" من عنيزة إلى وول ستريت" كتاب سيرة حياة الشيخ سليمان الصالح العليان، رحمه الله، ألفه ما يكل فيلد وترجمه الأستاذ الدكتور حمزة المزيني.الكتاب يقع في 332 صفحة، ويسرد قصة حياة رجل الأعمال المعروف على نحو سردي مفصل من عنيزة حين كانت بلدة إلى أكبر الأسواق العالمية في وول ستريت..! سيرة ولد سليمان العليان- رحمه الله- في سنة 1918م تقريباً، وكان ذلك في عنيزة التي لم تكن تزيد آنذاك على مدينة صغيرة جداً في وسط نجد. وانطلاقاً من الوضع الفقير القاسي الذي كانت تعيشه المملكة العربية السعودية في فترة ما قبل النفط، أسس عملاً تجارياً جعله واحداً من أكثر رجال الأعمال نجاحاً في العالم. ويحكي كتاب من عنيزة إلى وول ستريت قصة طفولة سليمان العليان ودراسته في البحرين وعمله المبكر في شركة كاليفورنيا ستاندرد العربية للزيت. وكانت هذه الشركة المكان الذي بدأ فيه اتصاله بمجال الأعمال الأمريكية والغربية وصار مفتوناً بالطرق التي يعمل بها الاقتصاد الصناعي القائم على السوق الحرة، وهو ما جعله يصمم على تأسيس عمل تجاري خاص به. وبدأ ذلك الطريق في سنة 1947م بالعمل مقاولاً في مشروع التابلاين، وهو مشروع لمد الأنابيب التي تحمل الزيت السعودي إلى البحر الأبيض المتوسط، ثم أخذ بالتدريج ينوع من نشاطاته التجارية، حيث بدأ بالاستثمار في أسواق نيويورك للأسهم. ثم أخذ خلال الطفرة البترولية التي حدثت في السبعينات الميلادية، يندمج أكثر فأكثر في المجال الأمريكي الأوروبي، ليس بوصفه مستثمراً فقط، بل بوصفه عضواً في مجالس إدارات الشركات ومجالس الجامعات وغيرها من دوائر الأعمال، وأصبح بشكل يفوق أي واحد من رجال الأعمال العرب عضواً بارزاً في دوائر الأعمال التجارية الغربية. وفي السنوات العشرين الأخيرة تزايدت استثماراته وتنوعت بشكل كبير جداً، إذ صار مالك أسهم مهما في أكبر البنوك. نقاط انطلاق وكانت لهذا الرجل العملاق محطات حياة بسيطة ساعدت على تكوينه ونشأته من نقطة الصفر.. فقد كانت الصدفة السبب الرئيس في مغادرة سليمان البحرين. ذلك أن أحد أصدقائه السعوديين كان يعمل سائق سيارة أجرة فتعرض لحادث مروري، وهو ما حمل بلدية المنامة ( التي كان تشارلز بلجريف قد أعاد تنظيمها مؤخراً بحسب قواعد القوانين البريطانية) على منعه من القيادة لمدة شهر. وهذا ما دعاه إلى التفكير في العودة إلى المملكة، ثم ناقش هذه الفكرة مع سليمان. وكان الشابان كلاهما قد سمعا كثيراً عن شركة الزيت التي كانت تعمل في المملكة، ولما اقترح هذا الصديق أن يعودا معاً خطر لسليمان أن هذا ربما يكون بداية لعمل أكثر مردوداً من العمل الذي كان يعمل فيه في سترة.وفي نهاية الأمر، كما يقول سليمان، شجع الواحد منهما الآخر على العودة. وعند ذلك، أي بعد أن قضى سليمان أربعة عشر شهراً في العمل في شركة نفط البحرين، أبلغ سليمان الشركة بعزمه على ترك العمل فيها، وحزم متاعه وعاد إلى المملكة. وفي الظهران، حيث اتخذت شركة الزيت منها مركزاً رئيساً، أصدرت له الشركة بطاقة عمل تحمل الرقم أربعين، وكلف بالعمل مراقبا للمواصلات حيث كان يعمل في تسجيل دخول الحافلات والسيارات والشاحنات إلى موقف السيارات وخروجها منه. وكانت الأجور في المملكة أقل بكثير منها في البحرين. لذلك قرر صديقه دون إبطاء العودة إلى المنامة ليعمل مرة أخرى سائق سيارة أجرة، أما سليمان فقرر