في ظل الظروف الاقتصادية والمستجدات على الساحة الدولية والتي تمثل بلا شك ضغوطا كبيرة على جميع الدول دون استثناء لمواجهة الطلب المتزايد على الخدمات العامة كما ونوعا، تستوجب تنظيما اداريا وسياسيا يمكن من الوصول الى قرارات عامة ذات كفاية وفاعلية اقتصادية ونؤكد هنا ان الفاعلية لاتعني فقط الى اي مدى تحقق الهدف، ولكن هل الهدف الذي نسعى لتحقيقه في الاصل ذو قيمة اقتصادية ويحتل اولوية اجتماعية؟ لتحقيق ذلك يلزم مراجعة اجراءات كيفية اتخاذ القرار العام ليس داخل البيروقراطيات (الوزارات) فحسب ولكن التنظيم الذي يتيح اتخاذ القرار ذي الشأن المحلي محليا وليس مركزيا، بالاضافة الى الرقابة السياسية المحلية على هذه البيروقراطيات (الادارات والوزارات). التوجه نحو اللامركزية او التخفيف منها من شأنه جعل سكان المدن يتحملون مسئولية القرار العام الخاص بهم والبحث عن افضل السبل لتلبية احتياجاتهم ومصالحهم العامة وبذلك ينزاح عن كاهل الحكومة المركزية مسئولية وصعوبة تلبية الخدمات المحلية التي تختلف من مدينة لاخرى. لذا نجد ان التدرج لسلطات الهرم المكاني للدولة نابع من مفهوم التدرج الهرمي للخدمات العامة فهناك خدمات يلزم تقديمها على مستوى الدولة مثل الدفاع عن الوطن او تطعيم الاطفال عن مرض وبائي فيما نجد ان هناك خدمات مثل رش المستنقعات بالمبيدات الحشرية او توفير المياه الصالحة للشرب او تخطيط الاقليم يكون على مستوى المنطقة او الاقليم بينما تكون خدمات تجميل المدينة وتخطيطها وجمع النفايات وصيانة الشوارع من اهتمامات ادارة المدينة وقد يكون هناك تداخل بين ماتقدمه الدولة على المستوى الوطني والمستوى الاقليمي والمستوى المحلي تفرضها طبيعة بعض هذه الخدمات والظروف المالية والادارية فعلى سبيل المثال الطرق التي تصل المدن مع بعضها البعض تأخذ اهتمام المسئولين المحليين وكذلك الادارات الاقليمية وهي بطبيعة الحال ضمن برنامج الخطط التنموية للدولة. ان مفهوم المحلية يعني اخذ الرأي العام المحلي في الحسبان واتخاذ القرار محليا فيما يخص المواضيع المحلية يؤكد ذلك طبيعة وظيفة ادارة المدن في تقديم الخدمات العامة مما يحتم تحديد الاولويات بناء على التوجه العام لاحتياجات السكان المحليين (سكان المدينة) وليس على اسس ادارية فنية (بيروقراطية). وقد ادركت حكومة المملكة ضرورة التقليل من المركزية والتوجه اكثر نحو اللامركزية وعملت على ذلك من خلال اصدار نظام البلديات والقرى لعام 1397ه ونظام المناطق لعام 1412ه ويعتبر هذان النظامان المرتكز الاساسي للادارة المحلية في المملكة فالاول يمثل التقسيم البلدي والقروي والثاني يمثل التقسيم الاداري السياسي ولكن يبقى نظام المناطق النظام الاشمل والاعلى والاساس في التنظيم المحلي على الاقل من الناحية النظرية اذ انه وحتى الوقت الحاضر ليس هناك تنظيم موحد بين الوزارات والهيئات الحكومية في توزيع وادارة فروعها في المناطق والمحافظات والمراكز. العمل جار على ان تأخذ الوزارات بتقسيمات نظام المناطق الذي قسم المملكة الى ثلاث عشرة منطقة تتكون كل منطقة اداريا من عدد من المحافظات فئة (أ) وفئة (ب) والمراكز فئة (أ) وفئة (ب). وعلى ان نظام المناطق اصدر لتنظيم الادارة المحلية الا ان تفعيله كان لصالح المناطق اكثر منه للوحدات المحلية في المستويات الادنى مثل المحافظات والمراكز وما يهم في هذا الصدد هو ان المحافظات والمراكز ليس لديها استقلال اداري ومالي، بل تعتبر فروعا لامارة المنطقة. وعلى ان نظام البلديات والقرى لعام 1397ه نص على تشكيل مجالس بلدية يتراوح عدد اعضائها بين 4 24 عضوا حسب حجم البلدية ودرجة تصنيفها وطبيعة اعمالها ونشاطها بحيث ينتخب نصف اعضاء المجالس ويعين النصف الآخر الا انه لم يتم انشاء هذه المجالس البلدية. عليه جاءت تقسيمات البلديات استنادا الى معايير فنية ادارية اهمها عدد وكثافة سكان ومساحة (النطاق العمراني) الوحدة المحلية قد يكون النسيج والتواصل العمراني و المعيار الاساس الذي يميز مدينة عن اخرى دون الالتفات الى النسق الاجتماعي والتركيبة السكانية وتباين الاحتياجات بين سكان المدن وقدرة اجهزتها الادارية على تقديم الخدمات العامة بفاعلية وبأقل تكلفة ممكنة. ان مانحتاج اليه في الوقت الحاضر هو تفعيل المجالس البلدية او المحافظات حتى تكون هناك جهة تنظيمية محلية واحدة تصيغ التنظيمات وتصادق على المخططات والميزانيات المحلية كما تقوم بمراقبة تنفيذ المشاريع والخدمات المقرة من المجلس وبذلك تكون لدينا ادارة للمدن تتخذ قرارا محليا مبنيا على توجهات واحتياجات محلية ومرجعية واحدة محلية لاتخاذ القرارات المحلية وهذا مانتوقع ان يسعى الحوار الوطني لتحقيقه.