كما قدمنا ارتكز كتاب (الأدب والغرابة) في قسمه الأول على تدقيق بعض المصطلحات مثل الأدب، والنوع، والنص. أما القسم الثاني الذي نحن بصدده فهو يرتكز على تحليل بعض المؤلفات الكلاسيكية وهذا لا يعني كما يقول الكاتب (عبدالفتاح كليطيو) مؤلف الكتاب ان القسم الثاني يطبق العموميات الواردة في القسم الأول فكل دراسة مستقلة بذاتها وليست بحاجة الى ان تستند الى جارتها. ومع ذلك يبدو لي ان مفهوم الغرابة يجمع هذا الشتات. يستهل الكاتب هذا القسم بعنوان غريب بعض الشيء يتضح من خلاله أننا بصدد مقارنة بين ارسطو والجرجاني وهي مقارنة تبدو من الغرابة بمكان. فاذا تجاوزنا العنوان الذي هو (بين ارسطو والجرجاني الغرابة والالفة). ودخلنا الى مساحة المقارنة التي عقدها الكاتب بين البلاغة اليونانية والبلاغة العربية. فاننا نجده يركز على اختلاف المقصد بين البلاغتين. فالبلاغة اليونانية تبلورت في جو الديمقراطية وهو الجو الذي لم يكن متوافرا للبلاغة العربية الا في اوقات معينة قليلة، وايضا في التقسيمات المختلفة التي لجأت اليها البلاغة اليونانية والعربية والتي ابرزت هذا الاختلاف. وعموما فان شمولية المقارنة هي التي يجب ان تكون. لا التقسيمات الفرعية فالبلاغة ليست شيئا واضح المعالم ولكنها مغروسة في غابة من المعارف والعلوم وليس من الصواب دراسة علم بمعزل عن العلوم الاخرى. البلاغة بين الأمس واليوم ان مصطلحات وتعريفات غريبة تنتشر على مساحة كبيرة من كتب البلاغة مثل الاستعارة ا المكنية.والارصاد، والتجريد، والاستتباع.. وغيرها من الاشكال البلاغية التي نتداولها يوميا تبدو غريبة علينا اذا لم نتصفحها بتدقيق يبعد عنها غرابتها الظاهرة. ولكننا مع ذلك نلاحظ (غروب الدراسات البلاغية في العالم العربي). وكذلك غروب الدراسات البلاغية في الغرب. ورغم اهتمام المستشرقين بشتى ميادين الثقافة العربية الا انهم لم يولوا اهتماما بالبلاغة (فهل توجد مثلا ترجمة فرنسية لاحد كتب البلاغة العربية؟). ان سؤالا يطرحه الكاتب (عن سر المرض الذي اصاب البلاغة سواء في الغرب أو في الشرق؟ ونجده يقدم اجابته عليه بحذر بالغ (ليس من الهين الاجابة على هذا السؤال ولنكتف بالقول ان التفكير في غرابة البلاغة يحيلنا على ما الفناه اليوم. الغرابة اذن لاتبعدنا عن همومنا ومشاغلنا الحالية: كل حديث عن الغرابة هو بالضرورة حديث عن الالفة.وضرورة اللغة، أو الجناس، ستنقلنا من الغرابة الى الغروب وبالتالي الى الشمس!!. الاستغراب الادب في المقام الاول تغريب وهذا التغريب ركز عليه الشكليون الروس وخاصة (شكلوفسكي) والتغريب هنا يعني الخروج عن المألوف وقد مثل هذا التيار في البلاغة العربية بصيغ مختلفة. ومن خلال هذا التيار البلاغي يقدم لنا الكاتب تعريفا لغرابة لا يخرج عما قدم من قبل ومن خلال نص ارسطو في كتابه (فن الشعر) يقول فيه (الصفة الجوهرية في لغة القول تكون واضحة دون ان تكون مبتذلة. وتكون واضحة كل