هل مات توت غنخ امون مقتولا؟ علامة استفهام كبيرة واسئلة متعددة وحوار من نوع طريف بين اثنين من رجال المباحث الفيدرالية الامريكية (FBI) من جهة وعلماء الاثار المصريين من جهة اخرى فجريمة مقتل الملك الطفل كما يطلقون عليه ان وجدت قد مر عليها الاف السنين. الاكثر من هذا ان المباحث الفيدرالية اتهمت اربعة رجال بمقتله يؤيدهم في هذا الرأي الدكتور زاهي حواس عالم الاثار المصري بينما يقف بقية العلماء في الاتجاه المضاد لدرجة ان الدكتور عبدالحليم نور الدين استاذ الاثار بالجامعات المصرية وعميد واحدة من اكبر كلياتها اتهم رجال المباحث الفيدرالية بتزييف التاريخ. لان كافة الصور والاشعة التي اخذت لمومياء الملك, وبالرغم من عدم وجود اي نص يثبت وجود مؤامرة اغتيال وبالرغم من ان كل الدراسات والابحاث التي تمت حول هذا الملك ومقبرته وكنوزه الرائعة لم تؤكد انه مات مقتولا, فاننا فوجئنا منذ اسابيع باثنين من رجال الشرطة الامريكية يعلنان ان هذا الملك تم اغتياله وان القاتل واحد من اربع شخصيات من كبار رجال الدولة في ذللك الوقت. ووصل الاهتمام بهذه المسألة الى حد الهوس, فقد انتشرت ملصقات دعائية في انحاء لندن تحمل صورة الفرعون الشاب للاعلان عن برنامج ثقافي عنوانه من قتل توت عنخ امون؟ عرضته القناة الخامسة بالتلفزيون البريطاني في محاولة للتزييف ولايوجد دليل واحد يؤكد صحة هذا الكلام وان الملك توت غنخ امون لم يقتل. وعموما هل مات الملك توت غنخ امون مقتولا؟ او مريضا؟ او بسبب حادث؟ او مات ميتة طبيعية؟ سؤال يتردد دائما منذ اكتشاف مقبرة هذا الملك في وادي الملوك بالاقصر عام 1922 وبداخلها هذه الكنوز الرائعة من توابيت ذهبية ومقاصير وتماثيل وحلى وعجلات حربية والتي تبهر كل من يزور المتحف المصري بالقاهرة لشدة جمالها وتنوعها ودقة صنعها وبريقها الذهبي الذي جعل كارتر مكتشف هذه المقبرة يقول ان بريق الذهب يجعل عيني ترتعشان ذلك عندما رأى هذه الكنوز على ضوء شمعة من خلال فتحة صغيرة. وعلى مدى الثمانين عاما الماضية منذ اكتشاف هذه المقبرة التي نجت من ايدي اللصوص جرت هناك محاولات عديدة لكشف الغموض عن وفاة هذا الملك كان آخرها ذلك التحقيق الذي نشر منذ اسابيع بمجلة تايم الامريكية تذكر فيه ان منتجا سينمائيا بريطانيا قام بتكليف اثنين من رجال الشرطة الامريكية للتحقيق في جريمة قتل الملك توت غنخ امون والتي تمت منذ اكثر من ثلاثة الاف عام وان المحققين توصلا الى ان القاتل واحد من اربعة اشخاص وهم حور محب قائد الجيش, واي رئيس الوزراء ومايا امين الخزانة الملكية وغنخ ان رأس امون زوجة هذا الملك الصغير, وقد استند المحققان في حكمهما الى بعض الكتب والصور لمقبرة الملك وصور اشعة اكس للمومياء ولقاءات مع بعض الخبراء المعاصرين ليتوصلا في النهاية الى ان اي هو القاتل وهو الذي تولى الحكم بعد وفاة الملك توت غنخ امون. وبمناقشة هذا الموضوع مع عدد من علماء الاثار المصرية ايد عدد قليل منهم ان هناك جريمة وراء وفاة هذا الملك بينما اكد عدد كبير منهم انه لايوجد دليل واحد يؤكد هذا الكلام وان هذا الملك توت غنخ امون لم يقتل بل ان احد علماء الاثار ربط بين اثارة هذا الموضوع الان وبين رفض طلب احدى البعثات