لابد لأي مجتمع من أساس تشريعي ودستور ينظم حياته ينظم الحقوق والواجبات والعقوبات.. والإسلام عني بهذا الجانب فلم يترك المجتمع المسلم مهملا من غير تشريع أو دستور قال تعالى: (( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى)) وهذا التشريع منبثق من الأساس الأول وهو العقيدة فهو متصل بتوحيد الألوهية لأن التشريع من خصائص الألوهية ((ان الحكم إلا لله)) واتباع الشريعة وتطبيقها في حياة المسلمين أمر لازم لا خيار فيه قال تعالى: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)) فالتشريع الإسلامي شامل لجميع جوانب الحياة قال تعالى: (( ونزلنا عليك الكتاب تبيناً لكل شيء)) وقال أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً)) فقد بينت هذه الشريعة المنهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والنفسي والأخلاقي والعسكري، واختصت الشريعة أيضاً بحفظ مصادر التشريع الأساسية وهما الكتاب والسنة. أما الكتاب فقد تكفل الله بحفظه فقال سبحانه: ((انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)) وأما السنة فقد قيض الله لها رجالاً وهبوها حياتهم حتى نقلوا إلينا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وميزوا الصحيح والضعيف من الحسن من الشاذ من الموضوع، ويتبين لنا هذا الأساس حينما يفتقد المسلمون هذا الأساس ويحتكمون إلى شرائع أخرى حينئذ تضطرب حياتهم الاجتماعية بسبب التشريعات البشرية القائمة على الهوى والظلم وتعرض الدساتير والتشريعات البشرية إلى التغيير وعدم ثباتها بخلاف الشريعة الإسلامية التي تتميز بالثبات، وافتقاد الاحترام والتقديس للقوانين والتشريعات البشرية وعدم استقرار الحياة الاجتماعية وتفشي الجريمة وافتقاد الأمن، كما أن للسياسة أساسا قويا ومتينا ليضمن للمجتمع المسلم حياة مستقيمة ومستقرة فالسياسة هي من تدبير الحكم وإدارة شئون الدولة والمجتمع المسلم لابد له من قيادة سياسية تقوده ومن هنا حرص الإسلام على تعيين هذه القيادة ويحرص الإسلام على أن تكون العلاقة بين الحاكم المسلم وبين المجتمع علاقة وثيقة وسنقصر الحديث هنا على جانبين مؤثرين في العلاقة بين الحاكم المسلم والرعية هما طاعة أولياء الأمور في غير معصية الله وعدل الحاكم المسلم فأوجب الله طاعة الحاكم المسلم قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)) وقال صلى الله عليه وسلم:(( من أطاع أميري فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله عز وجل)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا وأطيعوا وان استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبه)) وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا)) وهذه الطاعة مقيدة بأن تكون في غير معصية الله لقوله صلى الله عليه وسلم(( ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) ولقوله صلى الله عليه وسلم(( إنما الطاعة في المعروف)) في قصة السرية التي بعثها رسول الله وأمر أحد أصحابه فأمرهم أن يجمعوا حطباً فجمعوا ثم أمرهم أن يوقدوا النار فأوقدوها ثم أمرهم أن يدخلوها فلم يطيعوه فلما رجعوا أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال(( لو دخلوها لما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف)) وإذا لابد أن يطاع الحاكم المسلم حتى تستقر الحياة الاجتماعية وذلك بقول عمر رضي الله عنه:(( لا إسلام إلا في جماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة)) وكما أوجب الله على المسلمين طاعة الحاكم في غير معصية الله أوجب الله على الحاكم أن يقيم العدل ويحكم به قال تعالى: (( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)) وجعل السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلة امام عادل، ونهى عن الظلم لأن الظلم يؤدي إلى إفساد الحياة الاجتماعية واضطرا بها بل وخراب المجتمعات وهلاكها قال تعالى:(( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)) وقال تعالى:(( فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة)) وبذلك وضع ابن خلدون قاعدته الاجتماعية التي تقول: الظلم مؤذن بخراب العمران وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(( ذلك أن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا العدل قامت وان لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ومتى لم يقم العدل لم يقم وان كان لصاحبها ما يجزى به في الآخرة)) وقال أيضاً:(( ولهذا قيل ان الله يقيم الدولة العادلة وان كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وان كانت مسلمة)). ماجد سليمان علي بن سبعان