الوضوح اذا تألفت من الفاظ دارجة، ولكنها حينئذ تكون ساقطة (...) وتكون نبيلة بعيدة عن الابتذال اذا استخدمت ألفاظ غريبة من الاستعمال الدارج واقصد بذلك الكلمات الغريبة (الاعجمية) والمجاز، والاسماء المحدودة (المطولة) وبالجملة كل ماهو مخالف للاستعمال الدارج) يحلل لنا الكاتب العلاقة التي يبرزها ارسطو بين الغرابة والالفة داخل النص الشعري. والنص الشعري هنا يتألف من عنصرين: الاول المألوف والشائع والثاني: الغريب وغير الشائع. مامعنى المجاز المجاز من خلال تعريف (السكاكي) الذي يقدمه الكاتب (هو انتقال الشيء من مكان هو مقره الاصلي الى مكان آخر). وهذا الانتقال بالطبع يدعو الى الاستغراب والمستغرب هنا هو المتلقي للنص ومن هنا دخل المتلقي في العلاقة. وهذه العلاقة لم يهتم بها بلاغي عربي كما اهتم به (الجرجاني) (هذا رأي الكاتب) ونتفق معه اذ ان الجرجاني قام بتحليل التأثير الذي تحققه الصور البلاغية لدى المتلقي وهذا التأثير يجب دراسته بصورة موضوعية فهو يشكل علم (استطيقا) فالغرابة سر هذا التأثير هي التي تفتح الطريق لبروز هذا العلم وهذا ماقام به الكاتب لابرازه من خلال اعمال الجرجاني وافكاره عن الاستعارة والتشبيه والتمثيل. مجاز الشمس الاستعارة مصطلح معروف. فعندما تقول: رأيت رجلا شجاعا وابديت نورا ورنت له ظبية ومن خلال تلك الامثلة التي تشير الى وجود افعال المشاهدة التي تحتاج الى اضاءة لابرازها يقدم لنا الكاتب قولا لجاك ديريرا (دورة الشمس تكون دائما بمثابة خط مسيرة الاستعارة) ويربط لنا بين هذا القول واقوال مشابهة في اسرار البلاغة للجرجاني وكلها تبين ما للشمس والاستعارة من علاقة ومميزات يلخصها الكاتب في ثلاث نقاط هي: 1 نور الشمس يظهر الخفاء وكذلك حكم الاستعارة نير ومتلألىء. 2 علو وسمو الشمس وصف ينطبق ايضا على الاستعارة. لانها تبرز البيان في صورة مستجدة تجعله مختلفا عن غيره. 3 الصور المستجدة من اوصاف الشمس التي هي متغيرة ومتنقلة بين الحضور والغياب والحركة (وهذا ايضا من وصف الاستعارة التي تجدد الاسم اذ تنقله، من مسماه الاصلي الى شيء آخر وبهذا يكتسي ثوبا جديدا). من خلال هذه العلاقة يتضح لنا ان هناك علاقة بين الغربة والاغتراب من ناحية والبعد والابعاد من ناحية أخرى كما ان الالفة ترتبط ارتباطا قويا بالقريب. الاحتضار من وجهة نظر الكاتب، و نحن نتفق معه ضمنا، ان البلاغة العربية بعد الجرجاني اخذت في الاحتضار ويتساءل عن سر هذا السبات العميق الذي اصاب الدراسات البلاغية ملقيا الاجابة على عاتق المؤرخ (المنجم) الذي ينتظره متى يجيء؟!! الحريري والكتابة الكلاسيكية الاسم والنمط يقدم لنا الكاتب من خلال تحليلاته لمقامات الحريري ملاحظة هامة وهي ندرة الاسماء الشخصية فباستثناء بعض الاسماء التاريخية و الخرافية لانجد الا اسمين شخصيين هما الحارث بن همام وابوزيد السروجي. اما باقي الاشخاص فعبارة عن انماط انسانية. وتلك الظاهرة من