باخذ عينة من المومياء لاجراء تحليل ل(DNA) عليها ود. زاهي حواس الامين العام للمجلس الاعلى للاثار من الفريق الذي يؤيد وقوع جريمة قتل وذلك بسبب الصراع على الحكم فعندما توفى الملك اخناتون والد الملك توت غنخ امون تولى الحكم بعده الامير سمنخ كارع وذلك بمساعدة الملك تي ام الملك اخناتون ومعها اي الكاهن الاعظم حور محب قائد الجيوش ولكن الملكة نفرتيتي زوجة الملك اخناتون وام بناته والتي كان يعيش معها توت غنخ امون ابن زوجها من زوجة اخرى كانت ترى ان توت غنخ امون هو الاحق بالحكم فدبرت المؤامرات للتخلص من الملك سمنخ كارع ونجحت في النهاية وتولى الملك توت غنخ امون العرش وتزوج احدى بنات الملكة نفرتيتي وكان عمر الملك في ذلك الوقت تسع سنوات وظل يحكم البلاد تسع سنوات اخرى تقريبا حتى استطاع الكاهن اي وقائد الجيوش ان يتخلصا منه ويتولى اي الحكم لتكون هذه اول مرة يتولى حكم البلاد رجل لاتربطه بالاسرة الملكية صلة. وبعدوفاته تولى الحكم القائد حور محب الذي كون اول اسرة عسكرية في البلاد. ويضيف حواس ان الذي يؤكد ان هناك جريمة قتل وارء وفاة الملك توت غنخ امون وجود تهشم في الجمجمة عند اكتشافها ويؤيد هذا الرأي عالم المصريات د. احمد الصاوي فيقول انه ربما يكون الملك توت غنخ امون مات مسموما عن طريق الطاعنين في الحكم ربما يكون اي او حور محب ان الاثنين اتفقا معا على القيام بهذا ولان اي كان رجلا عجوزا فقد كان حور محب يعلم ان الحكم سيصل اليه في النهاية. ولكن د. عبدالحكيم نور الدين عميد كلية اثار الفيوم يؤكد ان هناك بعض الجهات تريد تزييف التاريخ بالتركيز على بعض ملوك مصر القديمة والربط بينهم وبين بعض الانبياء. فالملك توت غنخ امون تولى الحكم في ظروف صعبة وغامضة وربما تكون وفاته غير طبيعية ولكن لانستطيع ان نقول انه مات مقتولا فلا يوجد دليل على المومياء يوضح الطريقة التي مات بها واذا كان البعض يستند الى وجود كسر في الجمجمة فالجماجم كلها بها كسور وحتى لو افترضنا انه مات بصورة غير طبيعية فاين الدليل الاثري ان اي كان دائما قريبا من كرسي العرش فلماذا اذن يقتل هذا الملك؟ اما حور محب فهو قائد عسكري ولا اعتقد ان اخلاق القادة تجعله يقتل الملك؟ اما زوجته فلماذا تقتله؟ وينهي د. عبدالحليم حديثة بسؤال عن سبب اثارة هذا الموضوع بعد رفض اجراء تجربة الحمض النووي على مومياء هذا الملك. نصري اسكندر مدير عام مركز بحوث وصيانة الاثار والمسؤول عن المومياء الملكية يرى ان كل ما يقال عن وجود جريمة وراء وفاة توت غنخ امون تخمينات لاتستند الى اسباب علمية ولابد من دراسة الجمجمة والجسم بالاشعة للتعرف على دقائق المومياء لنستطيع الاجابة عن هذا السؤال: هل قتل هذا الملك ام لا؟ ويضيف نصري اسكندر انه كانت هناك محاولة منذ فترة للاجابة عن بعض الاسئلة بطريقة ال (DNA) لمعرفة العلاقة بين هذا الملك والملك اخناتون سمنخ كارع ولكن صدر قرار بوقف هذه التجربة قبل بدايتها. ويؤكد صبري عبدالعزيز رئيس قطاع الاثار المصرية بالمجلس الاعلى للاثار انه لم يثبت علميا حتى الان ان الملك توت غنخ امون مات مقتولا. اما الكسر الموجود في الجمجمة فهو نتيجة الاسلوب الذي اتبعه كارتر عندما فتح التابوت فقد كانت