وضع الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى الحقائق في نصابها وهو في ضيافة نخبة من الدبلوماسيين المتابعين والدارسين للاوضاع العربية والاقليمية والدولية الذين جمعهم المجلس المصري للشئون الخارجية برئاسة الدكتور محمد ابراهيم شاكر سفير مصر السابق في لندن. حيث رفض موسى سياسة "النعام" واعلن بشجاعة انه في مقدمة صفوف المنتقدين للجامعة العربية ولكنه يرفض ان يكون في مصفوفة المشكوك في ذمتهم من دعاة الترويج بهدم الجامعة وازالة اثارها.. وقال موسى ان الدبلوماسية العربية قامت بدورها المطلوب لتجنيب الحرب على العراق الا ان الولاياتالمتحدةالامريكية كانت قد اتخذت قرارها. ان الاحداث الجارية في المنطقة وما سيترتب عليها تمثل امرا خطيرا يتطلب منا الكثير من التفكير والحذر ومع هذا الحذر يجب ان تكون هناك شجاعة الحركة، و يصبح على المجتمعات العربية والعالم العربي مواجهة المشاكل الكبرى والتحديات الضخمة وان كان من نافلة القول الاشارة إلى أن تعبيرات مثل التحديات والازمة الحساسة والامور الخطيرة قد استخدمت سابقاً في غير موضعها احياناً.. الا اننا الان نمر بمنعطف خطير جداً ونواجه مشاكل لا حصر لها ولا ندعي انها مشاكل مفروضة علينا من الخارج ومن قوى اجنبية، بل من الاهمية الاشارة إلى ان مشاكل نابعة من ضعف مجتمعاتنا والامعان في الهروب وعدم المواجهة دون استعداد للمواجهة وهو ما ساد خلال السنوات الماضية، وهنا يتبادر إلى الذهن فوراً الموقف العربي من العراقوفلسطين. وقال موسى انه قد جمعه بمقر الجامعة العربية منذ يومين لقاء مع المفكرين العرب والمصريين جرى خلاله حديث حول العالم العربي ومستقبله والعمل العربي المشترك في هذه المنطقة، وتم طرح نظرية استرعت اهتمام المشاركين تنادي بالقومية العربية الجديدة وكان هذا الطرح قد اكد وجود شعور قومي يجمع دول هذه المنطقة، وان كانت ليست قومية بمفهوم الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ولكنها قومية جديدة ونظرية جديدة تأخذ في الاعتبار كل المتغيرات القائمة. و اشار موسى إلى اجندة اهل الدبلوماسية والسياسيين على اعتبار انها تتكون في الوقت الراهن من ثلاث قضايا رئيسية الاولى تتعلق بالاحداث الضخمة الجارية حالياً من حولنا، اما القضية الثانية فانها تتعلق بتفكيرنا ونظرتنا المستقبلية لاوضاعنا التنموية اجتماعياً واقتصادياً، اما القضية الثالثة فانها تتعلق بوضعنا الحضاري، وما تواجهه مجتمعاتنا العربية والاسلامية ومجتمعات العالم النامي، حيث اصبحت هناك اوضاع دولية واقليمية جديدة يمكن الحديث عنها، وقد يكفي الاشارة إلى موقف مجلس الامن خلال الحرب الامريكية على العراق، ولم نجد من يلوم هذا المجلس لعدم تحركه.. وعندما ننتقل إلى الناحية الاقليمية أي الشرق الاوسط وما حولنا نجد ان هذه المنطقة موجهة اليها اتهامات كثيرة وحملات سياسية وعسكرية وربما ايضاً اقتصادية، وانه بات هناك حديث مكرر عن منطقة متغيرة ومختلفة أي شرق اوسطية جديدة ونظام اقليمي آخر، ومكمن الخطورة هنا عدم اجراء حوار سياسي بين تلك القوى التي تريد ان تحدث هذا التغيير في المنطقة وقد حذر الكثيرين من خطورة هذه الاوضاع لا سيما خلال السنوات الخمس الماضية لدرجة جعلت البعض يطلق عليه السيناريو الاسوأ، ومن ثم كان يجب التحسب لذلك وان يكون او ما نفعله البحث عن ارضية مشتركة للحوار مع هذه القوى، ولكننا لم نفعل ذلك وظل