الاهمية. وبابراز بعض الخاصيات نجد ان كتب التاريخ تقدم وفرة من الاسماء الشخصية المشاركة في الاحداث المؤرخ لها. وفي كتب الحديث نلاحظ طول الاسناد وكثرة الاسماء الموردة فيه وكتب الاخبار تعج ايضا بالاسماء وهذه الانواع السابقة من الكتب تمتاز بالدقة في ايراد اسماء الافراد عكس مانراه في الشعر القديم. فالاسماء لاتدل على انماط انسانية وهناك امثلة كثيرة على ذلك أوردها ابن رشيق وغيره. ونجد ان تلك الظاهرة سمة غالبة في الادب العربية عامة ونجد هذه النزعة عند الحريري في مقاماته فجميع شخصياته ذات التسمية العامة هي انماط انسانية. وحتى السروجي والحارث بن همام من هذا القبيل. والشخصيات في المقامات يمكن الاستدلال على نمطيتها من خلال ماقدمه لها الحريري من وصف. هذه الظاهرة مرتبطة بظاهرة اخرى وهي كثرة وأهمية النماذج البشرية.. فكل مفهوم معين مثل الجمال، الكذب، الكرم، الشجاعة. مرتبط بشخصية تاريخية ويجد القارىء نفسه منتقلا من اسم الى مفهوم ومن دال الى مدلول وهذه الظاهرة تشير الى سعة (الحقل الثقافي) للمؤلف. الوصف قدم لنا (كليطيو) قطعة من المقامات تتضمن وصف جارية ويذكرنا بقول ابن رشيق (الشعر الا اقله راجع الى باب الوصف) وافترض الكاتب افتراضا معاكسا لافتراض ابن رشيق وهو (الوصف يكون في اغلب الاحيان اما مدحا أو هجاء. وهذا يعني ان الموصوف يكون موسوما بعلامة ايجابية أو سلبية). وبتحليل القطعة تحليلا بنيويا نجد ان ما قدمه الحريري في وصفه للجارية من موتيفات كالجمال، النبوغ في الفنون القراءة، الغناء، العزف، الرقص مرتبط بالتقاليد الشعرية اذ ان القطعة (تزخر) بالاشارات الثقافية التي تكون بمثابة علامة مشاركة بين الحريري والقارىء الضمني. (القارىء الضمني هنا هو القارىء الذي يتخيله الكاتب عندما يكتب وتظهر خصائص هذاالقارىء الفعلي الذي لايستطيع الكاتب ان يعرفه بالضبط) ومن هنا يكون دور الشارح في هذا الشأن من الاهمية بمكان. الترتيب السلمي ملاحظة أخرى يقدمها الكاتب من خلال قطعة الحريري وهي: كون الوصف عبارة عن تشبيه أو مقارنة بين الجارية وكائنات أخرى والمقارنة مرتبطة بصيغة التفضيل. وانطلاقا من هذا الاسلوب في الوصف يستنتج الكاتب ان العصر الكلاسيكي كان له نظام خاص في رسم الشخصيات بخلاف النظام الذي نعرفه في الكتابات الحديثة ومن خلال ملاحظة (لايفين بيرج فيتز تقول: صورة الشخص تبنى حسب محورين: محور الترتيب السلمي ومحور التمييز). نجد ان محور الترتيب السلمي هو الذي استخدم في وصف الجارية لانها تسمو ببعض الصفات على سائر المخلوفات وهذه الطريقة في رسم الشخصية لانجدها في الامثال صيغة افعل من.. وفي كتب النقد) فلان اشعر الناس.. وغير ذلك في كتب التاريخ. الشخصية البراقشية الحركة التي يتم بمقتضاها الانتقال من شخصية الى النمط الذي تمثله تشبه الحركة التي تؤدي الى تحديد النوع الذي يرتكز عليه النص. من هذا المدخل يبين لنا الكاتب انه من العبث ان