المومياء عند اكتشافها ملتصقة بالمواد الراتنجية والاصماغ التي كان يستخدمها المصري القديم في التحنيط فقام كارتر بوضع التابوت تحت اشعة الشمس لاذابة هذه الاصماغ وعندما لم تفلح هذه العملية قام باشعال النار تحت التابوت وعندما حاول رفع القناع من على المومياء انفصل الرأس عن الجسم. ويضيف صبري عبدالعزيز انه لايوجد لدينا تفسير لموت هذا الملك في هذه السن المبكرة واذا كان البعض يقول انه قتل على يد حور محب قائد الجيش فلماذا لم يقل هذا القائد الحكم بعد موت الملك وترك العرش للكاهن اي واذا كان اي هو القاتل فلماذا لم يتول الحكم بعد وفاة الملك اخناتون مباشرة وانتظر كل هذه السنين ليدبر جريمة القتل واذا كان القاتل هو وزوجته فما الدافع وراء جريمتها؟ اما عالم المصريات ابرايهم النواوي فيؤكد وان كان كل ما يقال هو مجرد تخمينات فهذا الملك هو اصغر ملك في عالم الفراعنة تولى الحكم وعمره تسع سنوات ولانه توفى في سن صغيرة حاول البعض تفسير الوفاة بانه سبب سقوطه من على الجواد او مؤامرة اغتيال ولكن كلا الفريقين لم يقدم لنا اي مستند تاريخي او بردية او اي نص يؤكد هذا الكلام ويضيف ابراهيم النواوي انه في عام 1967قامت بعثة امريكية من جامعة مييتشغان برئاسة جيمس هاريس بتصوير مجموعة المومياءات الملكية بالاشعة السينية في المتحف المصري ثم اتجهت الى وادي الملوك بالاقصر حيث توجد مومياء الملك توت غنخ امون داخل مقبرتها وقد اظهرت الاشعة ان المومياء لشاب في حوالي الثامنة عشرة من عمره وان هناك نتؤا بسيطا خلف الاذن اليسرى لرأس الملك وهو ناتج عن كمية الراتنجات الكثيرة التي استعملت في عملية التحنيط والاربطة واللفائف الكتانية التي لف بها الرأس وهذا يفسر ما يقال حول اغتيال هذا الملك ولم تظهر اي جروح او قطع في الجمجمة او في الجسم اما سبب سوء حالة المومياء فهذا يرجع الى الاسلوب الذي تعامل به كارتر معها بحثا عن المجوهرات فقد ذكر كارتر في يومياته انه عندما بدأ في فك الشرائط الكتانية فانه كان مزودا بالة حادة. ويستكمل النواوي حديثة قائلا: انه لايوجد اي دليل على قتل هذا الملك الشاب الذي كان يساعده طوال فترة حكمة اثنان من كبار رجال الدولة هما اي وحور محب إلا أن الملك في هذه السن الصغيرة لم يكن يستطيع ان يدير شؤون الدولة المصرية بمفرده ولكن بمساعدة هذين الرجلين مرت سنوات حكمه التسع في هدوء, كما انتقل الحكم بصورة طبيعية الى اي ومنه الى حور محب ولايوجد في تاريخ الرجلين مايشير الى احداث غير عادية. ويعتقد البعض انه ربما يكون السبب وراء وفاة الملك الشاب بعض الامراض التي ورثها عن اسرته حيث يوجد في تماثيل ومناظر الملك اخناتون وبناته استطالة الرأس للخلف وربما يكون هذا سبب احد الامراض. واذا كانت مومياء الملك الشاب داخل مقبرتها تثير الجدل بين علماء الاثار منذ اكتشافها فان كنوزه المعروضة بالمتحف المصري تبهر كل من يراها وقد قرر المسؤولون في المجلس الاعلى للاثار بمناسبة الاحتفال بمئوية المتحف المصري تخصيص جزء من المعرض الذي سيقام في بدروم المتحف لعرض بعض القطع الاثرية الخاصة بهذا الملك والتي يراها الزائرون لاول مرة منذ اكتشافها. جدارية توضح انخ سينانون وهو يعطر توت عنخ امون