الوظيفة اياً كان نوعها ودرجتها في قطاع عام أو خاص امانة ومسؤولية يحاسب عليها رب العزة والجلال لأن ( من أخذ الأجر حاسبه الله على العمل ) واول ما تستوجبه مخافة الله وتقواه في السر والعلن .. ومراقبته في كل صغيرة وكبيرة تتصل بمصالح الناس ومع ذلك تصك الاسماع .. وتصافح الانظار خروق فاضحة لهذه القاعدة الذهبية لأن الوظيفة عند البعض مجرد ( اكل عيش ) لا علاقة لها بالكيف .. والكم .. يتوقف مؤشر الأداء والعطاء عنده على مفاهيمه ومصالحه ومزاجه ولو حاسب نفسه بصدق .. وتجرد لوجد رصيده الانجازي صفراً !! @ هذا البعض غايته ومنتهى طموحه وظيفة تؤمن الحد الادنى من احتياجاته المالية .. وتعقد صلحاً دائماً معها !! ويعتقد انه اذا خدم ( الربع ) .. والأصحاب .. والاحباب .. وحملة بطاقات الوساطة وقضى حوائجهم فقد ادى ما هو موكول إليه .. وان (الدوام) ما هو الا مجرد ساعات اثبات حضور وانجاز ما يمكن انجازه بعد أو خلال قراءة الصحف .. و ( السواليف ) اليومية .. والمحادثات الهاتفية مع العائلة .. والاصدقاء .. وسعاة العقار .. ووسطاء الاسهم .. ويستمر الحال على هذا الايقاع الغريب .. والأسلوب المرفوض والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يقتحم الخلوة .. ويعكر صفو المزاج اما التعامل مع معاملات الذين يتجرعون صنوفاً من ( التطنيش) .. والملل .. والنكد .. والتعامل معهم ب ( نفس شينه وجلد مروح ) !! وعندما تتراكم هذه المفاهيم .. ويستمر الاداء على هذا النحو .. ويصبح قاعدة تضيع مصالح الجمهور وهي جزء لا يتجزأ من المصلحة العامة !! ويكفي لتلمس جانباً من هذه الصور البشعة التعامل مع بعض الادارات والمصالح الحكومية أو عبر ما تنشره الصحف من شكاوى المواطنين !! @ اعلم اننا دولة مؤسسات .. قطعنا شوطاً بعيداً في اصول العمل الاداري وفروعه وان من بين اهم ما تحرص عليه الدولة خدمة مصالح المواطنين من خلال تقويم الأداء الوظيفي الذي يقوم على ( الصفات و المميزات التي يتكون منها الاداء الكفء للعمل .. والتي بناء على مدى توافرها في الموظف وادائه يتم التقدير والحكم على كفاءته في عمله الوظيفي ) وكل هذه مجتمعة ترتكز على مجموعة من العناصر تتعلق - كما جاء في احدى لوائح تقويم الأداء الوظيفي - بمستوى الأداء ، وامكانية تحمل مسؤوليات اعلى ، والحرص على امور السلامة والوقاية في العمل ، المحافظة على اوقات الدوام ، الحرص على استعمال الآلات الخاصة بالعمل ، المعرفة التقنية ومستوى الخبرة ، المهارات في التخطيط ، الاشراف ، واتخاذ القرار ، والتنفيذ ، المعرفة بنظم واجراءات العمل ، القدرة على تطوير اساليب العمل ، اسلوب عرض الآراء ، تقبل التوجيه ، السلوك العام . @ ومع ان هناك استثناء في بعض الدول لبعض موظفي الخدمة المدنية الذين يشغلون الوظائف القيادية الا ان المادة 36/1 من لائحة تقويم الأداء الوظيفي المعتمدة من وزارة الخدمة المدنية في المملكة تنص على ان ( تعد تقارير أداء وظيفي عن جميع الموظفين من المرتبة الثالثة عشرة فما دون ذلك عن كل سنة من سنوات خدمتهم ، اما بالنسبة لشاغلي المرتبتين الخامسة عشرة ، والرابعة عشرة فتعد التقارير عنهم بما يراه المسؤول ملائماً ) @ ومن اجل تفعيل الأداء .. وتحقيق افضل الانجازات وضعت الضوابط والمعايير التي تحكم العمل الوظيفي وتعامله مع المراجعين .. مواطنين .. ومقيمين .. وجرى تعديل معظم الانظمة واللوائح وتبسيطها .. وتخفيف اجراءاتها .. وادخلت احدث التقنيات وفي مقدمتها الحاسب الآلي الذي جرى تدريب وتأهيل الموظفين عليه مما ادى إلى رفع الكثير من الأعباء رغم كثرة المعاملات .. ووفر للعمل المرونة .. والسرعة .. والاداء .. واخضع الموظفين لدورات تدريبية وتأهيلية مكثفة .. اما الروتين الذي لانزال نعانيه فقد اصبح اقل حدة من الماضي .. وقد اتخذت خطوات لإنجاز بعض المعاملات بواسطة البريد .. والحكومة الالكترونية ليست بعيدة .. والواقع يزدحم بالأمثلة . @ والدولة عبر مؤسساتها سعت إلى توعية الموظف بالمسؤولية الادارية .. واعادة تشكيل عقله وسلوكه وفق الأسس والضوابط الدينية والادارية عبر حلقات دراسية .. ودراسات وابحاث وندوات ومحاضرات ووسائل أخرى .. ولا يغيب عن الذهن ان هناك شيئاً من الحزم .. والضبط .. والربط في بعض الوزارات