لا يزال الجدل مستمرا حول مجلس الحكم الانتقالي العراقي, سواء في داخل العراق وبين فعاليات وقوى الشعب العراقي, او خارجه ومواقف الدول والمنظمات والهيئات الدولية والعربية منه. في الداخل العراقي واصل السيد مقتدى الصدر هجومه على المجلس, واصفا إياه بانه (خير عميل للأمريكان, فيما اعتبر إمام الجمعة في الكاظمية حازم الأعرجي المجلس بانه (مجلس خنثى لا ذكر ولا أنثى) وسوى ذلك من التوصيفات والعبارات اللاذعة التي تطلق ضد المجلس, البعض بدعوى الطائفية, وأخرى بدعوى العمالة وعدم تمثيل الشعب العراقي. خارجيا, أتى موقف الجامعة العربية متوجا للمواقف السلبية ضد المجلس حينما اعلنت عدم اعترافها به, مؤثرة تعليق وضع السلطة في العراق, دون ان تحدد جهة معينة تتعامل معها او تخاطبها ان تعتبرها ممثلا للشعب العراقي, تاركة الشعب العراقي معلقا في الهواء, في موقف ينم عن مأزق حقيقي تعيشه الجامعة, لم تكن قادرة على حسم قرارها فيه, فآثرت السلبية في موقفها. الغريب في موقف الجامعة العربية, أن ترفض ان تعترف بمجلس الحكم بذريعة انه لا يمثل الشعب العراقي ولا قواه الحقيقية والشعبية, في حين انها كانت تعتبر النظام الدكتاتوري البائد للرئيس الفار صدام حسين ممثلا لهذا الشعب, فيما هو قامع له وسبب كل الويلات له. وهو التناقض العصي عن الفهم في موقف الجامعة. الموقف الخارجي السلبي زاد منه شدة الفتوى الشرعية التي أصدرها حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني (الأخوان المسلمون), والتي تقول بعدم شرعية المجلس, وتحرم الانضمام اليه والتعامل معه من نظرة شرعية. لا أحد يعتبر مجلس الحكم الانتقالي ذروة الكمال في الحال السياسية العراقية, وليس من الممكن تنزيهه من الثغرات, وهنالك قوى شعبية ووطنية مهمة لم تمثل وتشارك فيه, من حقها ان يكون لها حضورها, لكنه مع ذلك يعتبر من أفضل الصيغ الممكنة والموجودة والمتاحة في الوقت الحاضر, وضمانة للتأسيس لديموقراطية وتعددية سليمة في العراق, تحافظ على ثروات وامكانات وكرامة الشعب العراقي. ان كل هذه المواقف السلبية لو قرئت) بتأن لظهر انها إما مواقف عاطفية انفعالية تقوم على مبدأالعداء للأمريكان ورفض ان مجلس يكون على تصالح وتنسيق معهم, او انها نابعة من مواقف طائفية وعشائرية وقبلية, تعارض تركيبة المجلس كونها لم تحصل على نصيبها وافيا من المقاعد, او لم تمثل عشائريا بالشكل المطلوب, وكأن المجلس وجد لاقتسام الغنائم, وإعادة التركيبة العشائرية المتخلفة. فيما نجد مواقف معارضة نابعة من مواقف مصلحية نفعية, تراعي كل دولة فيها مصالحها الذاتية, وحساباتها الإقليمية, مؤثرة ان تقف غير مؤيدة له او على الأقل معترفة به, لان ذلك معارض لمصالحها او يترتب عليها التزامات هي لا تريد ان تتعهد بها. الكل مع هذه المعارضة لم يطرح لحد الآن بديلا ممكنا, او بديلا مقنعا وموضوعيا, يتجاوز فيه سلبيات المجلس الحالي. فالكلام عن مجلس شعبي, او عن تمثيل عشائري, او وصاية الأممالمتحدة, او جامعة الدول العربية, كلها حلول لا تتجاوز سلبيات المجلس الحالي وليست إلا مزايدات عليه. اذا كان المعارضون للمجلس يهمهم شأن العراق وتقدمه فان المصلحة تقتضي تفعيل المجلس والتعاون معه, وتقديم النصح له, والدخول في حوار جاد وشفاف وصريح معه, لتفعيل رؤى كافة القوى السياسية والشعبية بدلا من هذه القطيعة, وهذه الشتائم التي تطلق هنا وهناك. خاصة وان أي تأخر وتعثر في أداء المجلس معناه مزيدا من إقامة للأمريكان في العراق, وانهيار المجلس معناه انهيار البناء السلمي للدولة العراقية. بالتأكيد المجلس ليس العصا السحرية, لكن هو أفضل الموجود, ومن يعارض عليه تقديم البديل, لان الصراخ والضجيج لن يخرج المحتل من العراق.