لعل الرواية الشبابية قادمة في قابل الأيام فبعد صدور رواية سقف الكفاية للروائي الشاب محمد علوان ها هو كاتب آخر لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره يكتب رواية أخرى ربما تتشابه معها أو تتقاطع معها في جوانب معينة مع أن لكل كاتب أجواءه وأماكنه الخاصة به. وفي روايته سطوح وسراديب والتي لم تطبع بعد وإنما فضل نشر الفصل الأول منها على الإنترنت يحاول الكاتب الشاب عبد الواحد الأنصاري أن ينطلق من وعيه الخاص بتفاصيل المجتمع الصغرى والكبرى أيضاً، والتي تشمل مكوناته الثقافية والاجتماعي ، لافتضاض الحجب عن الكثير من الخفايا المتعلقة بالنظرة التقليدية والسطحية لهذا المجتمع الذي يبدو سافرا من النظرة الأولى، ولكنك لا تلبث كلما عرفته أن تدرك أنه ثريّ بالمادة التي يمكنها أن تكون موضوعا لجدل ثقافي إنساني، من خلال وعي البطل الذي يعيش حالة من التساؤل والجهل يمكن أن يكونها أي قارئ تتحول كل الحركات والحكايات المتناسلة لتعبير صامت عن أخذ موقف يبحث عن الحقيقة في غيابات الأشياء ، مهما بلغت قداستها في الظاهر ، ومهما كانت منبوذة في الخطاب العام. كل هذا من خلال التعامل مع الأشياء ،والبيئة ، والناس ، والتعامل مع انعكاساتها على الشخصيات باهتمام لا يقل عن اهتمامنا بانعكاساتها عن الأحداث والصراع الدرامي، وكل هذه وسائل لاستبطان منبع التطور الاجتماعي والقيمي الذي دائما ما يظل ضبابيا لا تمكن الإشارة إليه بالبنان ،ولهذا قد يلاحظ القارئ أن كل خطوة في حدث النص الحاضر تستلزم استرجاعا ما لشكل من أشكال أنماط التعامل البشري الاجتماعي التي يحاول رصدها وتعريتها بطريقة شفافة بعيدة عن التحيز، مهما بلغت غرابتها واقعية ، متحاشيا في ذلك التهرب من الواقع إلى الرومانس أو الالتفاف باللغة على مقتضيات الحياد السردي ، أو جعل اللغة ذاتها حدثا متحركا يشدنا إلى العمل ليس كجزء منه، ولكن كإنارة تضيء لنا ظلمته. هل تمكن الأنصاري من مقارعة الحياة الاجتماعية أو التذلل والخضوع لمعطياتها. ليس جزماً أن يكون الجواب بنعم، فممكنات المجتمع صلدة وموغلة في عمق التراث والتقاليد، ولعلنا نتمكن من استكناه بعض ما أراده أو التوغل في جحيم الذات لنتعرف على بعض ما جاء فيها. ويقول الكاتب عبد الواحد الأنصاري إن نشر الرواية في الإنترنت بإمكانه أن يجلب إلى روايتك نخبة من القراء والنقاد الذين لا يمكنك التواصل معهم ، إلا عبر هذا المجال ، وفي نفس الوقت ، وأنا لا أشجع نشر رواية بكاملها في الإنترنت ، لأن ذلك من شأنه أن يخفف من كثافة انتشار الكتاب إذا ما طبع مستقبلا ، أما عن تحقيق الذات في الإنترنت فهو متعلق باستطاعتي عرض الرواية على الكثير من المثقفين الذين لا يمكن التواصل معهم خارج هذا العالم ، وأعرف مثقفا وروائيا صديقا لي في فلسطين، وراء الخط الأخضر ، أتبادل معه الخبرة الأدبية ، ويقرأ كلانا نص الآخر، هذا في حد ذاته نوع من التواصل المطلوب ، والذي لا بديل له حتى الآن، مشيراً