والادارات والمصالح الحكومية دون أن تحقق النتائج المأمولة مما يؤكد علاقة الأمر بشخص الموظف نفسه الذي اعتاد على عدم الاهتمام بأبجديات العمل ومسؤولياته .. وقصور او تجاهل رئيسه .. ولامبالاة ادارته العليا !! @ البعض لا يعير أي اهتمام لواجبات وظيفته .. ولا يهمه ما يترتب من نتائج حتى لو أدى الأمر إلى الاستغناء عن خدماته معللاً ذلك بالامتيازات الخاصة التي يحظى بها بعض الموظفين من رؤسائهم .. واسبقية العلاوات والترقيات لهم دون غيرهم الأمر الذي يسبب الاحباط للموظفين الآخرين وعدم المبالاة فضلاً عن ان الاقليمية الكريهة تلعب دوراً لا يستهان به عند ضعاف النفوس من المديرين فيقدم هذا .. ويؤخر ذاك ويكرم اناساً .. و ( يطنش ) آخرين هم احق بالتقدير والتكريم لكنهم ليسوا من ( الجماعة ) .. او ( البشكة ) ناهيك عن الذين يقدمون خدمات خاصة للمدير فتكون الحظوة لهم دون غيرهم !! @ ولاة الأمر من جانبهم يؤكدون المرة تلو الاخرى على أهمية انجاز الاعمال بما يضمن عدم تعطيل مصالح المواطنين وحقوقهم .. ويحذرون من أي تأخير او مماطلة او اهمال ، ولا تزال تعاميم سمو ولي العهد بهذا الخصوص ماثلة في الاذهان .. وموضع التقدير والاعتزاز وهي التي يقول سموه في احدها موجهاً كلامه لسمو رئيس ديوان مجلس الوزراء : (إن حرصنا على ذلك ينبع من مسؤولياتنا امام الله عز وجل ثم أخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله - في رعاية شؤون وطننا الغالي والحفاظ على مصالح وحقوق هذا الشعب المسلم الأبي وهي أمانة سوف يسألنا الله سبحانه عنها وهي تستوجب منا جميعاً الحرص على أدائها بالوجه الذي يرضيه عنا جل جلاله ... ) .. وكان سموه - يحفظه الله - قد وجه تعميماً آخر دعا فيه المسؤولين كافة الى عدم تعطيل مصالح المواطنين وحقوقهم وحذر سموه من ظلم الرعية في حقوقها . @ وما تقدم يحمل دلالات مباشرة لكلام سمو ولي العهد على ان الخلل يتمثل في غياب مهام يفترض ان تضطلع بها اجهزة حكومية كديوان المراقبة العامة .. وهيئة الرقابة والتحقيق .. ووزارة الخدمة المدنية التي لو قام كل جهاز منها بدوره حسب اختصاصه ولم يركن الى التقارير الدورية التي تصله من الوزارات والمصالح والهيئات والمؤسسات لو كان ذلك كذلك لما قال سموه في احد التعاميم : ( ما زلنا نلاحظ كثرة التظلمات ) واكد ان ( ذلك أمر لا نسمح به ولا نقبل الأعذار حوله ) مشدداً على ان ( كل مسؤول مؤتمن وكل مؤتمن محاسب ) . @ وفي يقيني ان ضعف الرقابة الميدانية يقف خلف الأداء المتردي لبعض اجهزة الدولة وبخاصة ذات العلاقات المباشرة بالجمهور .. والا بماذا تفسر مرونة العمل .. وارتفاع مستوى الأداء والانجاز لدى ادارات كالجوازات .. والاحوال المدنية وبعض مكاتب العمل التي اصبحت مضرب المثل عند المقارنة بادارات اخرى ؟.. ومن المؤكد ان الدور الذي تحققه الرقابة الميدانية كبيراً على صعيد ضبط المخالفات .. وايقاع الجزاءات ورفع المظالم عن ضحايا المحسوبية من الموظفين .. والارتفاع بمستوى الاداء والانتاجية .. ان هذه الرقابة لو تحققت كماً .. وكيفاً لأصبحت هاجساً متسلطاً على وجدان كل مسؤول ينعكس ايجابياً على سير العمل وانجازاته ويحقق تلقائياً مصلحة الوطن والمواطن وهما توأمان لا يفترقان. @ انني اعتقد ان كل موظف أياً كانت درجة وظيفته .. وحجم مسؤوليته يستطيع الفكاك من أسر الاهمال .. واللامبالاة .. والعجز .. والكسل وبراثنها إذا استحضر في عقله وقلبه عن عقيدة وإيمان قول الحق سبحانه وتعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ) سورة الأحزاب /72 .. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .. كما جاء في الجامع الصغير للسيوطي : ( إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه ، وحسن الخلق ). @ بقى أن أحيي وزير الصحة د. حمد بن عبد الله المانع لقراره الذي اتخذه الأسبوع الماضي - ضمن قرارات شجاعة - بمعاقبة الموظفين المتغيبين عن أعمالهم ( والمساءلة .. والحسم وتطبيق أشد العقوبات المنصوص عليها في نظام الخدمة المدنية ولوائح المتعاقدين ) .. والأمل ألا يتوقف الأمر على الحضور دون الإنجاز .. وألا تقتصر العقوبات على موظفي وزارة الصحة دون غيرها خاصة أن نظام الخدمة المدنية يشمل الجميع دون استثناء !!