انتشرت الألعاب الإلكترونية بسرعة هائلة في المجتمعات العربية عامة والخليجية على وجه الخصوص، ولايكاد يخلو منها منزل حتى أنها أصبحت جزءا أساسيا في غرفة الطفل. ألعاب البلاي ستيشن سيطرت على عقول أطفالنا وشغلت كل أوقاتهم، حتى أن الآباء والأمهات أصبحوا يرضخون لرغبات أبنائهم في اصطحاب الأجهزة والاسطوانات التي تخصهم إلى أي مكان يحلون فيه أو يذهبون إليه. وتنفق الأسر ما يقارب ال 400 ألف دولار سنويا على هذه الألعاب استجابة لرغبات الأطفال الذين أدمنوا عليها، ومن المعلوم أن هذه الألعاب حسب ماذكر أخصائيون أنها تؤثر على قوة الإبصار والحالة العصبية لدى الطفل، ولكن، هناك ما هو أبعد من ذلك التأثير: إنه التأثير على سلوكياتهم من خلال اللقطات الإباحية والمسيئة التي تحتويها تلك الألعاب، مما ينعكس سلبا على الطفل فتحيله إلى مجرد كائن منطو على نفسه، خصوصا أولئك الذين يحبون الألعاب الفردية في الغرف المظلمة. سخرية وقبول يشير سالم بالأحمر مسؤول معرض ألعاب بلاي ستيشن، إلى أن أكثر مشتريي الألعاب هم من فئة الأطفال الذين لا تزيد أعمارهم على 12 سنة، وأن أكثر طلباتهم على الألعاب المحظورة، و «لا يكاد يخلو يوم إلا وتزيد الطلبات أكثر عن سابقه»، ويضيف: نحن كمسؤولي معرض نقوم بنصح الآباء الجاهلين بتلك الأمور ونحظى في غالبية الأمر بالشكر والكلمة الحسنة، لكن بعض الآباء يستغربون نصحنا ساخرين (إذا ماشاف في الألعاب بيشوف في الإنترنت!). تمرد على السلوك كذلك أكد لنا فهد داوود، وهو خبير في ألعاب البلاي ستيشن، على أن الألعاب الإلكترونية ضرورية في المنزل «لأنها تبث روح الرفاهية للشخص بعد يوم طويل تكلل بالتعب والمشاق، فهي نوع من التسلية البريئة، واستثمار للتنافس بين اللاعبين فيها، وتنمي الفكر وروح التحدي وتطوير الذات» ، مشيرا إلى أن السوق السعودية تستوعب مايقارب مليوني لعبة سنويا . وأغلبها تأخذ طابع التنافس بين لاعبين أو أكثر، حتى أنها لم تعد حكرا على الأطفال فهناك الكبار الذين لديهم هوس اللعب في غرف مظلمة ليعيشوا أجواء ساخنة خصوصا في تلك الألعاب التي تحمل بين طياتها العديد من الجرافيك والصور المتعددة وسط أصوات صاخبة وإضاءات ملونة ومشاهد عنيفة، ولايجرؤ أحد على منعهم من أي سلوك غير لائق حيث يكون التحدي بشكل أشبه بالتمرد على السلوك السوي. عنف وإجرام سعيد العليان، وهو مسؤول في إحدى شركات تسويق هذه الألعاب، قال: إن الألعاب الممنوعة قد تكون بيد تاجر شنطة يتجول بها بين محلات ألعاب البلاي ستيشن، يعرضها على الأطفال والكبار على حد سواء بسرية تامة، ومن هؤلاء الباعة من يشتريها بأسعار باهظة ويبيعها بأضعاف سعر الشراء فيمكنه ذلك من تحقيق أرباح كبيرة تعوضه عن الدخل اليومي، وهذا ما قد يؤثر على أصحاب المحلات التجارية الرسمية من الناحية الاقتصادية، وهذه الألعاب تتفوق استهلاكيا أكثر من الألعاب الموجودة في المحلات لاحتوائها على مقاطع فاضحة، ناهيك عن الألعاب الموجودة في السوق المحتوية على نفس تلك المشاهد. واستطرد العليان : إن الترفيه بالألعاب الالكترونية أمر طبيعي لكبير السن وأمر معقد للصغار، الذين لا يقتنعون بأية لعبة موجودة، وبعض الصغار المتقدمين عقليا يرغبون في ألعاب غير لائقة في بعض المشاهد من حيث العنف والإجرام وتخالف ترجمتها عقولهم وتؤثر عليهم سلبيا. فكر منحرف من جهته، قال الباحث الشرعي الدكتور رضوان الرضوان: إن اللعب ليس ضد فطرة الأطفال ويجب على الوالدين الاهتمام بهذا الجانب وتنميته فيهم، في ذات الوقت الذي يجب عليهما فيه إعانتهم بالألعاب التي تنمي أفكارهم وذكاءهم وقوتهم.. وهذا الأمر مشروع وهذا ما أمر به الشارع الحكيم امتثالا للرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يلاعب الصغار ويضاحكهم ويحملهم على ظهره.. موضحا: لكن اللعب يكون محرما متى ماكان يشغل الفرد عن طاعة الله، وإذا زاد على الحد وأصبح