يحظى موضوع الاستهلاك الدوائي باهتمامي منذ امد طويل, ويكثر ان اتناول بحثه مع الصديقات والاهل في مناسبات مختلفة. وفي كل مرة ارى هذا الهدر في استهلاك الدواء وسوء توجيه استخدامه تساورني احلام بهزة تثقيفية تستشري في المجتمع حتى يصحو من غفلته, ويعيد الناس النظر في اسلوبهم وطرائقهم مع الدواء. وكنت قد عزمت على الكتابة في هذا الموضوع منذ فترة وعاقني عن اتمام الكتابة انني كنت اسعى للحصول على احصاءات فعلية علمية عن السياسة الشرائية للدواء في منطقتنا ومسارب الاستهلاك, لانني اعلم ان هناك لجنة للشراء الموحد للدواء في دول مجلس التعاون وكثيرا ما تعقد اجتماعاتها في الرياض. ويحضر لهذه اللجنة وفود من مختلف دول مجلس التعاون منهم سيدات خليجيات ذوات اختصاص وخبرة في هذا الحقل, وكثيرا ما كنت اسمع منهن بعض مشاكل المهنة التي تتعلق بسوء استخدام الدواء والكلفة المادية والمشقة والعناء الذي تتكبده دول مجلس التعاون حتى يحصل المواطن والمقيم على الدواء المطلوب. لقد سعدت كثيرا عندما طالعتنا الصحف بهذه الحملة الوطنية التوعوية ضد مخاطر سوء استخدام الدواء والتي نهضت بها مشكورة الغرفة التجارية بالرياض ممثلة في اللجنة الطبية. ولعلي لم اتابع جميع فعاليات هذه الحملة ذلك انني اتطلع الى تفعيل الحملة بصورة اكثر تأثيرا ليكون ذلك مثلا عند كل مكان للانتظار امام صيدلية في مستشفى حكومي او اهلي, ولا يكتفى بالشعارات المطبوعة في ملصقات بل اقترح ان توضع شاشة بث تليفزيوني عند كل شباك صيدلية في المستشفيات الحكومية والاهلية تعرض افلاما موجهة ونداءات للمستهلك توجهه وترشده. ولابد من حملات في المدارس ولا يكتفى بحملة مكثفة موقوتة بل يجب ان ترسم سياسات لحملات طويلة الامد تعنى بالمراحل التعليمية المبكرة كالرياض والابتدائي اكثر من غيرهم فهم المستقبل وعليهم تعقد الآمال. حملة التثقيف الدوائي تمس قطاعات المجتمع المختلفة كافة كبارا وصغارا وهي لا تقتصر فقط على استعمال الدواء لفترة ثم الاستغناء عما تبقى والتخلص منه حيث يأخذ طريقه الى القمامة دون التفكير في كلفته, او خطورة قطع العلاج دون استشارة الطبيب. ان هذا الجانب له اهميته وثمة جوانب اخرى تكشف سوء استخدام الدواء كأن نأخذ المشورة من مجرب لا طبيب, او ان نستخدم دواء ولا ننتبه لما يتعارض معه من غذاء او دواء آخر. كثير منا يجهل كمية الماء اللازمة لاجتراع اي دواء فبعض الادوية تحتاج الى الماء اكثر من غيرها, وبعض السوائل كالحليب مثلا يتعارض مع بعض المضادات والادوية الاخرى, وهناك سوائل تحفز فعالية بعض الادوية واخرى تثبطها, وكم من الامهات الصغيرات قليلات الخبرة يتسببن في ضعف استجابة اطفالهن للدواء نتيجة جهلهن بكيفية تناوله, وطريقة التخزين التي تكفل عدم فساده او التقليل من كفاءته. وأمر آخر ضروري في التثقيف الدوائي وهو معرفة الآثار الجانبية ودقة ملاحظتها واهمية التوقف عن الدواء عند ظهورها كالحساسية او القيء او الشعور بعرض كالصداع وغيره. وقضايا تثقيفية كثيرة لمن يستخدمون الدواء بصورة مستمرة كمرضى السكر والضغط والامراض المزمنة, ومثل ذلك يقال للحالات الخاصة كالحوامل. ان تعبئة الدواء تقاس بالحالات المرضية الخاصة به, فبعض الادوية يحتاج المريض الى عدد من الحبوب معلوم لدى الطبيب لكن العبوة تكون فائضة على الحاجة, وبعض المستهلكين لا يلتزمون بتوجيهات الصيدلاني التي ترشدهم الى مدة العلاج وكيفية استعماله قبل الاكل او بعده وكميته, وطرائق حفظه لذا يجب ان تفرض على الشركات المنتجة للدواء وضع سياسة للتعبئة بناء على دراسات واقعية تضع في حسبانها تجنب ارهاق المستهلك ماديا من جهة والنجاة من الهدر من جهة اخرى. فلم لا تنتج المراهم والدهانات بعبوات صغيرة, خصوصا ما عمره الزمني قصير وتنتهي صلاحيته مبكرا, فيحسن اعادة ما تبقى من الدواء الى الصيدليات او الجمعيات ذات الاهتمام لتصريفه لمن هو بحاجته ولا يقدر على شرائه ويجب ان يكون ذلك في اطار ضوابط ومسؤولية معنية فالتصدق بالدواء يختلف عن اي انواع الصدقات الاخرى. اما موضوع صلاحية الدواء فهو مستنقع لكثير من الاضرار بالمستهلك والمجتمع ويحتاج من المشرفين على الحملة وقفة طويلة ذكية تعيد النظر في كيف يتبنى المواطن والمصنع ومذخر الادوية (الصيدلية) هذه القضية. المطلع على احصاءات الدراسات العلمية حول استهلاك الدواء وما تتكبده ميزانية الدولة واقتصادها في بنود شراء الادوية يدرك ماذا يعني ان يدون طبيب وصفته الطبية في تذكرة العلاج. فما تصرفه الدولة على شراء الادوية في قطاعي الصحة الحكومي والخاص يقارب ميزانية التعليم. هذا الكم من الدواء والتنافس الضاري بين شركات الادوية له وجهان وجه حضاري يكشف تقدم المجتمع ورعاية الدولة ووجه آخر يفضح فقر المجتمع في التثقيف الدوائي.