إلى أنه عندما نشرت الفصل الأول من روايتي على الإنترنت تلقى بريدي زخما من الرسائل يزيد على المائة طلب لنص الرواية، حتى إن الحيرة أصابتني في الطريقة التي أستطيع به تلبية كل هذه الطلبات، من اخوة مثقفين في السعودية ، ودكاترة في جامعات عربية مثل الدكتور أحمد زياد محبك ، أستاذ الأدب العربي بجامعة حلب. ويضيف الكاتب الشاب بالفعل أشعر أن عدد القراء في النت كثير ، مع أن المهتمين منهم بمجال الرواية قلة، ولكن هنالك مواقع يرتادها خيرة المبدعين الروائيين وكتاب القصة في جميع أنحاء العالم، مثل موقع القصة العربية ، الذي نجح الأخ جبير المليحان أن يجعل منه صالونا أدبيا ، تعرض فيه نصوص جيدة جدا ، وقد لا ترى النور في المقتبل من عمرها ، ولنضرب مثالا أكثر وضوحا وجلاء ، فإن رواية لغط موتى ، ليوسف المحيميد ، هذه الرواية الجيدة والتي نشر عنها الكثير من المقالات في الصحافة السعودية ، لولا توفير كاتبها لها على الإنترنت لما استطاع هذا الكم من القراء العرب الحصول عليها، خاصة وأن الكثير من دور النشر تطبع نسخا محدودة من الرواية ، وتقوم بتوزيعها على قلة من المكتبات ، ولا تأخذ حقها من القارئ ، ولا يأخذ القارئ حقه بالحصول عليها بسهولة ، فيمر الزمن عليها وهي طيّ الأدراج ، فيضطرّ الكاتب بهذه الطريقة إلى نشر جزء منها في الإنترنت ، وبخصوص الأخ يوسف المحيميد، فإن روايته الجديدة فخاخ الرائحة ، لم أحصل عليها في المكتبات السعودية ، ولا أدري ما السبب ، فتبقى الطريقة الوحيدة لقراءتها هي مراسلة الكاتب شخصيا للحصول عليها أو شيئا من قبيل نشرها على الإنترنت، وربما رغبة الكاتب في نشر روايته كاملة وفي وقت قياسي يجعله يتوجس ويتخوف من طبعها ككتاب، ومع ذلك فروايتي صادرة قريباً عن دار نشر محلية. وعن نشر روايته في موقع المدينة قال الأنصاري يجب على كاتب أي نص ، سواء رواية أو قصة أو مقالة أن يختار لها الموقع الذي تنشر فيه، حتى لو كان ذلك الموقع جريدة ما او مجلة ، لأنه باختياره للموقع يختار نوعية القراء الذين يقرؤون له، وهذا بالفعل ما حصل مع الفصل الأول من روايتي ، الذي نشرته في موقع مدينة على هدب طفل ، بناء على طلب الأديبة الكويتية بثينة العيسى، والتي ظلت تتابع المسألة منذ علمت بشروعي في كتابة الرواية، ولا شك أن مثل هذا الموقع ومواقع أخرى أدبية كموقع أزاهير، تعتبر موطئ قدم لكل كاتب يتطلع إلى عيون مثقفة وواعية تقرؤه ، متسائلاً أليس هم الكاتب الأكبر هو انتشار نصه ؟ وحول رواية شبابية جديدة بعد صدور روايته ورواية سقف الكفاية لمحمد علوان قال الأنصاري أتوقع أن يكون للرواية الشبابية دور كبير، خاصة وأن الشباب لديه ثروة ثقافية لا يستهان بها ، وأصبح باستطاعة الكاتب أن يتواصل مع جمهور القراء بشكل أسهل مما كان سابقا، إضافة إلى أن الشباب عموما بدأوا يعطون عالم القصة والرواية من أنفسهم مثلما يمنحون للشعر، وربما سيصبح الإقبال على الرواية ذات يوم كنفس الإقبال على الشعر أو أكثر.