نبحث في شخصيات الشعر العربي عن افراد محددين.. فالتجربة الشعرية للشاعر لاتؤخذ بعين الاعتبار بل المهم هو مايناسب النوع الادبي ومن خلال مثال عن بشار بن برد الذي كان ضخم الجثة ولكنه وصف نفسه هكذا ==1==ان في بردى جسما ناحلا==0== ==0==لو توكأت عليه لانهدم==2== نجد انه قدم نفسه في صورة مختلفة مايتناسب ونوع النسيب المألوف وقتها. فالرأي السائد بأن القصيدة تعبر عن الشاعر.. يتجاهل عمل النوع فالقصيدة تعبر عن النوع الذي تنتمي اليه.. وهذا مانجده واضحا في مقامات الحريري.. فجميع الانواع الادبية لها مكانها في مقاماته، وهذا مايجعل ابازيد يقدم صورا كثيرة لنفسه ويتقمص عدة شخصيات. المقمقة==1== وقع الشوئب شيب==0== ==0==والدهر بالناس قلب ان دان يوما لشخص==0== ==0==ففي غد يتقلب فلا توثق بوميض==0== ==0==من برقه فهو خلب==2== يتساءل (كليطيو) عمن يتكلم في هذه الابيات؟ ابوزيد السروجي..ومن خلال الحريري. ولكن عند البحث يجد الكاتب ان وراء الابيات (حكمة جماعية) ونسمع صوت الثقافة.. وصوت الثقافة هو مجموع الحكم والامثال والمعارف العامة والتاريخ.. وغيرها، وبالطبع نجد هذا الصوت في كل الكتب التي نقرأها او الجانب الثقافي هذا هو الذي يبلى من المؤلفات ومن خلال مقارنة بين المعاني القديمة والمعاني الجديدة نجد ان المعاني القديمة تبدو مبتذلة الآن رغم عموميتها وايجابيتها خاصة في العصر الكلاسيكي. وفي ملاحظة ذكية نجد ان الكاتب في العصر الكلاسيكي (ينبىء عن فضله بوفرة وتنوع استشهاداته ويعاتب اذا لم يمتثل بكلام غيره) حيث كان (الرأي مرفوضا من اغلبية المدارس الفقهية). وكل ذلك يرجع كما يقول الكاتب الى نموذج ثقافي أي الى الماضي ولايطلب من المتكلم الا ان يزم شفتيه ويتحول الى مقامق يتكلم من بطنه. الزمخشري والادب الحلم والكتابة يرجع الكاتب عملية ولادة الكتاب الىعدة عوامل منها ولادته بناء على طلب تمليه ظروف خاصة (مثلا المستظهري للغزالي) أو بناء على طلب ضمني توحي به بعض المشاكل (البخلاء للجاحظ) وعندما يؤخذ النص في الاعتبار والنص طبعا مختلف عن الكتاب فقد يوجد لدى القدماء القدرة على التمييز بين النص الذي ينتج عنه (الرؤية) والنص الذي ينتج عنه (البديهة والارتجال). ومقامات الزمخشري وليدة حلم. كما يقول الزمخشري في خطبة الكتاب الذي قدم الكاتب جزءا منها والزمخشري يتحدث بضمير الغائب (والذي ندبه لانشائها انه رأى في بعض اغفاءات الفجر صوتا كأنما صوت به مايقول له يا ابا القاسم اجل مكتوب وأمل مكذوب، فهب من اغفاءته تلك مشخوصا به مما هاله ذلك وروعه ونفر طائره وفزعه. وضم الى هذه الكلمات ما ارتفع به مقامة وانسها باخوات قلائل). وتلك الكلمات صارت مقامة ضمها الى مقاماته ومن خلال مرض الزمخشري الطويل ولدت المقامات التي انكب عليها بعد شفائه وتوبته وهذه المقامات، لاتمت بصلة الى الهمذاني والحريري. الحديث رأسا لرأس يقدم الكاتب تحت هذا العنوان مقامة التقوى