. وفي فصل الصيف يكثر التردد على العيون، لقضاء وقت ممتع في الغوص والسباحة، لمواجهة وهج الحر، الذي يشتد خلال هذه الأيام، حيث يتهافت الشباب والأطفال وحتى كبار السن على العيون المنتشرة في أرجاء الأحساء، التي عرفت بها منذ قديم الزمان، فهناك الكثير يقضون أوقاتهم في العوم في الماء، وإثارة المرح والسباق، خاصة في العيون القريبة من المناطق السكنية، مثل عين الحارة وعين الجوهرية وغيرها الكثير، حيث جهزت هيئة مشروع الري والصرف تلك العيون لاستقبال الزوار، فهي تفتح أبوابها منذ الصباح الباكر وحتى قبيل منتصف الليل، وقد توقف ضخ المياه إلى بعض العيون، بسبب استراتيجية الري والصرف في المحافظة. وتحظى بعض العيون برواد أكثر من غيرها، تبعا لحلاوة الماء ونقائه وكثرته، ولعل عيون الحارة وأم سبعة والجوهرية من أنشطها وأكثرها ارتياداً، لمواقعها الجيدة، حتى أصبحت أهم العيون في الوقت الحاضر؛ حيث يتردد عليها في اليوم الواحد بين 300 إلى 500 شخص، تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 50 سنة، يقضون فيها وقتا طويلا، يؤمونها من داخل وخارج الأحساء. وإذا كانت الأحساء اشتهرت بزراعة التمور، حيث تنتج أجود التمور في العالم. فأنها اشتهرت كذلك بمياهها الجارية الدافقة، التي مازالت تروي بساتين الواحة، على امتدادها، مما جعلها تأخذ الطابع السياحي، فالأحساء أرض خير، اكتسبت اسمها من مضمون طبيعتها الجغرافية، حيث وفرة المياه وعذوبتها، إذ توجد قبل سنوات أكثر من 30 عيناً طبيعية التدفق، كانت تمد الواحة الزراعية بالمياه، عبر مجموعة أنهر وجداول، تشكل في شبكة الري التقليدية في الأحساء، قبل إقامة مشروع الري والصرف. ومن أهم هذه العيون: باهلة، برابر، البحيرية، القربات، الحقل، الحارة، الحويرات، الجوهرية، الخدود، المطيرفي، أم سبعة، وصويدرة. ومع إنشاء مشروع الري والصرف تم تحسين وضع هذه العيون، بإقامة مسابح حولها، وطرق تصريف مدروسة لإمداد قنوات الري, كما أدخلت الهيئة تقنيات حديثة لزيادة قدرات هذه العيون، على إمداد قنوات الري بالمياه، بعد حالة التراجع في مستويات تدفقها. وتعد الخدود من اكبر هذه العيون، إضافة إلى عين الحقل وأم سبع، أما عين النجم ذات المياه المعدنية الكبريتية، والخاصية الدافئة، فقد كانت لها مكانة هامة، ثم أخذت مكانتها في سنوات لاحقة بعد دخول الملك عبدالعزيز للأحساء، فقد أعيد بناء قبتها والمجالس المحيطة بها، وتم تطوير مسابحها والحدائق حولها. ويقال ان عدد العيون يربو على 90 عينا شهيرة، وبعضها تنبع منه مياه كبريتية، ولذلك اشتهرت بعض العيون بالأحساء بأنها منتجع صحي لمن يعانون آلام الروماتيزم والمفاصل وغيرها من أمراض العظام، بل أن مياهها مفيدة لعدد غير قليل من الأمراض الجلدية الشائعة، وأظن أن الهيئة العامة للسياحة بالمملكة أدرجت هذه العيون في قائمة اهتماماتها المستقبلية، لتحديث المناطق السياحية بالأحساء، وهي تستحق ذلك. ومع أهمية العيون فإنها لا تحظى بالاهتمام اللائق بمكانتها، من قبل الجهة المسؤولة عن الأماكن السياحية، ولا حتى من المواطنين وأصحاب رؤوس الأموال في القطاع الخاص، وهنا سيلاحظ المتابع أن هناك بونا شاسعا بين الحديث الكثير حول السياحة الداخلية، وأهميتها في النمو الاقتصادي، وبين واقع الاهتمام بمناطق الجذب السياحي، فعيون الأحساء واحدة من عدد من المواقع السياحية في الأحساء بعيدة عن مقومات السياحة العادية، فضلا عن المتميزة. النظافة مفقودة في جولة استطلاعية على عدد من عيون الأحساء التقينا بعدد من المرتادين، تحدث لنا منهم يوسف علي المذن، الذي جاء ليقضي وقتا ممتعا في السباحة مع أبنائه (فهد وعمر وأسامة ونواف)، يقول: هذه العين مكان سياحي نشط، يرتاده المواطنون