في الجزء الأول من هذا الموضوع تحدث الدكتور سالم رشود اخصائي الأمراض العقلية انها عبارة عن حالات انفعالية سلوكية خارجة عن الحد الطبيعي المألوف في حياة الناس اضافة الى عدم التوازن بين الانفعالات النفسية والأفكار من جهة والسلوك والأفعال من جهة أخرى كما تحدث عن الأسباب غير المباشرة. وفي هذا الجزء يكمل بشرح الأسباب المباشرة التي يعتبرها أهم من السابقة وان جاءت متأخرة عنها من حيث الترتيب الزمني في الظهور. فعلماء النفس يرون ان الأسباب المباشرة تكون عادة مزيجا من عناصر جسمية ونفسية فهي لا يمكن ان تكون جسمية بحتة ولا عقلية بحتة إلا ان بعضها تطغى فيه الناحية الجسمية على العقلية فيبدو وكأنه سبب جسمي صرف وبعضها الآخر يطغى عليه التأثير النفسي او العقلي فيوحي بانه عقلي صرف. ونستعرض الأسباب المباشرة التي تبدو في ظاهرها جسمية ولكنها في الحقيقة مزيج من الجسمية والعقلية امكننا ان نقضي على صحة هذه النظرة اهم هذه الاسباب: الحمى او غيرها من الامراض المعدية الحادة فالحمى مثلا تؤثر في جسم المريض ظاهرا اكثر مما تؤثر اولا في الاغشية الجسمية ثم ينتقل تأثيرها الى الشعور فيضطرب ويعتري المريض نوع من الهذيان مصحوب بثورة انفعالية. الانهاك والاعياء نتيجة التعب الشديد مما يؤدي الى اضطراب الاعصاب وعدم القدرة على التركيز. تخدر الاعصاب نتيجة تناول الادوية والعقاقير والمواد المخدرة مما يشل القدرة على التفكير ويؤثر في العقل والاعصاب. تخدر الجهاز العصبي تعجز اعصاب المعدة مثلا عن القيام بمهمتها مما يؤدي الى اضطراب في الجهاز الهضمي وبالتالي في عملية الهضم وتتعطل عملية امتصاص الغذاء الضروري لتقوية الجسم وتغذية انسجته واغشيته وهذا الاضطراب في عملية الهضم يؤدي بدوره الى اضطراب في عملية الهضم يؤدي بدوره الى اضطراب في الاعصاب ومرض العقل. الانسمام سواء الناتج عن تناول المواد السامة Poisning او المزمن الناتج عن بعض الامراض الحادة كالسل وفقر الدم والسكري وما يشابهها فهذه الامراض تتحول الى حالات مزمنة يعاني منها المريض مدة طويلة ويتعب جسمه بسببها ويخف نشاطه الحيوي ويقوده ذلك الى سلوك عقلي شاذ. الامراض العصبية الحادة والمزمنة التي تؤثر في المخ تأثيرا مباشرا ولما كان المخ هو العضو الرئيسي للعقل والتفكير فان تأثره بهذه الامراض ينعكس حتما على العقل والتفكير فيضعف العقل ويضطرب التفكير ويتشوش. التقرح الباطني خصوصا في منطقة الدماغ هذا التقرح يؤثر ايضا في المخ ولا سيما في طور الطفولة او مابعده بقليل فيسبب مباشرة شذوذا واضحا في السلوك العقلي. ضربة الشمس الحادة التي تؤدي الى اضطراب متواصل في توزيع الحرارة في الجسم ومن ثم الى ثورة انفعالية يطول امدها وينتج عن كل ذلك فقدان التوازن العقلي. اما الاسباب المباشرة التي يغلب فيها التأثير العقلي على التأثير الجسمي فيصعب في رأي العلماء تعريفها وتحديدها لانها تتطلب غوصا في اعماق حياة المريض في اطوارها المختلفة وخصوصا طور الطفولة الاولى التي اثبتت التجارب انها تبذر بذورها في كثير من الامراض العقلية او العقد النفسية لكن هذه الاسباب تعود في مجموعها الى اضطرابات انفعالية لها تأثيرها المباشر في الحياة العقلية في تكوين الشخصية او خللها وهي في دورها شبيهة بالقلب الذي يضبط سلامة الجسم اذا كان عمله سليما ومضبوطا ويسبب خلل الجسم اذا اختل عمله. فالانفعالات هي الدوافع الحيوية التي تصدر عنها اعمال الانسان وتصرفاته وافكاره واحكامه دون شعور منه في كثير من الاحيان والثابت الاكيد انها وحدها المسيطرة على حياة الطفل وهكذا يرى العلماء ان كل انفعال هو قوة دافعة فعالة وعميقة التأثير في السلوك الانساني وهذا السلوك قد يكون نافعا مفيدا او خطرا مضرا وفقا لنوع الانفعال الذي يوجهه فاذا نظرنا الى افعال الناس وراقبناها بدقة وعمق لاحظنا انها تعود في اصلها الى ثورات انفعالية وقد تؤدي ثورة انفعالية حارة الى هد كيان العقل وشل قدراته الواعية وفي الوقت نفسه نلاحظ ان الانفعالات المنضبطة والتي يتحكم بها العقل تقود الى سلوك سليم. من المعروف ان العقل مزود بقدرة كبيرة علىالاحتمال والصمود ومواجهة الازمات ومقاومتها ومع ذلك نلاحظ حالات انهيار لاسباب بسيطة جدا؟ نعم ولكنه مع ذلك يعتريه الضعف والوهن ويستسلم احيانا لانفعالات خفيفة تقلقه منذ مدة طويلة فهذه الانفعالات الضعيفة الطويلة الامد تؤدي في النهاية الى ضعف العقل وتراجع قدرته على الاحتمال وتصبح اشد تأثيرا في العقل من اي انفعال حاد آني لذلك نرى ان العقل يصبح بدوره مهيأ للهرب امام اية ثورة انفعالية حادة لانه تحت تأثير تلك الانفعالات الضعيفة المتواصلة ومن الطبيعي جدا ان تكون لهذه الانفعالات سواء الحادة الوقتية او الضعيفة الطويلة الاجل آثار مباشرة وظاهرة في الجسم والعقل معا فلابد لاي من هذه النزعات الانفعالية ان تترك آثارا جسمية تتفاوت وتختلف بتفاوت النزعات واختلافها قوة وضعفا ونوعا فلو اخذنا مثلا القلق الذي يعتبر من الاسباب العقلية الجسمية للمرض العقلي والتي يغلب عليها التأثير العقلي لان مظاهره العقلية اكثر وابرز واوضح من مظاهره الجسمية لوجدنا ان الانسان القلق لايستطيع ان يضبط نفسه او يفكر تفكيرا سليما متزنا فالقلق يسيطر عليه هو وجه من وجوه الانفعالات التي تؤثر في العقل وتضعفه. في الوقت نفسه نلاحظ ان لهذا القلق تأثيرا جسمانيا يتمتل بامتقاع اللون وعنف النبض في الاوعية الدموية في العنق وتسارع ضربات القلب وسرعة التنفس الى غير ذلك من الاعراض التي تبدو بوضوح على من يعتريه القلق الشديد ولعل ابسط الامثلة واوضحها على هذه الحالة هو مثل من يواجه موقفا محرجا كالقاء خطاب في حشد غفير من الناس او مقابلة مسئول له دور فعال في تقرير مصير حياته او مجراها وهكذا يمكننا القول ان للامراض العقلية اسبابا عديدة ومتنوعة ينكب العلم الحديث على مزيد من التعمق في دراستها والتحقق من تأثيرها المباشر في العقل وما ينتج عنه من سلوك. ما مظاهر الامراض العقلية؟ 1 التخلف العقلي: وهو اخف مظاهر الامراض العقلية ويمكن تحديده بأنه عدم اكتمال في نضج العقل وتطوره ونموه مما يؤدي الى نقص في ذكاء المصاب يعوقه عن حماية نفسه ضد المخاطر ومواقف الاستغلال. 2 الانهيار العقلي: وهو حالة هبوط وتراجع في مستوى الوظيفة العقلية عن مستواها الطبيعي السابق وهذه الحالة تختلف عن حالة التخلف العقلي لان ضعيف العقل مهما كانت درجة ضعفه العقلي لايصح وصفه بالانهيار العقلي مالم يكن مستواه العقلي الوظيفي السابق اعلى من مستواه الحالي. 3 الجنون: المجنون هو انسان تخطى المجتمع الواقعي الحقيقي واوجد لنفسه مجتمعا وهميا وطبيعة وهمية ذات قوانين ذاتية واحساسات غريبة خاصة فهو يتجاهل اساليب التفكير المتعارف عليها ولا يعير القوانين والمنطق والمجتمع اهتماما ويعتبرها خاطئة ولا شأن له بها فهو يبني عالمه الخاص ويعيش فيه وحيدا ويستغرب في الوقت نفسه ولا يفهم لماذا لا يتفهم او يتقبل الاخرون عالمه هذا. 4 الاعتلال النفسي السيكوباتي: هي حالة متقدمة من حالات الجنون وهي اشد ايلاما في نواح عديدة من الجنون فاذا كان المجنون يستمتع كما ذكرنا بعالمه الخاص فاننا في اي حال لانستطيع ان نحكم الحكم نفسه على السيكوباتي انما المصاب يعاني من عذاب عقلي وشرح هذه الحالة يطول جدا هنا واعدكم بمزيد من التفصيل مستقبلا. 5 الصرع: بعض علماء النفس يعتبر الصرع من اخطر الامراض العقلية التي يتعرض لها عادة اصحاب القدرات الفائقة او المواهب الخارقة كالفنانين والرسامين والشعراء المبدعين والنوابغ والقادة العظماء. في حين يرى علماء الطب العقلي ان الصرع على نوعين فطري ومكتسب ويعتبرون ان الصرع ليس مرضا عصبيا او عقليا او ذهانا بل هو نوع من السيكوباتية.