" أيها المارون بين الكلمات العابرة احملوا أسماءكم، وانصرفوا واسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة وخذوا ما شئتم من صور ، كي تعرفوا إنكم لن تعرفوا كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء؟" هكذا صرخ الرائع محمود درويش.. وهكذا نصرخ يومياً رغم تلك ال X الكبيرة والمعقدة التي تملأ حياتنا.. في حياة كل منا تلك العلامة التي نود شطبها من الذاكرة، ولا نجرأ حتى على المصارحة بها ولو في لحظة حقيقة تومض لتمزق كل أقنعة الكلام، التي هتف يوما بها "الولد البريء" في أسطورة الكاتب الدانمركي هانز كريستيان أندرسن "الزعيم يسير عاريا".. لم يكن يدري هذا البريء أن الزعيم ليس وحده بل أننا جميعا نمشي وراءه بعيدا لاستثمار " سياسة للسان" بعد أن صرنا ضحايا لتلك العلاقة المعقدة السائدة بين هذا اللسان والواقع.. وفي الخلفية هناك مستشارون ووعاظ وربما حفارو قبور أيضا يتأهبون لنقل التوابيت التي ما تزال على استعداد لاستيعاب المزيد من الجثث التي لا يمنع من الاكتفاء بقبر جماعي. "الخطأ الفرويدي" الذي عشناه في الأيام القليلة الماضية استطاع أن ينتزع أحيانا الحقيقة من العقل الباطن دونما إرادة منا وربما في فورة مشحونة بتيار عالٍ جداً من الهستيريا الغائبة والهستيريا الغالبة. لكن، هل تخلق الألفاظ مدرسة واقعية جديدة؟ سؤال يتعمد "قولبة" الفكر التي تحلق حول الكثير من "اللات والعزى" ليدفع ثمنه مغنٍ بائس حياته بطلقة رصاصٍ كان ذنبه أنه التصق برأس التمثال، لتقتنع القاعدة بأن كل شيء يجب أن يزال.. حتى ولو كان "الاحتلال". الصهيونية.. مثال بارع على كيفية استخدام التلاعب اللفظي بمهارة ، فاليهود لا "يهاجرون" إلى بلاد ولكنهم "يأتون" إليها.. وهذا بالضبط ما وصفه كاتب إسرائيلي ب"الانحلال اللغوي" الذي ساد بالذات بعد حرب 1967 وانتصار إسرائيل الساحق.. والآن ماذا نقول نحن عن هذا "الانحلال اللفظي" الذي ساد منذ حرب الخليج الثانية والغيبوبة التي ذهبت بالكيان العربي كله إلى غرفة الإنعاش.. الولاياتالمتحدة .. تخطت حاجز الجغرافيا وصارت "جارة" لنا، وإسرائيل خرجت من جحور التاريخ تبحث عن مسترX عربي لاستثمار كل تلك الأفكار اليهودية الخلاقة.. ربما لم يتعظ الآخرون بأسطورة هانز كريستيان أندرسن وولده البريء، وصاروا يبحثون للزعيم عن تعريف جديد ل "الثوب".. ربما كان على هؤلاء الذين كتبوا على الجدران ترحيباً حاراً ساعة غفوة أو نشوة، قد اكتشفوا أن لديهم أكثر من X يمكن لها أن تخرج علانية ربما لأول مرة منذ 30 عاما .. هذا الذي يمشي حاملا البقايا في يد قد تكون منذ لحظات حملت بقايا جثة لأول مرة ينجح البعض في تعبئة الأحلام في أكياس من البلاستيك وهذه هي ما تبقى لنا من السخرية، كي نستلهم واقعية الكلام لتقفز فوق جهنمية الواقع ونردد مع هذا الفلسطيني المعذب بكائية "التوسل" الأخيرة التي بشرنا بها ذات يوم وزير خارجية عربي: فاخرجوا من أرضنا من برنا.. من بحرنا من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا من كل شيء ، واخرجوا من ذكريات الذاكرة أيها المارون بين الكلمات العابرة!..