هذه مدينة الذواقين في الأكل وهم لا يتهاونون في مسألة الطزاجة فكثيرون من صينيي هونغ كونغ لا يشترون غير الدجاج الحي الذي يباع في أقفاص في السوق لكي تذبح أمام أعينهم. إلا أن مرض الالتهاب الرئوي الذي بات يعرف باسم " سارس" قد يرغمهم على التخلي عن عليائهم، فالسلطات تفكر بمنع بيع الدجاج الحي كجزء من التدابير الصحية الجديدة التي تنفذ في مواجهة المرض الذي تتعافى منه هونغ كونغ، ولمحاولة درء تفشيه من جديد. والناس غير مسرورين لذلك. تقول تشاو مينغ التي كانت تتذمر خارج محل للدواجن بعد أن ابتاعت كيساً من قوائم الدجاج النيئة لتصنع منها حساء: أن طعم دجاج السوبر ماركت ليس بلذة الدجاج الحي. ان لحوم الدجاج المسحبة ومسلوخة الجلد على الطريقة الغربية والتي تغلف وتكوم في ثلاجات السوبر ماركت هي لحوم مدنسة بالنسبة لتشاو وغيرها كثيرون. وكانت شكاوى الناس قد أفشلت في السابق المحاولات لمنع بيع الدجاج الحي بعد أن تبين أن فيروس الانفلونزا انتقل من الدجاج إلى الإنسان وقتل ستة أشخاص في هونغ كونغ سنة 1997. إلا أن السلطات الصحية فرضت تخصيص أيام لتنظيف الأقفاص بصورة منتظمة للحد من المخاطر الصحية. ويقول بائعو الدجاج ان مرض سارس لا يبرر المنع إذ أنه لم يتم العثور على فيروس المرض في الدجاج والدواجن الأخرى، بل فقط في بعض حيوانات الصيد اللبونة الصغيرة التي تؤكل في الصين. ولكن بعد تسجيل 218 وفاة بالسارس وأكثر من 1700 إصابة بالعدوى بدأ المسؤولون يعيدون التفكير بجواز حفظ أعداد كبيرة من الدجاج في أقنان صغيرة حيث تعيش جنباً إلى جنب مع الإنسان في أحد أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان في العالم. ويقول دونالد تسانغ، المسؤول رقم 2 في الجزيرة، والذي نصح البرلمان بالإيعاز إلى السلطات بمنع تجارة الدجاج الحي، أن هذه التجارة أشبه بقنبلة موقوتة. إلا أنه من غير محتمل أن يرضخ الناس أو تجار الدجاج لأي تدابير مماثلة بهدوء. ويقول تسوي مينغ- نوين رئيس تجار الدواجن بالجملة، ان المنع من شأنه أن يعطل أعمال ما يتراوح بين 40 و60 ألف من أصحاب مزارع التجار والبائعين وتجار الجملة. ويقول تام لوك البائع الواقف وراء قفصين مليئين بالدجاج ان تحريم بيع الدجاج الحي سيكون أشبه بالطلب من الناس أن يموتوا. ولا يستطيع تام أن يتخيل هونغ كونغ خالية من الدجاج الحي الذي يعتبره من أفضل الأشياء التي اختص بها الحكم الاستعماري البريطاني السابق، وهو يقول ان كل من يأتي إلى الجزيرة يريد أن يتذوق الدجاج الطازج ويستاءل: هل من الجائز أن لا تقدم عاصمة الطعام هذه أي شيء طازج". الفليبينية جوزيا بونتاي التي تعمل خادمة في هونغ كونغ، تقول أنها أدمنت على الدجاج المذبوح حديثاً بعد ان انتقلت إلى هنا، لأن مذاقه مختلف. بونتاي التي جاءت لتشتري دجاجة، لم تنتظر ليأتي أحد لمساعدتها، بل فتحت القفص بنفسها وتناولت دجاجة من عنقها ونفشت ريشها بحثاً عن وجود أي طفح قد يكون مؤشراً لمرض ما، ثم أعطتها للعامل لكي يذبحها. ويصر بائعو الدجاج أن الإصلاحات التي نفذوها بعد وباء انفلونزا الطيور، بما في ذلك تلقيح الطيور، كافية لحماية الصحة العامة. وقد انتشر الوباء بين الدجاج عدة مرات بعد ذلك، إلا أن فيروس المرض لم يقفز إلى الإنسان، وتم إتلاف الطيور المصابة. ويصر رئيس الجمعية تسوي على أن تجارة الدجاج لا تشكل تهديداً للصحة العامة، ولكنه يعترف بأنه لا يمكن القضاء على الخطر تماماً. ويقول تسوي: كل شيء فيه مخاطرة. السير على الرصيف قد يعرضك لسقوط غرض ما عليك. الطائرات تتحطم. ولا ينبغي أن تقتل الحكومة قطاعاً إنتاجياً كاملاً بسبب خطر ضيئل.