البقاء. ويعترف سليمان بأن السبب الرئيس الذي حال بينه وبين التفكير في العودة إلى البحرين أنه لم يكن واثقاً من إمكان عودته إلى العمل الذي كان يشتغل به في شركة نفط البحرين. وقد حصلت شركة كاليفورنيا أريبيان ستاندرد للزيت كاسوك CASOC التي كان سليمان يعمل فيها على امتيازها الذي يشمل المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية بأكملها في سنة 1933. وبعد ثلاث سنوات نقلت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، كجزء من اندماج بعض فروعها الخارجية، نصف نصيبها من الامتياز إلى شركة تكساس، وهو ما فعلته في البحرين، قبل ذلك لكن شركة ستاندرد هي التي ظلت تتولى إدارة العمل وهي التي سيكون لإدارتها في سان فرانسيسكو فيما بعد أبلغ تأثير في أسلوب التعامل مع موظفيها ومع الحكومة السعودية. وكانت شركة كاسوك CASOC إبان التحاق سليمان بالعمل فيها سنة 1937 قد انتهت من حفر ست آبار كانت تنتج مقادير ضئيلة من الزيت أو من الزيت المخلوط بكميات كبيرة من الماء وكانت قد بدأت في شهر ديسمبر من السنة السابقة في حفر البئر المشهورة ب الدمام رقم 7 التي حفرت إلى أعماق بعيدة في التكوينات الصخرية. وكانت هذه البئر مشروعاً صعباً- ذلك أنها تعرضت لأعطال ميكانيكية متكررة، وإلى انهيار الصخور وإلى انحشار أنابيب الحفر فيها- لكن الحفر كشف في مارس 1938، وعلى عمق يزيد بألفي قدم عن عمق أي من الآبار التي حفرت من قبل، عن مصدر غزير للزيت يتميز بالجودة والنقاء. ويمثل هذا الحدث اكتشاف الزيت بكميات تجارية في المملكة العربية السعودية. وكان هذا الحقل البترولي الذي حفرت فيه هذه البئر صغيراً جداً فهو اصغر حقل مما اكتشف من حقول الزيت في المملكة لكنه تبين فيما بعد أن الطبقة التي كانت تحضنه ، وهي التي سميت بالمنطقة العربية، تمثل الطبقة الرئيسة التي تحوي الزيت في حقول النفط كلها في المملكة. وكان سليمان، إبان ذلك الاكتشاف التاريخي، قد نقل للعمل في مستودع الشركة. وكان يعمل هناك بشكل رئيس في صرف قطع الغيار والمواد وغيرها، وهو ما يعني كل شيء باستثناء الوقود لمن يطلب ذلك من منسوبي الشركة. ولم يكن في البداية واثقاً من رضاه عن هذا العمل، لكنه وجد بعد ثلاثة أشهر أن هذا العمل ملائم جداً. وكان من عادته أنه كلما صرف شيئاً من هذه الأدوات والمواد يسأل من يطلبها عن وجوه استكمالها، وكان السباكون أو النجارون أو الكهربائيون أو مهندسو الحفر سعداء بإجابته عن سؤاله، ثم يشرحون له في الوقت نفسه العمل الذي يقومون به. واستطاع بمرور الوقت حفظ أسماء 850 قطعة مع وجوه استعمالها- كما كان يعرف بدقة الأماكن التي توجد فيها هذه القطع في المستودع. ولما أخذت معرفة سليمان تتطور فيما يخص الأدوات والمعدات التي يحتاجها الناس، وجد أنه يستطيع في أحيان كثيرة، حين لا تتوافر القطعة المطلوبة، أن يقترح بديلاً أبسط لها، أو أن يقترح كيفية يمكن بها أن تعدل قطعة أخرى لتأدية الوظيفة نفسها. أو ربما يحاول أن يكتشف مواد أخرى تتوافر في الولايات المتحدة ثم يطلبها. ومن الأمثلة المشهورة التي أشار إليها في أكثر من مقابلة معه، أنه طلب مرة لأحد الأطباء آلة كاتبة ذات قاعدة مقاسها 18 بوصة وحجم الخط فيها من مقاس RUBY وكان ما آثار سخط سليمان واستغرابه أن تجيبه الشركة في سان فرانسيسكو ببرقية مضمونها ما معنى كلمة RUBY، فما كان منه