ينبغي للقائمين على جهود بناء مركز جديد للتجارة العالمية أن يضعوا في اعتبارهم سلطة المال والسياسة وهما أمران لا يمكن الفصل بينهما في مدينة نيويورك وأيضا الوفاء بمتطلبات أمن المباني ومراعاة مشاعر أسر الضحايا. وعلى مدى عامين منذ وقوع الهجمات التي دمرت المركز المكون من برجين بارتفاع 110 طوابق، يتعاون السياسيون وزعماء وول ستريت وأسر نحو 2800 ضحية لدفع خطط بناء مركز جديد. وسيبدأ العمل في صيف عام 2004 ليتواكب مع مؤتمر الحزب الجمهوري الذي يعقد في مدينة نيويورك والذي من المتوقع أن يسعى الرئيس جورج بوش خلاله للفوز بترشيح الحزب له لفترة رئاسية ثانية. ويتنافس الان نحو 5 آلاف متسابق للفوز بجائزة أفضل تصميم لنصب تذكاري للضحايا ومن المتوقع إعلان التصميم الفائز في نهاية عام 2003 وسيكون النصب جزءا من مركز تجارة عالمي جديد يتكلف مليارات الدولارات. ويرى دانيال ليبسكند الذي فاز تصميمه لبناء مركز جديد في مسابقة في وقت سابق من العام الجاري أن تخطيط البناء يعد فاتحة عصر جديد من الوعي في فن العمارة والذي سيتعين فيه أن تكون ناطحات السحاب قادرة على الصمود في وجه الهجمات الارهابية. واعترف ليبسكند بأن المال والسياسة كانا معيارين مهمين في الموافقة على تصميمه للمركز الجديد. لكنه يعزو سرعة إعلان نتائج مسابقة أفضل تصميم إلى الدعم الكبير من جانب الرأي العام لافكاره. وفاز ليبسكند على ثمانية منافسين دوليين. وقال إن الرأي العام لعب دورا محوريا في تطور المشروع. ويمضي ليبسكند معظم وقته في العمل في مخطط أصلي للمشروع مع معماريين آخرين اختارتهم شركات المقاولات التي ستتولى التنفيذ وحكومة نيويورك. وهو واثق من أنه بحلول عام 2008 ستكون أعمال البناء الرئيسية قد اكتملت ومن بينها برج الحرية ومتحف ونصب تذكاري ومركز للفنون وكذلك شبكة المواصلات التي ستقام أسفل المركز. وأطلق المهندس اسم برج الحرية على أهم جزء معماري في المركز الجديد تخليدا لذكرى إعلان الاستقلال الامريكي عام 1776 وسيبلغ ارتفاع البرج 1776 قدما (592 مترا) وستخصص الطوابق الثمانون الاولى منه للمكاتب. كما ستزين عدة حدائق الطوابق الاعلى. لكن هناك من ينتقدون ربط بدء البناء بمؤتمر الحزب الجمهوري لكن السياسة تطل برأسها حيث يريد الجمهوريون استثمار عملية إعادة البناء في الموقع. وولاية نيويورك وهي معقل ديمقراطي يديرها جمهوريون من الحاكم جورج باتاكي إلى عمدة مدينة نيويورك مايكل بلومبرج. ويطالب مقاولون وسلطة ميناء نيويورك ونيوجيرسي التي فقدت ملايين الدولارات من ريع الايجارات والانشطة التجارية عقب تدمير المركز، باستعادة مساحة تزيد على عشرة ملايين قدم من المساحات المخصصة للمكاتب والمتاجر. وبالنسبة لهؤلاء فإن الجمهوريين هم أفضل شركاء تجاريين. وتصميم ليبسكند وهو مهندس معماري من ستوديو برلين سيعيد المساحة المفقودة بل وأكثر. والموقع الذي أطلق عليه جراوند زيرو صار الان أرضا مقدسة تحيطها أسيجة عالية من الصلب ويؤمه يوميا مئات السياح. ويقول ليبسكند: بإعادة بناء الموقع ندخل حقبة جديدة من الوعي في مجال العمارة .. مرحلة تعنى بأمور الامن وانكشاف المباني في عالم حديث من الصراع والارهاب. ويستطرد: إننا في حقبة جديدة (من البناء) مضيفا ان المخاوف الامنية تلعب دورا كبيرا وتفرض على مهندسي العمارة والمقاولين بناء مبان آمنة تتحمل انفجارات من قبيل هذا الذي دمر مركز التجارة العالمي القديم. وقال ليبسكند إن الموقع يتحدث عن نفسه وعن تاريخ ما حدث وذلك في إشارة إلى الجحيم الذي دمر البرجين بعد دقيقتين من ضربهما بطائرتين مختطفتين ممتلئتين بالوقود في 11 سبتمبر وأضاف ليبسكند عن الموقع زيرو انه شيء غير عادي ونادر. وتابع إن زبائني هم سكان نيويورك والامريكيون وكل شخص في العالم يعني له هذا الامر شيئا. ويشمل تصميم ليبسكند برجا يرتفع بطول 295 مترا سينصب عند الركن الشمالي الغربي لجراوند زيرو. فضلا عن ذلك ستقام سلسلة من المباني تحت مسئولية لاري سيلفرستين المقاول الذي اشترى حق استغلال المركز لمدة 99 عاما. وتعهد كل من سيلفرستين وسلطة ميناء نيويورك بإعادة بناء المركز من أجل تنمية منطقة جنوب مانهاتن اقتصاديا. وستسدد الاموال التي خصصتها واشنطن من أجل أحداث 11 سبتمبر ومن شركات التأمين تكاليف الاعمار. وتمت الاستعانة بالمهندس المعماري الاسباني الشهير سانتياجو كالاترافا ليرأس فريق المهندسين المكلف ببناء شبكة النقل تحت أرض الموقع فيما سيضع ليبسكند الخطوط الارشادية للتصميم الهندسي للمركز. وكانت إدارة الترانزيت الفيدرالية التي ستمول جزئيا شبكة النقل قد طلبت مهندسا مثل كالاترافا لقيادة البناء. وينظر إلى كالاترافا بوصفه أعظم مهندسي شبكات النقل في العالم حاليا.