دافيد الفارو سيكويروس الذي أثر على جيل كامل من الفنانين الامريكيين الجنوبيين رسم هنا جدارية مهمة واحدة بدأت بعد وفاته في العام 1974 اوديسا اكثر سوريالية من القطعة الفنية نفسها. الجدارية التي سماها Ejercicio Plastico بعد انجازها في العام 1933 ليست معروضة في اي متحف, ولا يمكن العثور عليها ضمن اية مجموعة, بل انها موضوعة في غير متناول المدينة, مفككة وموضبة في حاويات حديدية صدئة في حقل تخزين في الهواء الطلق. وبسبب معركة وصاية موجودة منذ 12 سنة, تقبع اللوحة التي رسمها سيكويروس - وهو احد رسامي الجداريات المكسيكيين الاسطوريين الى جانب دييغو ريفيرا وخوزيه كلينمتي اروزكو - في حالة من الغموض القانوني, ويشكو النقاد ان الرائعة فنية متروكة لرحمة العوامل الطبيعية في مخزن للرافعات في إحدى ضواحي العاصمة. وتعتبر اللوحة العصرية الطراز والتي يعني اسمها "ممارسة بلاستيكية" حلقة حيوية في فن الجداريات الامريكية الجنوبية العصرية, وتمثل منظرا بحريا واسعا مليئا بالحوريات ذات العيون الواسعة, وكانت اشكالها الأنثوية المتواجدة تزين ذوات وقت جدران وارضيات وسقف المنزل الريفي الباذخ لقطب الصحافة الارجنتيني الراحل ناتاليو بوتانا. وتقول تريزادي انكورينا, المسؤولة في وزارة الثقافة الارجنتينية التي تسعى الى المحافظة على الرائعة الفنية انه لو كانت هذه الجدارية في مكان آخر من العالم لعرفوا قيمتها وعروضها واتاحوا لمئات الألوف من الناس ان يستمتعوا بها. الجدارية التي رسمت بمساعدة فنانين ارجنتينيين كانت تغطي ما مساحته 650 قدما مربعا 70 مترا مربعا في قبو دارة بوتانا, وقد انجز سيكويروس, الذي كان شيوعيا وناشطا سياسيا معروفا, الجدارية كهدية لبوتانا الذي وفر له المأوى خلال سنة امضاها منفيا في الارجنتين. ويقول مؤوخو الفن ان جدارية الممارسة البلاستيكية هي عمل نموذجي اساسي لفنان امريكي جنوبي, وهي بالوانها البنية والرمادية المكبوتة تثير لدى المشاهدين الى خيالات بطريقة هي حكر على اعمال سيكويروس. وتقول ماري كارمن راميريز, عميدة الفن الامريكي الجنوبي في متحف هيوستن للفنون الجميلة, ان اللوحة الجدارية, هي اشبه بمختبر ينفذ فيه سيكويرويس نظريات الرسم الثورية, انها قطعة فنية لم نبدأ فهمها الا مؤخرا, وهذا سبب اهمية ان ندع الناس يشاهدون اللوحة. وتحاول راميرز جلب الجدارية الى هيوستن بغية عرضها في العام 2004, شرط ان يكون النزاع القانوني الذي حال دون عرض اللوحة طيلة عشرات السنين الماضية, قد سوي امام المحاكم الارجنتينية التي تحاول منذ ثماني سنوات ان تقرر من يحق له الاحتفاظ بالرائعة الفنية. وقد استخدم سيكويروس اساليب ثورية في رسم الجدارية, وقد تضمنت الاساليب الابتكارية التي اعتمد عليها جهاز عرض افلام لتسليط الصور على الجدران بغية رسمها والفرشاة الهوائية لرسم الشخصيات العائمة والالوان المصنوعة من السيلكيون لاعطاء طابع الابعاد المتعددة على اللوحة. وبختم كل المسطحات اصبحت الاجزاء متواصلة باتقان فأنتج سيكويروس اثرا يجعل المشاهد يتواصل مع الجدارية عندما ينزل الى القبو. واثر وفاة سيكويروس في العام 1941 انتقلت املاكه الى سلسلة من المالكين فيما ظلت الجدارية في مكانها وعلاها العفن وتشوهت جزئيا عندما بقي المنزل شاغرا لبعض الوقت وفي العام 1989 اشترت شركة يملكها رجل الاعمال الارجنتيني هيكتور منديزابال المنزل والجدارية على امل عرضها. وتم نقل الجدارية من مكانها تحت اشراف منديزابال بعد تقسيمها الى سبعة اجزاء, بعضها بسماكة قشرة البيضة, الا ان الشركة واجهت ازمات مالية وباعت الجدارية المفككة في العام 1994 لشركة دينكانور القابضة في الاوروغواي. ومنذ ذلك الوقت اقام دائنو الشركة السابقة دعوى للمطالبة بملكية الجدارية, فتجمدت القضية امام المحاكم الارجنيتينة بسبب التباطؤ البيروقراطي. وتشير تقارير نشرتها فرق الترميم في شهر شباط الماضي الى ان تقلب درجات الحرارة ورشح الماء جعلتها تتآكل. وكان المهندس توماس ديل كاريل الذي قام مع شريك له بانقاذ الجدارية, احد الاطراف الذين طلب منهم دراسة كيفية الحفاظ على الجدارية. ويقول ديل كاريل: ان حياة الجدارية تتوقف كليا على الدعائم المعدنية التي تسندها ولكن لا يوجد معدن في العالم يستطيع ان يصمد في الظروف الموجودة في هذه الحاويات. وقد عزز هذا الانذار موقف وزارة الثقافة الارجنتينية التي تقدمت في شهر تموز الماضي بالتماس لوضع الجدارية في عهدتها الى حين تسوية الخلافات المالية التي اثارها الدائنون. الا ان مسؤولين لشركة دينكانور اعترضوا على المداخلة الحكومية, مما اثار جدلا حاميا وجملة الاتهامات التي وجهها وكلاء الشركة القانونية ضد الحكومة. وقالت ميرتا باروتي, محامية دينكانور: ان هذه القضية هي بين اطراف خاصة ولا يحق للدولة ان تتدخل فيها, ان الامر يشبه ان تطالب بالطلاق من زوجك والدولة تبلغك انها ستضع يدها على منزلك الى حين انتهاء المحاكمة. ويقول روبن ستيلا رئيس الدائرة الثقافية, ان الخطوة الشرعية التي اتخذتها الحكومة تهدف الى انقاذ الجدارية والحؤول دون تدميرها. ويضيف ستيلا انه اذا منحت الحكومة حق الوصاية ستنتقل الجدارية الى داخل احد المباني لعرضها ثم ترميمها بمعاونة ومساعدة الحكومة المكسيكية وفقا لاتفاق ثقافي بين الجانبين. وقالت سفيرة المكسيك روزاريو غرين ماسياس ان حكومتها مستعدة للمساعدة في المحافظة على اعمال سيكويروس التي اعلنت المكسيك اعتبارها كنوزا ثقافية. واضافت ماسياس: نعد اننا سنكون سعداء في ان نساعد فور تسوية قضية الوصاية على الجدارية.