إلا أن أجاب عن هذه البرقية قائلاً: أنظر معناها في قاموس وبستر WEBSTER. ولم يكن مثل هذا الأسلوب غير المتحفظ الذي يخرج عن الطابع الرسمي للمكاتبات مسموحاً به في تلك الأيام. وهو ما أفزع رئيسه في العمل، وجعله يأمر سليمان بكتابة برقية يشرح فيها معنى كلمة RUBY وهو الذي يتضمن تحديداً لعدد الحروف التي تطبعها الآلة الكاتبة المطلوبة في البوصة الواحدة- وأن يكتب كذلك إجابة معدلة عن برقية المكتب الرئيس. ومن الواضح أن العمل في أوامر الطلبيات أمر حساس. فقد حدث في إحدى المرات أن زادت من الكمية المطلوبة لإنجاز أحد الأعمال عشر حاويات صغيرة من الرصاص الأحمر الذي يستعمل في إحكام الوصلات بين الأنابيب، ولسبب ما لم ترجع هذه الحاويات الزائدة للمخزون من هذه المادة. وأدى سحب هذه الكمية من المخزون إلى أن تطلب الشركة خمسين حاوية أخرى منها، ولما كان مكتب الشركة في سان فرانسيسكو، حريصاً على الاقتصاد في الإنفاق أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد أرسل برقية يستفسر فيها عن أن كانت الشركة تحتاج حقاً إلى خمسين حاوية. وكان سليمان يهم بأن يجيب بأن الطلب كان خطأ، لكن رئيسه لم يسمح له بذلك. إذ قال له: لا. لا. اننا لا يمكن أن نقول أبداً أننا أخطأنا. ولابد أن نعتذر بوجود خطأ مطبعي في الطلب. ولنقل أن ما كنا نقصده حقيقة أن تكون الحاويات من مقاس 5* 5. وبدأ سليمان يكتشف بالتدرج ما يسميه ب الصورة الكبرى. إذ لحظ الجدية التي يعمل بها الأمريكيون، وكيف يبدون كأنهم جميعاً يعرفون ما يعملونه معرفة دقيقة، وكيف يعملون كانهم فريق ومما لفت انتباهه واثار اعجابه ما كان يتحلى به الامريكيون من كرم وتواضع - وان لم يكن يستطيع التغافل عن انهم كالبريطانيين كانوا يقصون مساكنهم واكثر نشاطاتهم الاجتماعية عن الجنسيات الاخرىن من زبائنه العاملين في الشركة واخذ اثناء عمله في المستودع بالتفكير في المواد التي يعمل في صرفها ومما لا حظه انه يبدو ان كل نوع من المواد التي يتعامل بها كانت تصنعه شركة مختلفة وهي التي ربما كان لها موظفوها المتخصصون ويملكها كما علم فيما بعد ملاك الاسهم فيها ثم اخذ يتفطن الى مفهوم الجودة أي: كيف يبدو ان زبائنه يفضلون ما تصنع شركة على ما تصنعه شركة اخرى ومرة اخرى كان الامريكيون حين يسألهم عن السبب الذي يجعلهم يفضلون ماركة على اخرى سعداء بتفسير ذلك له. وكان اكثر ما لفت نظره ضخامة المستودع الهائلة وهو ما جعله يشعر بأن راس المال الماثل في ساحات المستودع في صورة انابيب واخشاب يفوق راس المال الذي كان موجودا في المملكة كلها - وربما كان محقا في ذلك وفي مساره الوظيفي ترقى ليشغل وظيفة عليا في المستودع وليكون مسؤولا عن ما يقرب من اربعين او خمسين من الموظفين السعوديين والبحرينيين والهنود وجعله ذلك يشعر بمزيد من الحرص على المستودع - كما لو كان ملكه هو تقريبا. وبدا يفكر في مبلغ راس المال الذي يلزم ان يتوفر عند شخص او شركة ما لا متلاك هذا المستودع او لتزويده بمحتوياته ومن هنا كانت خطوة قصيرة ليبدا سليمان في الحلم باحلام مثل: ماذا لو كنت املك هذا المستودع او كنت املك الشركات التي يمكن ان تصنع هذه القطع كلها- كم سيكون دخلي اليومي؟ ويمثل هذا الحلم البذرة الاولى لاشتغال سليمان بالتجارة فقد ألهمه المستودع فكرة تأسيس شركة خاصة به . وبدأ يفكر بدقة في التنظيم والعمل بروح الفريق، واللامركزية واسناد المسؤولية واصبح همه الاول الاقتصاد في الانفاق. وتيقن أنه يجب على من يريد البدء في العمل بالتجارة ان يلم بأدق التفاصيل للمشروع الذي ينوي تأسيسه. ومما قاله لي عن ذلك. لا أظن أنني كنت استلهم في السنين التالية ما سبق أن تعلمته خلال عملي في المستودع، في كل مرة اتخذ فيها قراراً مهما لكنه كان في نهاية الامر المعين الذي استقيت منه أفكاري .. ولا يمكن لأحذ أن يقلل أبداً مما كان يعنيه المستودع لي لقد كان جامعتي التي تخرجت فيها وكان المكان الذي رأيت فيه الرأسمالية وهي تعمل بشكلها الحقيقي أمام عيني المجردتين . وقد وجه سليمان معظم اهتمامه منذ أوائل الثمانينات إلى استثماراته في أمريكا وأوروبا تاركا , ادارة أعماله في المملكة العربية السعودية لابنه خالد , وابنتيه حياة ولبنى , والمديرين المهنيين الآخرين , أما ابنته الأخرى , حذام فتدير عمليات المجموعة في الولايات المتحدة الأمريكية ) واشتهر من ثم بأنه اكثر المستثمرين العرب مهنية ونجاحا , وربما أضخمهم استثمارا , وقد قدرت في صيف 1999 اعتمادا على الارقام التي اطلعني عليها مديرو شركاته , ان الحجم الكلي لاستثمارته في أمريكا وأوروبا يتجاوز 8 بلايين دولار , وتبلغ قيمة تلك الاستثمارات في الأسواق المالية أكثر من 5 بلايين دولار. ومن المؤكد ان استثماراته تفوق بكثير استثمارات أي واحد من المستثمرين المغامرين أو الوسطاء العرب الذين لفتوا الأنظار في أواخر السبعينات , وأوائل الثمانينات بشرائهم المباني المشهورة والبنوك الصغيرة, وفي إحدى الحالات , شراء باخرة سياحية , وأكثر منها من حيث الكفاءة الإدارية , وقد آل معظم تلك الاستثمارات البراقة إلى الفشل الذريع , كما أفلس معظم أولئك المستثمرين حتى لا يكاد يسمع بهم أحد في الوقت الحاضر , ان في الشرق الأوسط أو في الخارج , أما المستثمرون العرب الذين لا يزالون يؤثرون شيئا ما في الأسواق المالية الغربية فهم حكومتا الكويت والإمارات بالإضافة الى بنك استثماري ناجح جدا هو أنفيست كورب , لكن هؤلاء المستثمرين يتميزون بكونهم مؤسسات وربما لا يمكن مقارنتهم بمستثمر فرد . وكما قال سليمان في عدد من المقابلات الصحفية فهو لم يبدأ الاستثمار في أمريكا من أجل تنويع ممتلكاتها أو لظنه ان أسواق الأسهم أفضل وسيلة مضمونة لجمع الثروة , أما ما كان يريده في أوائل الخمسينات فهو ببساطة أن يكون له بعض الاستثمارات في المنطقة الى مفتاح الهاتف فيها 212 ( أي في مدينة نيويورك) والغرض من ذلك أن تشعر البنوك الأمريكية بمزيد من الطمأنينة على أموالها حين تقرضه , لذلك دأب سنة بعد أخرى على زيادة استثماراته هناك إلا أن المبالغ التي كان يضيفها الى تلك الاستثمارات لم تكن كبيرة في أي وقت , إذا لم يزد ما كان يحوله الى هذه الاستثمارات في أغلب السنين على 20000 دولار سنويا , وقد وصل ما حوله في أفضل سنوات عقد الخمسينيات التي يشير اليها ( بالسنة العلم) السنة المتميزة) الى 28000 دولار وكان يدير استثماراته عبر قسائم الودائع في بنك فيرست ناشونال سيتي ومكتب لوب رودز الذي كان يعمل سمسارا له , ولم يكن يعطي بنك فيرست ناشيونال سيتي تفويضا لإدارة سلة استثماراته بحسب ما يراه البنك , لكنه كان يتلقى بعض التقارير عن العمليات الاستثمارية من أحد ممثلي البنك الذين كانوا يأتون الى الرياض