اعتمادنا منصبا على ما نقرأ ونشاهد ونسمع، حتى وجدنا انفسنا امام ما تمخض عن ذلك وهي مشكلة العراق التي لم يعد هناك ضوء محدد لها في نهاية النفق نستطيع ان نؤسس عليه توقعا محددا بالامل في حكومة عراقية ودولة عراقية لها سيادة وديمقراطية، وربما هذا النموذج قد يكون غير ممكن في ظل الظروف الراهنة.. وحتى نكون اكثر واقعية فعلينا ان نسلم بالقرار الاخير لمجلس الامن الذي يقر ويتحدث عن قوة احتلال تدير العراق، وان على المنظمات الدولية مساعدة الاممالمتحدة والتعاون معها لتنفيذ هذا القرار ولكن قال ان الجامعة العربية بدورها ستتعامل مع الامين العام للامم المتحدة بالشكل الذي يضمن الحفاظ على سيادة العراق وسلامته الاقليمية حتى يتم تشكيل حكومة عراقية من اجل انهاء هذا الاحتلال، موضحا ان هذه المسألة لا يبدو انها ستكون بهذه السهولة نظراً لصعوبة ايجاد الحكومة الجديدة بالشكل السياسي المطلوب وهو ما يؤكد حسب الامين العام استمرار الاحتلال لفترة ربما تطول، وهذا يتطلب منا بذل الكثير من الجهود لعدم ترك العراق وشأنه بالمعنى السياسي ليفعلوا به ما يشاءون، داعياً الى استمرار الدعم العربي والتحرك العربي على كافة المسارات نحو استعادة سيادة العراق وعودة الشخصية العراقية ليمارس العراق نشاطه الاقليمي في ظل الظروف الجديدة بعد سقوط النظام السابق. وتحدث موسى عن الجهود الحثيثة التي بذلتها الجامعة العربية لتفادي الحرب، وقال ان تحركاتها كانت ملموسة ومؤثرة بدليل انها اثرت على مجلس الامن لاستصدار القرار الشهير الذي صدر قبل الحرب الخاص باعادة فريق المفتشين إلى العراق، مشيرا الى أن ذلك تأكيد قوي على ان الدبلوماسية العربية فعلت كل ما تستطيع لتجنب الحرب لم يكن احد يعلم نهايتها وهذا ما هو موجود بالفعل على ارض الواقع.. وهنا درس يجب ان يفهمه الكثيرون بأن الموقف من العراق كان موقفاً صحيحاً لانه لم يكن موقفاً مع النظام العراقي وانما كان موقفاً مع العراق الشعب والدولة، وفي سياق الحديث اشارموسى إلى ما انتهى اليه الحوار مع بعض الزعامات العراقية التي زارت الجامعة بعد الحرب، حيث ابلغوا امين عام الجامعة بأن اللوم لم يكن للجامعة في حد ذاتها بقدر ما كان للمجموع العربي، عندما ترك العرب العراق لسنوات طويلة يعاني تفرقة ومن ضغوط ومعاملة سيئة انتهت بمذابح بشعة وعمليات ابادة في حلابجة حيث استخدمت الاسلحة الكيماوية، دون ان يتحرك احد للدفاع عن هؤلاء، بل ان البعض كان يحاول التغطية عليه، ومن ثم كان الخلل، وقال ان الجامعة العربية اخذت هذا الكلام بعين الاعتبار خصوصاً بعدما بدأت تتكشف جرائم المقابر الجماعية، حيث كانت الجامعة العربية صاحبة اول رد فعل في انتقاد وادانة هذه الممارسات، وطالبت على الفور بعقد اجتماع استثنائي للجنة الحقوق العربية، ليس فقط للتأكيد على ادانة ما حدث، ولكن للتركيز على بلورة موقف من مثل هذه الممارسات لليوم وغد، وانه لا يمكن التسامح في تكرار مثل هذا الخطأ في قطر عربي آخر، بل لا يمكن الصمت حتى تتدهور الامور لتصل إلى ما وصل اليه الحال في اختراق حقوق الانسان. وقال موسى ان موضوع العراق ومعه موضوعاً فلسطين يثيران موضوع غاية في الاهمية هو سياسة الولاياتالمتحدةالامريكية في المنطقة، والموقف العربي منه، وهنا يصبح العرب امام احتمالات ثلاثة اما المعارضة واعتبار العالم العربي ضد الدور الامريكي في المنطقة وانه قادر على مواجهة الولاياتالمتحدة