طاغيا على الخير.. والغزو الفكري بدأ وهو لم ولن ينتهي، وعز هذه الأمة وصلاحها في إسلامها وفي شبابها.. وأعداء الإسلام اختاروا هذا الطريق ليتمكنوا من الإساءة إلى الإسلام من خلال البرامج الدخيلة على أبنائنا باسم الألعاب الإلكترونية التي بها نوع من الذكاء وإذا بنا نكتشف أن بها البلاء الضار، حتى أن بعض الذين تربوا عليها نشم منهم رائحة الإلحاد والأفكار القائمة على الوثنية والانشغال عن الفطرة السليمة المألوفة». ويضيف الدكتور رضوان: إن اللعب بصفة عامة يكون بين مجموعة من الناس، حيث إن الألعاب الفردية غالبا ما تؤثر على الطفل وتؤثر على سلوكه، ومن السهل أن يغزى الذي تعود أن يلعب بمفرده في فكره، حيث لا يجد من يشاركه أفكاره ويشاركه التوجيه، وهنا يجب على أولياء الأمور أن يختاروا لهذا الطفل البيئة الصالحة التي تكون فيها العوامل التحفيزية والتشجيعية لكي لاينخرط في بعض الأمور غير الشرعية أو الانفصام في الشخصية. جيل متهالك أيضا، أكد المستشار التربوي نزار رمضان، على ضرورة تعليم الأبناء قيم المسؤولية واحترام آرائهم. والحرية المنضبطة أمر في غاية الأهمية عند اختيار الألعاب واختيار متعة الطفل.. وهي أمور بسيطة تحتاج فقط لفهم تربوي راق، بمعنى أن على المربي أن يفقه احتياج وخصائص مرحلة نمو الطفل وإلى أي الأنواع يميل، ويحتاج أن يدرك مبكرا نوعية الذكاء لديه ليعمل الوالدان على تنميته، وإعطاء مساحة اختيار بين عدة أنواع يتم الاتفاق عليها وفق المعايير السابقة وليس الاختيار المبني على شكل أو لون أو جاذبية اللعبة، وإذا استطعنا أن ندمج بين الحاجة والجاذبية ونوعية الذكاء فإن ذلك أجدى تربويا وأنفع تعليميا. مبينا أن الطفل يحتاج للتنبيه من حين لآخر ويحتاج لتبصيره وتوعيته بالحقيقة وبالخيال وإيضاح الواقع والافتراض ليميز بين السيء والجيد. وحذر رمضان من جريمة قد يرتكبها بعض الآباء بفتح الباب على مصراعيه لألعاب الشبكات وألعاب البلاي ستيشن غير التربوية التي أدت في نهاية الأمر لوقوع حوادث مثل الطيران من أعلى بناية أو القفز فوق الأخ الأصغر كسوبر مان، ولذلك ينصح بإلقاء قصص على الأطفال قبل النوم .. وأن نطرح عليهم سؤالا: هل هذه حقيقة أم خيال؟، ليفهم الواقع جيدا ويحياه من ناحية أخرى. وختم الدكتور رمضان بأن الألعاب الإلكترونية تؤثر على مفاهيم الأشخاص من الجانب السلوكي ..«فهي تنشر لديه المفاهيم الجنسية المغلوطة بانتشارها في كثير من الألعاب المدعمة بالصور الفاضحة، وبالتالي ينشأ جيل متهالك مائع لايمتلك قيما.. يألف الجنس غير المنضبط وفق الشرع والدين والقيم والأعراف، حتى أن هناك ألعابا يتم تحميلها أو بيعها عبر الشبكة العنكبوتية يوجد فيها ممارسة الجنس المباشر، وعدد كبير من الألعاب يتم من خلالها بث فكرة الهيمنة الأمريكية، فالمنقذ والمنتصر في هذه الألعاب يحمل العلم الأمريكي وبأسماء أمريكية، فيترسخ في عقول أبنائنا أن حامي الديار ومنقذ الإنسانية من الدمار هم هؤلاء مع احترامنا وتقديرنا لهم كأصدقاء، كما أن الإدمان على هذه الألعاب يخلق لدى لاعبيها الأنانية لأنها مصممة بشكل احترافي خطير من حيث الحركة والألوان والصورة والأداء، وذلك ما يجعل الطفل لايريد أن يترك اللعبة أبدا، ليصبح في النهاية أنانيا في اللعبة وفي حياته ومجتمعه، كما أنها مصممة بطريقة اللعب المنفرد بحيث يتيح ذلك للطفل البعد عن اللعب الجماعي، بل إن الأهل يستسهلون ذلك ويفضلون العزلة للطفل بحجة البعد عن المشكلات بين الأطفال من المشاجرات وغيرها .. وإن المداومة على مشاهدة المقاطع الإجرامية في الألعاب تعتبر أكثر ضررا من أفلام العنف التلفزيونية أو السينمائية، لأنها تتصف بصفة التفاعلية بينها وبين الطفل وتتطلب من الطفل أن يتقمص الشخصية العدوانية ليلعبها ويمارسها بعبارة ثقيلة الوقع.. نحن نئِد أولادنا وبناتنا حقيقة بهذه الألعاب الغبية غير المفيدة لأولادنا وبناتنا»..