لمقابلة المسؤولين في الحكومة ثم يذهبون الى المنطقة الشرقية , وكان يتبع هذه النصائح دائما ويجدها جيدة غالبا , وفي سنة 1958 , وهي السنة التي شعر سليمان عندها بأنه صار (يملك مبلغا لا بأس به ) قدمه بنك فيرست ناشونال سيتي الى مكتب شيرمان آند ستيرلنج للمحاماة في نيويورك , وهو الذي صار مستشارا لمجموعة سليمان في الولايات المتحدة حنئذ , وساعده هذا المكتب في تأسيس أول قناة استثمارية في الأسواق التي لا تخضع للقوانين الضريبية وهي شركة مسجلة في نيذرلانز انتليز , وقد مكنته من إنقاص الضريبة المتقطعة التي كان يدفعها في الولايات المتحدة على دخله من أرباح الأسهم فيها من 30 % إلى 15 %. وكما قال لي سليمان: فقد أخذت البنوك الأمريكية في الستينات تفتح لها فروعا في الخارج وانتقلت أنا إلى بيروت في تلك الفترة , وهو ما جعل الأمور تتغير , فلم اعد بحاجة للاحتفاظ ببعض الممتلكات في الولايات المتحدة من أجل الحصول على ضمان على البضائع التي اشتريها من هناك. لكنني استمررت في تدوير استثمار الفوائد وأرباح الأسهم , وهي التي استمرت في التنامي بشكل طبيعي من غير أن يلحظ أحد. لذلك خطر لي في أوائل السبعينات أنه يحسن بي أن احزم أمري: BITELHEBULLET فقد قررت انه على الرغم من المصاريف الثابتة فإنه يحسن بي أن أنشئ أقساما لإدارة الاستثمارات خاصة بي , ثم بدأ سليمان منذ أوائل عقد السبعينات يدير استثماراته بنفسه , ويساعده في ذلك بعض موظفيه في بيروت ولجنة استثمار تتألف من المديرين القياديين , وفي عام 1976 عين روريك حلبي مديرا لإدارة قسم الاستثمارات في جينترول , وهو مكتب أسسه في نيويورك قبل ذلك بسنوات ليكون مكتب اتصال مع الشركات الأمريكية التي يمثلها في المملكة العربية السعودية , وفي تلك الفترة تقريبا , أي في سنة 1975 , أسس مكتبا للاستثمار في لندن مع صديقه وشريكه بالأقلية السير مارك تومسون , وكان الهدف منه في البداية الاستثمار في العقارات , وخلال سنتين أو ثلاث سنوات تطور هذا المكتب ليصبح مكتب اتصال مع الشركات البريطانية وليتولى ادارة بعض الاستثمارات في الأسهم البريطانية والأوروبية وكان هذان المكتبان في نيويوركولندن كليهما يستثمران بأسماء شركات مختلفة لا تخضع للأنظمة الضريبية مسجلة في نيذرلاند انتلز , أو في جزر فيرجن آيلندز البريطانية أو في ليختنشتاين , وكان سليمان يملك هذه الشركات كلها , باستثناء واحدة , وهي مؤسسة كمبترول , التي أسست في 1972 . واستطاع سليمان منذ أواسط السبعينات امتلاك قدر كبير من رأس المال يمكن توجيهه للاستثمار , وقد جاءت هذه الأموال من بيعه حصتيه في شركة النقليات والتجارة المحدودة وشركة المشاريع التجارية العربية المحدودة ومن تراكم الأرباح التي حققتها شركاته ,وقد برهن على أنه مستثمر طموح , فقد أثارت إعجابه منذ أيام عمله في مستودع شركة كاسوك CASOC قدرة المقاولين على الحصول على الأموال ثم تحول هذا الإعجاب الى اهتمام شديد بالطريقة التي تعمل بها أسواق الأسهم بصفة عامة واستطاع ان يطور بسرعة أسلوبا دقيقا جدا في الاستثمار وكان سليمان ولا يزال مزيجا من رجل المبادئ ورجل المتناقضات , ذلك انه ربما اشترى بعض الأسهم في شركة ما لشعوره بأن هذه الشركة نفسها قوية وأسواق منتجاتها كذلك , لكنه كان يرغب في الوقت نفسه, أن تكون أسعار هذه الأسهم معقولة , وهذا ما صرفه عن شراء