خلال السنوات القليلة الماضية كان لدينا (أو لدى أغلبنا) أن أخلاقيات وتداعيات الطفرة النفطية على السلوك الاستهلاكي المحلي قدانتهت، وولت أيامها مع أفول نجم تلك الطفرة. إلا أننا كما يبدو كنا موهومين أو أن نظرتنا ليست دقيقة بالكامل. كنا نتصور أن قيم العمل والانضباط سوف تعود إلى سابق عهدها، فالجيل الجديد ليس جيل طفرة، ولا هم يحزنون، بالتالي فليس أمامه إلا أن يسلك سلوك الآباء والأجداد في الجد والاجتهاد واغتنام الفرص، لكننا نجد أن بعض أبناء الجيل الجديد متطفلين على أخلاقيات ما قبلهم من أبناء الطفرة، أو ممن تشربوا بسلبياتها، ولكن على أسوأ صورة، وتظهر هذه الحقيقة (وأرجو ألا أكون قاسيا) في أوقات النوم خلال فصل الصيف، الذي يبدأ من الصباح الباكر، حتى بداية الليل الباكر في بطالة مقنعة موغلة في الترفيه، حتى أن التفكير في العمل الجاد هو آخر ما يفكر فيه بعض أبناء الجيل الحالي. شاهد آخر، كنا نتصور أن المجتمع السعودي ككل وضمن معطيات الوضع الاقتصادي الحالي أن يسلك طريق ترشيد الاستهلاك، انطلاقا من الأخلاق الاسلامية، وأن تكون المصاريف على قدر العائدات، فإذا بنا نقف أمام أناس قد بالغوا في (السفه) حتى النخاع، بدليل عدد الدائنين لكل واحد من أبناء الجيل الجديد (جيل ما بعد الطفرة) بدءا من البنك ووكالة السيارة مروروا بمحل الأجهزة الكهربائية وغير ذلك، يضاف الى ذلك عدد الفواتير التي زادت في الوقت الحالي، خصوصا فاتورة الجوال، التي لم تأت في زمن الطفرة (بكل أسف!)، والا كانت الكارثة. واذا كانت هناك في فترة الطفرة حالات من الاسراف والتبذير في كل شيء، فإن الواقع حينها كان مشجعا، والأموال متوافرة بصورة ملحوظة، والأسعار (مخفضة!!) لكن الذي تشهده اليوم، رغم أننا نعتقد أن فترة الطفرة قد ولت، لا يختلف كثيرا عما كنا عليه، بل اكثر من ذي قبل، إذ أن مصاريف اضافية دخلت الى الساحة، فالشاب قبل عشرين عاما يتطلع الى ثوب راق وحذاء متميز واذا تطور الأمر يحتاج الى سيارة، وتكلفة زواجه تبدو معقولة حينها. لكن اليوم (وما أدراك ما هذا اليوم!) دخلت على الخط مصاريف أخرى، كالحاسب الآلي والارتباط بالانترنت، والتلفاز والاشتراك في الفضائيات، المشفرة والمفتوحة، مما يستدعي زيادة صرف الكهرباء لأن السهر يصل الى ساعات متأخرة من الليل، وما يستدعي ذلك من تشغيل الأنوار وأجهزة التكييف وما شابه ذلك. بالإضافة الى الجوال وفواتيره وموديلاته، والطعام وأصنافه واذا جئنا الى موضوع الزواج فإن القائمة تطول والمصاريف تزيد، وبصورةهي ضعف ما كنا نصرفه زمن الطفرة.. وأما السيارات فإن قصتها طويلة، ومصاريفها اكثر من الهم على القلب، وكأن شيئا لم يتغير، وأن الأموال كما كانت قبل عشرين عاما. ولا أعلم اذا كان هذا هو وضعنا، لماذا نكرر (ونخادع أنفسنا) ونقول ان زمن الطفرة قد ولى، ونرى كل يوم السلوك الاستهلاكي يأخذ أبعادا تجعلنا لانصمد أمام طوفان العولمة الذي يغزونا كل يوم بقيم جديدة، دون أن نحرك ساكنا لأننا تعودنا أن نكون استهلاكيين، ونفاخر الأمم الأخرى بهذه الأخلاقيات، فهل حقا انتهى زمن الطفرة؟ أنا أقول: (لا). وانت ماذا تقول؟!