ويمتلك قوة ردع فعلية ضد امريكا، أي الرفض المطلق وعدم التعامل معها.. واما التسليم المطلق باعتبار ان الولاياتالمتحدةالامريكية قوة لا قبل لنا بها ولا طاقة لنا بمواجهتها ومن ثم يصبح لزاماً علينا ان نتقبل ما يمكن ان تمليه علينا هذه القوى المهيمنة على المنطقة، وقال ان هذا بالفعل هما التياران السائدان في المنطقة العربية.. وما بين هذين الرأيين الرافض للسياسة الامريكية والمستسلم لها نجد هناك رأياً ثالثاً يطالب بالبحث عن طريق للتفاهم مع هذه السياسة والتعامل معها ومن الضروري تفعيل الحوار المشترك، بحيث لا يتم التفريط في الحقوق والثوابت العربية. وذكر موسى ان الواقع يفرض علينا الاعتراف بلا خجل بالوجود الامريكي في قلب المنطقة، حيث نتطرق في هذا الصدد للحديث عن بعض من المواقف الطريفة التي جمعته ببعض المسئولين العرب المجاورين للعراق حينما قال لهم بدعابة لطيفة : ليتكم تغيرون اسماء بلادكم لتصبح كندا والمكسيك بدلا من هذه الاسماء العربية طالما اصبحتم جيراناً لامريكا. موضحاً في حديث جاد بأنه مطلوب خلال المرحلة الراهنة ان يكون هناك حوار شامل يجمع كافة الاطراف العربية من سياسيين ومفكرين ودبلوماسيين وحكومات ومنظمات غير حكومية لطرح التصورات المستقبلية لهذه المنطقة خلال العقد القادم في ظل ضباب الرؤية لاستمرار الوجود الامريكي بالمنطقة.. بحيث لا نظل نعتمد على تصورات معاهد البحث الاجنبية في الولاياتالمتحدةالامريكية واوروبا.. فليس من الحكمة الا توجد هناك معاهد بحوث عربية لدراسة ما سيكون عليه الوضع خلال السنوات العشر القادمة ليس فقط بالنسبة لموضوع العراقوفلسطين، بل وفيما يتعلق بموضوعات التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والانسانية حيث ان مثل هذه التطورات الخاصة بالتنمية هي التي ستفرض نفسها في المنطقة خلال الحقبة القادمة وتحدد مستقبل هذه المنطقة لانه لا بد ان يأتي اليوم الذي يتم فيه التوصل إلى تسوية وحل للقضية الفلسطينية وايضاً موضوع العراق مشيرا الى ان ما يخص حياة المجتمعات العربية فهو الفيصل في مستقبل هذه المنطقة. وطالب موسى مدعي التغيير الغربيين بألا يفسدوا على مجتمعاتنا العربية معنى كلمة التغيير لان المجتمعات العربية نفسها تريد هذا التغيير الذي هو سنة من سنن الحياة والكون، اما الذين جاءوا للمنطقة يتشدقون بهذه الكلمة فانهم يحاولون ان يغرسوا افكاراً من نوع أن التغيير مرفوض من العرب وانه يجب ان يفرض عليهم في حين انه ليس مرفوضاً من هذه المجتمعات العربية ولا يجب ان يكون مفروضاً عليهم. وقد تطرق موسى لموضوع فلسطين موضحاً أنه ضارب بجذوره في الحياة السياسية العربية وفي النفس السياسية العربية، وكما يقولون : مياه كثيرة جرت تحت الكباري ولكنها دون ان تصل إلى مصبها ابداً، موضحاً أنه في بداية التسعينيات كانت هناك مسيرة انذاك اطلق عليها مسيرة السلام لعشر سنوات، الا انها انتهت من حيث بدأت بحرب الخليج لمؤتمر دولي فمسيرة سلام فمماطلة فلا شيء.. في حين يرى موسى أن هذا الحكم خاطئ اذ ان عملية السلام في التسعينيات كانت تتم تحت شعار اجلسوا سوياً وتفاوضوا إلى ان تتفقوا، اما الان فيقول اجلسوا سوياً ثم تفاوضوا ولكن انتهوا إلى عام 2005.. اذاً فهناك تاريخ مستهدف وهذا في حد ذاته عنصر مهم جداً ورئيسي.. اما النقطة الاخرى المهمة فهي ان عملية السلام في التسعينيات بدأت وهناك بحث من اين نبدأ، وخطة