أكثر الأسهم إغراء في بعض الشركات المشهورة التي كان يعرف المستثمرون جميعا أنها ناجحة جدا , وقد طور هو وموظفوه القياديون منظومة من المعايير خاصة بهم , وهي معايير تضع في مقدمة أولوياتها الاهتمام بالأرباح وهو ما يحول بينهم وبين شراء الأسهم المغالى في أسعارها وكان غرضهم من ذلك اكتشاف الشركات التي تتميز بالقوة لكن أسهمها رخيصة, وستكون نتيجة ذلك إذا صحت تحليلاتهم وكثيرا ما تصح حصول سليمان على عائد عال بالإضافة الى نماء رأس ماله. وكثيرا ما كان يشتري أسهم بعض الشركات التي يرى المشتغلون في الأسواق أنها تمر بظروف صعبة , ومن أشهر الأمثلة على ذلك بنك فيرست ناشونال في شيكاغو وبنك ميلاند بعد عملية الشراء الكارثية التي قام بها هذا البنك لبنك كروكر في كاليفورنيا فقد كانت أسهم بنك ميلاند في الوقت الذي اشترى سليمان بعضا منها في أوائل الثمانينات تحقق عائدا نسبته 9% وهو رقم عال جدا, بالنسبة لبنك بريطاني يشتغل بالمقاصة , ويروي روريك حلبي انه رأى مرة رسما هزليا في إحدى الصحف يبدو كأنه يلخص سياسة سليمان , إذ يصورهذا الرسم مستثمرا يقول لسمسار : بصرف النظر عما تقوله بيانات أسعار الأسهم إنني أريد شراء أسهم في شركة جنرال اليكترك لأني احب جنرال اليكترك , وقص حلبي هذا الرسم وأراه سليمان فيما كانا يتناولان وجبة غداء خفيفة في أحد الأيام , ثم وضعها في إطار وعلقها على الجدار. ويحب سليمان الاستثمار في البنوك بشكل خاص , فمع أنه لم يحصل على تدريب يؤهله لأن يكون محللا ماليا إلا أنه برهن على قدرة عالية على استقصاء أحوال البنوك من كل جانب. ويحببه في الاستثمار في البنوك , والأمريكية منها بصفة خاصة انها توفر معلومات عن أنفسها بأكثر مما تفعله الشركات الأخرى , وكما قال لستيفن فلاكس الصحفي في مجلة فوربس ( الأمريكية) في مقابلة معه سنة 1981: أن البنوك كذلك تقع تحت رقابة دقيقة تقوم بها بعض الهيئات وعلى فترات منتظمة وهي لا تتعرض للمشكلات التي يثيرها العمال او للمشكلات التي تنجم عن تذبذب أسعار المواد الأولية . ذلك ان الاموال هي المواد الخام التي تعمل بها البنوك كما ان الاموال هي المواد التي تنتجها واستطاعت شركاته في اوائل الثمانينات امتلاك ما يقرب من 1% في بنك تشيس مانهاتن ونسب مماثلة في عدد من البنوك الامريكية الاخرى ومنها: مورجان جارانتي، وبنك ميلون في بتسبيرج ، وسوث إيست بانكورب في ميامي، وفالي ناشونال في فينيكس وفيرست بانك سيستمز في منيابولس . وبدأ سليمان منذ اواخر السبعينات يضع جزءاً كبيراً جداً من استثماراته في عدد قليل من قنوات الاستثمار ذلك أنه لا يسعى لامتلاك سلة من الاستثمارات المتنوعة جداً، وبدلا من ذلك كان يقتصر على الاستثمار في سلة متوازنة نوعا ما ويأتي في مقدمتها انواع قليلة من التملك الاساسي في الشركات التي يعرفها معرفة جيدة . وكان أول تملك كبير لسليمان من حيث النسبة في بنك دونالدسون ولوفكين وجينريت، وهو بنك يشتغل بالاستثمار والوساطة في بيع الاسهم في وول ستريت، واشتهر بريادته في التعامل في سوق السندات المصدرة بالدولار الاوروبي خلال الستينات وقد قدم سليمان لريتشارد جينريت صديقا مشتركا يعمل في بنك أمريكان إكسبرس في سنة 1968 تقريبا. ويتذكر جينريت أن سليمان وصف له بأنه واحد من أذكى المستثمرين. سليمان العليان العليان يحاضر في جامعة انديانا عام 1975م