للزمخشري ويحللها بطريقته التي يجيدها مستخرجا منها بعض الملاحظات الهامة عن قاموس الزمخشري الذي ينقسم الى مجموعتين مجموعة الكلمات التي تشير الى الهداية ومجموعة الكلمات التي تشير الى الضلال والكلمات تتقابل كما يتقابل المتكلم والمستمع. عودة المكبوت حبس الزمخشري نفسه في نوع واحد الوعظ (الجد) فقط بخلاف من كتبوا في الادب مثل الحريري وابن المقفع والجاحظ والهمذاني وغيرهم الذين اكدوا على ضرورة الانتقال من الجد الى الهزل.. اذا كيف يمكنه ان يكتب عن الجد دون ان يتعرض لهزل؟ ولهذا كان على الزمخشري ان يتطرق الى الهزل وذلك بدمجه في اطار الوعظ فالزمخشري (يلعب على الحبلين) هو يتناول الادب من وجهة نظر عربية اذا انه يعرض اغراض الادب وادواته من خلال نظرة واعظ متزهد. اصل المكتوب يستنتج الكاتب في نهاية تحليله ان المقامات ليست موجهة لاي قارئ (فالكتاب موجه الى شخص سيكون وسيطا بين المؤلف والقارئ هذا الوسيط يتمتع بخاصيات معينة. الملح والنحو يتحدث الكاتب هنا عن ارجوزة الحريري.. ملحمة الاعراب ويشير الى بعض الجوانب الهامة فيها مثل تعريف الشعر وقد قدم الكاتب من خلال ابن رشيق تعريفات كثيرة نستنتج منها ان ابن رشيق يدخل في اعتباره النص والمتلقي. فالنص لا يصير شعرا الا اذا احدث انفعالا خاصا لدى المتلقى وهذا الانفعال لابد له من خصائص لسانية معينة. وما يقصده الكاتب من المدخل هو تقديمه لاستخدام منهج هو دراسة المعايير اللسانية التي يتضمنها الخطاب والتي يفترض فيها ان تحدث تأثيرا معينا لدى المتلقى مطبقا ذلك على ملحمة الاعراب.. محاولا ابرز خصائص الخطاب التعليمي بها.. وقد حلل الكاتب الملحمة تحليلا جيدا استنتج منه عدة استنتاجات منها ان الارجوزة تعلم الاعراب وفي نفس الوقت تقترح نماذج صالحة وتقصد الى تنوير المتلقي فيصير مسلما صالحا. نحن والسندباد 1- البر والبحر نتقل بنا الكاتب الى نص كلاسيكي آخر من حكايات الف ليلة وليلة وهي (حكايات السندباد) تلك التي تتكون من سبع حكايات يرويها السندباد البحري وحكاية لقاء السندباد البري بالسندباد البحري. وبعد تقديم جزء من الحكاية وتحليلها يبين لنا بعض شروط الحكاية واولها: شرطها الاساسي الانتقال اي اجتياز العتبة الفاصلة بين فضاءين، فلولا انتقال السندباد البري الى قصر السندباد البحري لما كانت هناك حكاية. 2- الايهام والابهام ان الانتقال من فضاء الى فضاء آخر غريب يجعل السندباد يشاهد عوالم لم تكن مألوفة لديه.. وانتقاله ايضا من فضاء البر الى فضاء البحر بمافيه من فتنة تسلب العقل وتؤدي الى الهلاك يجعله يرى عالما له صفات متغايرة فالاشياء ليست بالاحجام العادية التي الفها والمتناقضات والمتنافرات ممتزجة. والشعائر والعادات مختلفة. والاسماء مجهولة لديه كل هذه الابهامات تخلق لديه ايهاما يسلب لبه. 3- السندباد الهوائي والسندباد تحت الارضي هنا لم يكتف بالبحر بل صعد الى الجو على ظهر الرخ مرة والنسر مرة. ومتشبثا