يبدو أن من يظن لدينا أنه يمكن مواصلة ركوب الثور الأمريكي الغاضب، والانفعال من الغبار الكثيف الذي نثيره ، قد يجد نفسه، في المستقبل القريب، راكبًا على بطة عرجاء... قال السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، مارتين إنديك، في مؤتمر عقد قبل مدة وجيزة، وتمحور جدول أعماله حول تحليل قمة كامب ديفيد، إن الأحداث تقع في الشرق الأوسط، عندما يتعرض زعيم عربي للضغط. لقد تحدث في حينه عن الأسد الأب، لكن يمكن لهذا التفسير أن ينطبق على الابن: بشار الأسد، الذي يشعر بالرياح الأمريكية تهب من خلفه، ويحاول تسخين جبهة السلام بهدف تبريد التهديدات الساخنة أو الباردة الموجهة ضده. ويبدو أن إسرائيل تميل، بسبب تحليل الأمور على النحو المذكور ولأسباب أخرى، إلى عدم الاكتراث للإشارات الصادرة عن دمشق. فالسوري (أي الأسد) يقبع تحت الضغط، وليس ما يدعو إلى العجلة. ربما سيرغمه الأمريكيون على العمل ضد حزب الله، بل ربما يقدمون على استخدام القوة ضده. على أية حال، هذا هو الوقت المناسب لإسناد الظهر إلى الخلف وانتظار اتصال هاتفي. يجوز التشكيك في هذا النوع من التوجه. فالاتفاق مع سوريا، والذي حددت معاييره منذ فترة طويلة، هو بمثابة حدث استراتيجي بالغ الأهمية بالنسبة لإسرائيل. إتفاق كهذا سيغلق دائرة من القتال حول الحدود (يفترض أن يسارع لبنان إلى الاحتذاء بسوريا)، لتبقى المشكلة الفلسطينية وحيدة على الساحة في النهاية. كذلك، فإن الانعكاسات النفسية والاقتصادية المترتبة على خطوة من هذا القبيل بالغة الشأن. ومن المهم التذكر، أيضًا، أن الأمور لا تسير في اتجاه واحد بالضرورة. فكما لم يتوقع أحد أحداث سبتمبر 2001، التي قد يكون في وسعنا القول يومًا ما، إنها أدت إلى وضع حد للانتفاضة وتغيير ملامح المنطقة، كذلك لا يمكن لأي طرف أن يعرف إلى متى ستبقى نافذة الفرص الحالية مفتوحة، خاصة أن السماء فوق الإدارة الأمريكية تتلبد بالغيوم يومًا بعد يوم. وبما يشبه الكرة الكبيرة التي تتدحرج ببطء في المنحدر، وليس هناك من يوقفها، تتدحرج قضية المبررات التي دعت إلى شن الحرب على العراق. فقد تلقى السيناريو المألوف دفعتين اثنتين في الأسبوع الأخير، إذ أضفت وفاة الخبير ديفيد كلي في بريطانيا ملامح إنسانية معذبة على القضية، مع رائحة توحي بوجود مؤامرة؛ وفي واشنطن، حاول البيت الأبيض طمس قضية استيراد العراق لليورانيوم من النيجر، بادعاء أن الرئيس بوش لم يقرأ حتى النهاية جميع الملاحظات التي احتواها التقرير المتعلق بالقضية. وهذا تكتيك مألوف، يقول أن الرئيس ليس مخادعًا، بل هاويًا، لكن من المفترض في إدارة أمريكية برئاسة الجمهوريين، بالذات، أن تعرف أن هذا التكتيك عديم الجدوى، فالسؤال حول ماذا عرف الرئيس، ومتى؟ صاحب الرئيس نيكسون في جميع مراحل قضية ووترغيت، إلى أن قدم استقالته. وكما في ووترغيت، يمكن للقوة التي يتمتع بها النظام الديمقراطي أن تترك لدينا انطباعًا بأنه لن يدع الأمور إلى أن تتضح تمامًا، أو إلى أن تتم معاقبة المسؤولين. هنا في إسرائيل، التي لا يتم التعامل مع القضايا الجماهيرية فيها إلا عن طريق التحقيق الذي تجريه الشرطة، لا يمكننا إلا أن نشعر بالغيرة حيال الأسلوب الذي يعتمده الإعلام والشخصيات المنتخبة في متابعة القضية ومعالجتها حيثما يلزم، على مرأى من الجمهور. يفترض، من وجهة النظر الإسرائيلية، أن يُطرح السؤال حول مدى قدرة سلطة تواجهها قضايا هي غاية في الصعوبة على مواصلة تبني إستراتيجيتها الجديدة والعنيفة في منطقتنا. هل يمكن لمن كذب أو تستر على حقائق فيما يتعلق بالشأن العراقي أن يواجه إيران، التي تعتبر الأدلة على قدراتها النووية دامغة أكثر وأشد تهديدًا، بإصرار وصرامة؟ هل يمكن لمن يسأم منه الجمهور أكثر فأكثر أن يتخذ خطوات متطرفة ضد دول متمردة وعاقة مثل سوريا؟ وإلى متى يمكن أن يحصل على دعم الأمريكيين للتواجد الأمريكي في الشرق الأوسط، في ضوء خسارة جندي كل يوم في العراق؟ يبدو أن من يظن لدينا أنه يمكن مواصلة ركوب الثور الأمريكي الغاضب، والانفعال من الغبار الكثيفة التي نثيرها، قد يجد نفسه، في المستقبل القريب، راكبًا على بطة عرجاء. كل ذلك يعزز فقط ضرورة الاستجابة للإشارات الصادرة عن سوريا، وعدم التعامل معها على أنها أمر مزعج يجب التخلص منه، لأن الوقت في صالحنا. يديعوت أحرونوت