في هذه الإجازة، ويقضون فيه جزءا من أوقاتهم، ولكننا نرى أن الجهة المسؤولة عن هذه العين لا تهتم بها، من حيث التنظيف ما بين وقت وآخر كما هو مشاهد. ويرى المذن أن إهمال مكان مثل هذا يؤدي في النهاية إلى الاستخدام السيئ من المرتادين له، حيث لا يرون له قيمة حضارية ونظافة متميزة، تشجع على المحافظة عليها، فمن رأى القاذورات، وهي تطفح على سطح العين، وتتجمع حولها، فلن يتورع عن إلقاء ما عنده هو أيضا، وكأنه مستنقع قذر ومكان رحب لتجمع الحشرات ومنبع واسع لانتشار الأمراض والأوبئة. لا سيما وجود غطاء عين الحارة القديم المتهالك، الذي يهدد مرتاديها دائما، فهو آيل للسقوط، ولو سقط بداخله طفل فلن ينجو منه إطلاقا. أما الشاب إبراهيم العلي فيؤكد على ضرورة التنظيف الدوري للعين، حتى نتمكن من جعلها مكاناً سياحياً جذاباً، مع ما يوجد في العين من نواقص في كثير من الخدمات السياحية، فليس حولها أي نوع من الألعاب، ولم يزرع أي نوع من الأشجار لتزيينها، وأما بالنسبة للنظافة فإن القادم للعين عندما يشاهد هذه الأوساخ منتشرة هنا وهناك فسيشعر بالتقزز والاشمئزاز؛ لذلك ينبغي العناية الجيدة بنظافة حوض السباحة من الطحالب، وما حول الحوض من الأكياس وعلب المرطبات والأوراق والزجاج المتكسر داخل الماء، الذي قد لا ينجو منه طفل. وهذا النداء في غاية الأهمية؛ لما تشكله النظافة من أهمية قصوى، فالناس يختلطون هنا بشكل عشوائي، ويتعاملون مع الماء الملوث بهذه القاذورات دون وعي أحيانا. مشاريع ناجحة لم تستغل كما ذكر عدد من مرتادي العيون أن مكان العين لم يستغل استغلالاً جيدا، لا من قبل هيئة مشروع الري والصرف بالأحساء، أو رجال الأعمال، في تأمين بعض الخدمات الضرورية، يقول عبد العزيز صالح الدريسي عن الأماكن التي تحيط بالعين: لم تستغل استغلالاً جيدا، بتأمين بوفيه لبيع بعض المرطبات والمأكولات الخفيفة، ولابد من توفير عدد من الكراسي والمظلات، ليزداد منظر العين جمالا، ولتقدم خدمة للآباء الذين يرافقون أبناءهم للعين للسباحة، حيث لا توجد أماكن للجلوس، كما أن المكان المحيط بالعين جيد لعمل مطعم مصغر، يحتوي على بعض الطلبات والمشروبات، بالإضافة إلى بيع بعض أدوات السباحة. أين حمام التغيير؟ ويقترح إبراهيم علي الغنام إيجاد حمام سباحة خاص؛ ليغتسل فيه الخارج من العين، ويغير فيه ملابسه، حيث إن الحمام الموجود غير مناسب لذلك، ولا يصلح للاستعمال من قبل الناس، ومن الضروري وجود عامل نظافة وحارس أمن، لملاحظة بعض الشباب وتصرفاتهم. رسوم رمزية وأيد عدد من مرتادي عين الحارة فكرة وجود مبلغ رمزي، لا يتجاوز ريالا واحدا للفرد الراغب في السباحة في العين، يقول رائد المحمد: فكرة وجود مبلغ رمزي عند دخول العين جيدة، ولكن إذا كان ذلك سوف يخدم العين ويطورها، فتزداد الخدمات السياحية بها. بينما يعارض فوزي الشيخ ذلك، يقول: هذا المكان مكان عام، يرتاده الشباب ممن لا يستطيعون الذهاب إلى المتنزهات والملاهي؛ لأنهم لا يملكون رسومها، فكيف تريد أن تحرمهم من هذه العين أيضا. أما أحمد الملا فيرى أن أخذ مبلغ رمزي سيكون من أسباب تطور العين، ويزيد الاهتمام بها، وتأمين عدد من الخدمات الضرورية، إلى جانب إيجاد مكان لتغيير الملابس وكراسي الجلوس، وعمل عدد من المظلات، فهذا أمر جيد، وأنا ارغب في ذلك، لأن ريال واحد ليس له قيمة عندنا في هذا الوقت، فإذا كان مردوده كبيرا فأهلاً وسهلاً بهذا الاقتراح. السباحة والسلوك يرتاد العيون عدد من الشباب، منهم صاحب السلوك السيئ، ومنهم صاحب السلوك الحسن، ومنهم الصغير، الذي يحضر لكي يتمتع بوقته في العين، ومنهم الكبير الذي يأتي لكي يخرب، ويفرد عضلاته على الموجودين، لذلك طالب عدد من الشباب أن يكون هناك ضبط