السلام جاءت من بعد 9 سنوات وبالتحديد عام 2000 حيث بدأت عملية السلام تتحدث عن مفاوضات مدريد إلى ديسمبر 2000 عندما اعلن كلينتون الاطار الخاص بعملية السلام. اما خطة العشرين فتتميز بوجود آلية مرسومة لها الوصول إلى زمن محدد 2005، وان كانت هذه الخطة تفتقد لضمانات التنفيذ في ظل ما تتعامل به اسرائيل وكأن لديها حصانة مقابل شعب لا يتمتع بأي مقومات قوة لا سياسية ولا اقتصادية. وحول الموقف العربي الحقيقي.. اكد موسى ان ما جاءت به مبادرة سمو الامير عبد الله بن عبدالعزيز والتي طرحت على قمة بيروت واقرها زعماء وقادة الدول العربية باعتبارها افضل ما قدم من اطروحات على اساس ان هذه المبادرة العربية حددت الحد الادنى والاقصى بما لا يزاد عليه او ينتقص منه، بحيث اصبح على الولاياتالمتحدةالامريكية واوروبا ان يأخذوا في الاعتبار ما جاءت به هذه الوثيقة، لا سيما ان هذه المبادرة جاءت شمولية بمعنى انها لم تركز فقط على القضية الفلسطينية وانما تتعامل ايضاً مع القضية السورية واللبنانية. ايضاً فقد تناول موسى خلال القاء موضوع السودان مؤكداً ان الجامعة العربية تقوم بدور هام باعتبار ان السودان لا يقل اهمية عن العراقوفلسطين من حيث الخطورة خطورة آثاره التي لن تقتصر فقط على مصر وانما على مجمل الامن الاقليمي باعتبار ان السودان اكبر دولة في القرن الافريقي. في حين تحدث موسى عن قضية الامن الاقليمي باعتباره فيصل السلامة للمنطقة، الا ان السؤال الذي يطرح نفسه هو هل الامن الاقليمي العربي ما زال معمولاً به وهل التهديدات التي تواجه منطقة عربية مثل الخليج هي نفس التهديدات الموجهة للقرن الافريقي او شمال افريقيا.. ومن مقتضى هذا السؤال نجد هناك سؤالاً آخر يطرح نفسه هو هل هناك محددات جامعة لعناصر امنية ضد ما يهددنا؟.. هنا يرى موسى بأن الاجابة لا بد ان تكون بنعم باعتبار ان هناك قضية مثل القضية الفلسطينية تقلق الجميع فان لم تكن تقلقها بصفة مادية كما هو الحال مع دول الجور فانها تقلقها بصفة نفسية وهو ما يتعلق بازعاج الشعوب العربية كلها. ولم يكن بامكان موسى ان يغفل الحديث عن الجامعة العربية لا سيما وقد وجه اليها الكثير من الانتقادات خلال الفترة الاخيرة موضحاً أنه شخصياً في مقدمة المنتقدين للجامعة العربية مشيراً إلى ان بعض التيارات حاولت خلال الفترة الاخيرة ان تجعل من الجامعة العربية شماعة للاخطاء الا ان اصحاب هذا الرأي لا يمثلون المجموع العربي وان هناك شكوكا في ذمتهم واوضح موسى بأن الجامعة العربية لمن لا يعلمون هي منظمة متشعبة باعتبارها الثالثة من حيث الضخامة بعد الاممالمتحدة والاتحاد الاوروبي، فهي الامانة العامة في ميدان التحرير وهي المنظمات المنتشرة في العالم العربي وهي المجالس الوزارية التابعة للجامعة ثم الاتحادات المهنية ذات الانشطة الهائلة فمروراً بصناديق الانماء. وفي ختام حديثه شدد موسى على ان الموضوع ليس في التعديلات التي يمكن ادخالها على الجامعة وانما في الالتزامات وان العبرة ليست بموضوع الاجماع من غيره وانما العبرة بالالتزام.. فكم من قرارات صدرت بالاجماع ولم تنفذ، وكم من قرارات لم يلتزم بها من قدمها بنفسه واضاف موسى بانه من الاهمية ان تكون لدينا استراتيجية في الاختلاف بحيث عندما نختلف لا نخرج لنسب بل نتحاور.. فهل العالم العربي جاهز الان لاتباع هذا المنهج وانه مهياً ليتفاهم مع اخوانه ام ان هذا السؤال ليس في محله.