باقدام رجل له جناح مرة ثالثة وحسب ما يظهر من الحكاية السابعة فان التحليق في الفضاء من عمل الشيطان. ولا ينبغي للانسان ان يقوم به لان فيه تجاوزا للطبيعة البشرية.. وبالفعل كادت هذه التحليقة تنتهي بكارثة. ونزل السندباد ايضا ثلاث مرات عمق الارض مقابلة صعوده الى الجو ثلاث مرات. وبفضل اسفاره تلك التي كان فيها وسيطا بين عالمين مختلفين كتبت حكاياته وحفظت لمن يراها. 4- المقايضة يبدأ الكاتب بسؤال من يأخذ رواة الف ليلة في سرد حكاياتهم، ويجيب (عندما لا يكون بد من ذلك ويصبح السرد الوسيلة الوحيدة للخروج من ورطة او موقف صعب) والحكاية هنا هي القربان الذي يقدم لتهدئة الشخص المتسلط شهر زاد وشهريار ومن هذا المعنى يصبح السرد عملية تعاقد ضمني او علني بين راو ومستمع كما يقول بارت.. وهذا النوع من التعاقد نجده في حكايات السندباد. السندباد البحري (الرجل الغني) هو الذي يسرد بينما السندباد البري (الفقير) هو الذي يتلقى.. وثمن الاصغاء مكافأة تقدم كل ليلة. على انه احيانا لا ينفع السرد في ايجاد تعاقد يرضى الطرفين ونجد في حكاية السندباد مع شيخ البحر دلالة على ذلك. 5- السندباد العربي رغم توبة السندباد عن السفر الا ان صلته بعالم الغرابة لم تنقطع والا فلماذا يشعر بحاجة ملحة الى رواية تجاربه. ويقول الكاتب كليطيو في نهاية تحليله لحكاية السندباد ونهاية كتابه الذي قدمنا له بشيء من الاسهاب حكايات السندباد بمثابة حوار او جدل بين الانغلاق والانفتاح. تماما كالثقافة العربية المعاصرة لها (الجاحظ مثلا) التي تتميز بالتحام بين عناصر مألوفة واخرى غريبة. بين البر والبحر. واليوم من ينكر ان السندباد لايزال يخاطبنا عبر القرون ويسألنا عن علاقتنا بالعالم المألوف وبالعالم غريب الغربي.. وليس في الافق ما ينبئ بان عهد السندبادية قد انتهى بصفة او باخرى.. كلنا اليوم في العالم العربي سندباد. وفي الحقيقة كان كليطيو سندبادا رابعا يدرك تماما ابعاد اسفاره داخل المراجع والمذاهب الغربية التي قدمها من خلال كتابه الصغير وخصوصا البنيوية كمذهب نقدي غربي المنشأ والجذور، واستشهاده باقوال (البنيويين) وخاصة رولان بارت، وتودوروف، وياكبسون. وغيرهم مثل توماشيفسكي وفييتور.. وفهمه لمناهج الشكلية الروسية التي اعتمد عليها اصحاب المذهب البنيوي وخصوصا (تودوروف) الا انه استخدم كل ذلك بفهم ووعي وادراك لابعاد ما يقوم به وخصوصا في تحليله للنصوص الكلاسيكية التي قدمها في القسم الثاني من الكتاب رغم ما يقوده ذلك الى مزالق خطيرة وقع فيها الكثيرون غيره. والكتاب رغم بساطة عرضه للافكار كان يستدعي ان يقدم باسهاب اكثر بعض الدراسات المكثفة خاصة في القسم الاول وهو رغم ذلك جهد طيب وخاصة في قسمة الثاني الذي قدم لنا من خلاله متعة مزدوجة كما يقول د. عبدالكبير الخطابي في مقدمة الكتاب (متعة قراءة هؤلاء الكتاب الحريري والجرجاني وغيرهما) ومتعة قراءته هو بصفته ناقدا (ادبيا).