لكثير من التصرفات التي يقوم بها الشباب.. يقول الشاب سامي البو خضير: نحن ممن يحضر كثيراً لهذه العين، ونشاهد تصرفات غير لائقة من قبل بعض الشباب، ومضايقات لبعض الشباب، وفي كثير من المرات تركنا العين، بسبب ذلك، لعدم وجود من يقوم بضبط الأمر. لذلك من الضروري أن يوضع رجل أمن، يطرد الشباب الذي يقومون ببعض التصرفات غير الأخلاقية، ويضايقون المرتادين. أما أبو نايف فيقول: منع التدخين في مثل هذا المكان أمر مهم جداً، لأن هذا مكان عام، يرتاده الصغير والكبير، ووجود شباب صغار وكبار يدخنون أمر محزن، وينبغي منعه؛ لذلك أتمنى من الجهة المسؤولة عن هذه العيون توفير حراس أمن فيها. تنفيس عن الهموم شاب آخر يرى ان المجيء للعين للقضاء على الملل وقتل الوقت، وهو يمضي من 5 إلى 7 ساعات يومياً في العين، ولذلك يطالب بأن تكون العين مفتوحة طوال 24 ساعة، حتى يستفاد منها في كل وقت، يجد فيه ضيقا في نفسه. أما مصطفى الرضوان، وهو من مرتادي العين الحارة، فيرى إن الوقت في الإجازة طويل، ولا يدري الشاب أين يذهب، خصوصاً مع عدم توفر وظائف صيفية كافية للشباب، مما جعله يقسم وقتي بين السباحة والنوم، يقول: أنا أجلس في العين الحارة بين 3 إلى 4 ساعات. أما الشاب سامي البقال فيقول: العين الحارة أصبحت ملاذاً للشباب، يزيلون فيها همومهم، ويغسلون أحزانهم، حيث إن الفراغ الذي يعيشه الشباب في هذه الإجازة الصيفية، والحرارة الشديدة التي يجدها الشاب من أهله في البيت، الذين يطلبون منه الذهاب للبحث عن عمل، ومع قلة الأعمال يأتي الشباب إلى هذه العين، فينسون جميع ذلك، فيلعبون ويمرحون ثم يعودون إلى منازلهم، وهكذا تدور الأيام على هذه الحال، ولذلك نرى ضرورة فتح العين طوال اليوم، حتى نأتي إليها كلما انتابتنا الهموم، وضيق علينا الأهل، وأوصد أصحاب الأعمال والشركات أبواب مكاتبهم في وجوهنا، حضرنا إلى هنا، وتركنا جميع ذلك خلف ظهورنا. مطلوب اهتمام من الكل أغلب من التقيناهم أكدوا على إن جميع عيون الأحساء بحاجة إلى اهتمام من قبل هيئة الري والصرف وبلدية الأحساء والقطاع الخاص في المملكة، حيث تعد من مقومات السياحة، التي ينبغي الاهتمام بها، والسعي إلى تطويرها، لذلك كانت هناك عدد من الملاحظات والمقترحات التي نقدمها بهذه المناسبة، مع العلم بأن المسؤولين في تلك الجهات السابقة بذلوا بعض الجهود في استقطاب السياحة إلى هذه الواحة الخضراء، فإليهم جميعا نوجه هذا الملاحظات، التي منها أن العيون المقصودة من السياح غالبا تحيط بها مساحة لا بأس بها، ولكن هذا المساحة غير مستغلة، لذلك ينبغي استغلالها والاستفادة منها، بعمل بعض الجلسات والمظلات، بالإضافة إلى إيجاد دكان صغير لبيع بعض المرطبات وأدوات السباحة، ولابد من الاهتمام بالنظافة المستمرة للعين، وما يحيط بها؛ حيث إن موقع العين الأصلي توجد به أوساخ كثيرة، مما حدا بالفئران إلى منافسة المرتادين في السباحة، وزيادة عدد أعمدة الإنارة، وتوفير عامل للنظافة ورجل للأمن، وتنظيف حوض السباحة، وتخصيص مكان للصغار، كما يجب جعل منسوب ارتفاع الماء واحدا؛ لكي يتمكن الجميع من السباحة والاستمتاع فيها، ومنع التدخين والحلاقة حول العين أو في حدودها، وتوفير بعض الزلاجات والنطاطات المائية، وإيجاد منقذ في حالة حصول غرق لا قدر الله لأحد من مرتادي العين، وأخيراً نقول لجميع مرتادي العين أو مرتادي أي مكان للتنزه والسياحة بأن هذه الأماكن هي لك، ووضعت من أجلك، فحافظ عليها، ولا تدع غيرك يعبث بها، فإن النعم تدوم بالشكر، والتي منها هذه العيون. @ عين الحارة تستقطب الكثير من الباحثين عن المتعة @ غطاء عين الحارة قديم ومتهالك ويهدد المرتادين @ جراثيم وأوبئة تطفو فوق السطح @ أطفال يجدون متعتهم في السباحة