القطن واحد من المحاصيل المحدودة التي تنمو بشكل جيد في الدول الافريقية التي تكاد تعاني الجفاف مثل مالي وبوركينا فاسو وتشاد وبنين الامر الذي يجعله واحدا من المحاصيل الاساسية في دعم اقتصادات تلك الدول. ولا يحمل مزارعو القطن في تلك الدول الطقس السيئ والبنية الاساسية الضعيفة أو إجراءات التصدير البيروقراطية المسئولية بوصفها العوامل الرئيسية لما يعانونه من مشكلات. وبدلا من ذلك يوجهون أشد الانتقاد إلى الدول الغربية ولا سيما الولاياتالمتحدة التي تقدم دعما ضخما لمزارعي القطن الامر الذي يقضي على أي فرص للمزارعين الافارقة في المنافسة. وستقدم الدول الافريقية اقتراحا في اجتماع وزراء التجارة بمنظمة التجارة العالمية الذي يبدأ أعماله اليوم في مدينة كانكون المكسيكية برفع جميع أشكال الدعم لزراعة القطن على مدى ثلاث سنوات. ولا يلقى الاقتراح ترحيبا حارا من جانب الولاياتالمتحدة ووصفه كبار المسئولين التجاريين بها بأنه غير واقعي . لكن منتقدين يقولون إن الدعم الذي يقدم لخمسة وعشرين ألف مزارع أمريكي هو الذي يستحق وصف غير واقعي . وقد أورد بحث لوكالة المساعدات البريطانية اوكسفام أن الدعم الذي يقدم لمزارعي القطن الامريكي والذي يتراوح بين ثلاثة مليارات وأربع مليارات دولار سنويا يعادل ثلاثة أضعاف القيمة الكلية لمساعدات التنمية الامريكية لافريقيا. كما أن الدعم الذي قدم لمزارعي القطن الامريكيين عام 2001 تجاوز القيمة السوقية لاجمالي محصول القطن. وان ثمن القطن بعد مراعاة معدلات التضخم قد انخفض بمقدار النصف منذ منتصف التسعينات وأن سعره حاليا أقل من أي سعر له منذ الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي. وينتقد مراقبون من مختلف المشارب وليس فقط من مناهضي العولمة الولاياتالمتحدة ويتهمونها بالنفاق لانها في الوقت الذي تبشر فيه بالتجارة الحرة باعتبارها السبيل والخلاص فإنها تقوم بممارسات حمائية مفضوحة عندما يتعلق الامر بمزراعي القطن الامريكيين. وكتبت صحيفة نيويورك تايمز في إحدى افتتاحيتها الشهر الماضي تقول إن دعم مزارعي القطن الامريكيين يقتل مزارعي القطن الافارقة. وأضافت التايمز : إذا خفضت الولاياتالمتحدة من حجم الدعم الذي تقدمه لمزارعي القطن الامريكيين فإن أسعاره سترتفع إلى مستويات واقعية من شأنها السماح لمزارعي القطن في العالم الثالث بالمنافسة وجني الارباح . وعندما زار الرئيس الامريكي جورج بوش أفريقيا في يوليو الماضي أكد اثنان من نظرائه في غرب أفريقيا في خطاب مفتوح أنهما ملتزمان بمبادئ اقتصاد السوق وحثاه على أن يحذو حذوهما. وقال رئيس مالي أمادو توماني تور ونظيره رئيس بوركينا فاسو بليز كامبوري مطلبنا بسيط. لا تطبق قواعد التجارة الحرة على تلك المنتجات التي تخدم مصالح الاغنياء الاقوياء فحسب ولكن أيضا على المنتجات التي تتمتع فيها البلدان الفقيرة بميزة تنافسية واضحة . ويضيف نائب وزير الزراعة الاوغندي إسرائيل كيبر جي سيسبونبا إن صناعة القطن عندنا لاتستطيع الانطلاق لاننا نواجه منافسة غير عادلة مع منتجات مدعومة . وقالت أوكسفام في أحدث تقاريرها عن القطن والذي صدر تحت عنوان زراعة الفقر في حين تحث الولاياتالمتحدة على التجارة الحرة وفتح أسواق البلدان النامية فإن ما تقدمه من دعم يدمر أسواق مزارعين لاحول لهم ولا قوة . لكن المجلس القومي للقطن وهو لوبي المزارعين في الولاياتالمتحدة يرفض هذه المخاوف. ويقول مارك لانج رئيس المجلس المزارعون في كل مكان يعانون عندما تنخفض الاسعار والبعض يعاني أكثر مما يعاني آخرون . ويدعو اقتراح دول غرب أفريقيا إلى تقديم تعويضات مالية مع خفض الدعم إلى الصفر. وتقدر أوكسفام أن دولا أفريقية خسرت نحو 300 مليون دولار في الموسم الزراعي 2001-2002 بسبب آثار الدعم على الاسعار والاسواق. وما من أحد يتوقع أن تؤثر دول غرب أفريقيا على الولاياتالمتحدة في كانكون إلا أن مراقبين كثيرين سيرقبون عن كثب ليروا ما إذا كانت منظمة التجارة العالمية سترتفع إلى المستوى المتوقع منها كهيئة ديمقراطية تناصر حرية التجارة. يقول مارك ريتش رئيس معهد سياسات الزراعة والتجارة ومقره الولاياتالمتحدة إن اجتماع كانكون سيكون اختبارا للكيفية التي ستتعامل بها منظمة التجارة العالمية مع تلك الحركة المطالبة بقواعد للتجارة أكثر إنصافا .