يبدو العام 2014، وكأنه يستعيد ملامح من حقبة الصراع بين القوى الكبرى في الفضاء الخارجي التي امتدت عبر سني الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن الماضي. إذ تترقب الهند وصول مسبارها الأول الى المريخ، كي تكرس وجودها ضمن الدول المتقدّمة في استكشاف الكون. وتفضل الصين أن يجري الأمر عينه عبر سير روادها على القمر. فيما تترك الولاياتالمتحدة الجميع خلفها، مع ترقب أن تلتحق المركبة «فوياجر 2» بتوأمها «فوياجر 1» في الخروج من النظام الشمسي كليّاً، والترحّل بين نجوم مجرّة «درب التبّانة». أول الغيث... «سبوتنِك» استهل الاتحاد السوفياتي السباق إلى الفَضاء بعيد الحرب العالمية الثانية، عبر إطلاق «سبوتنِك» Sputnik، أول قمر إصطناعي يدور حول الأرض. ثم سجّل يوري غاغارين أنه أول رائد فضاء يدور حول الأرض بمركبته «فوستوك»، كما أنّه أول بشري سار في الفضاء. حفزت هذه المنجزات الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور على توقيع مرسوم إنشاء «الوكالة الأميركية للطيران والفضاء» («ناسا») في العام 1958. ومثّلت «ناسا» استجابة أميركية للتحدي الذي فرضته الحرب الباردة بين الجبارين في تلك الحقبة. وعقب شهور قليلة من تأسيسها، بدأت «ناسا» بتطوير صواريخ عسكريّة، ثم ركّزت على إنجاز مهمات فضائية. وتوسّعت مراكزها لتشمل، إضافة إلى مقرّها الرئيس في واشنطن، 10 مراكز موزّعة في أرجاء الولاياتالمتحدة، يعمل فيها 19 ألف موظف، إضافة إلى آلاف الباحثين من شتى الدول. ووصلت ميزانيتها في العام 2009 إلى 18 بليون دولار. ومنذ تأسيسها، أطلقت «ناسا» عشرات مركبات الفضاء المؤتمتة والرحلات الفضائيّة المأهولة، ضمن مشاريع مدعومة حكوميّاً. استُهلّت تلك الأمور بمشروع «مركوري» الذي انطلق في العام 1958 وانتهى في 1963، بعد أن نجح بإيصال رائد فضاء أميركي إلى الفضاء خارِج الغلاف الجوي للأرض. وحينها، مثّل هذا الإنجاز ردّاً على التحدي السوفياتي آنذاك. بعد ذلك بدأ مشروع «جيميني» Gemini الذي أطلقته «ناسا» في العام 1962 ليتابع تجارب إرسال روّاد فضاء إلى خارِج غلاف الأرض الجوي، تحضيراً لغزو القمر. واستطاع هذا المشروع إطلاق 12 مسباراً إلى الفضاء. وبموازاة «جيميني»، أطلقت «ناسا» مشروع «مارينر» Mariner لإرسال مسابير روبوتية هدفها زيارة الكواكب السيّارة في المجموعة الشمسيّة، بداية من الكواكب القريبة كالمريخ والزهرة وعطارد، وصولاً إلى الكواكب الغازية العملاقة كالمشتري وزحل. وأطلقت «ناسا» 10 مسابير ضمن مشروع «مارينر»، حقّقت 8 منها أهدافها وفُقد إثنان. بشر الفضاء في السياق عينه، ثمة سجلّ ذهبي ل «ناسا» في رحلات الفضاء المأهولة. إذ تابع مشروع «أبوللو» ما بدأه مشروع «جيميني». ونجح في إيصال بشر إلى سطح القمر للمرّة الأولى في تاريخ الإنسان، في 21 تموز (يوليو) 1969 بواسطة المركبة «أبولو11». وتتابع هبوط رواد الفضاء الأميركيين على سطح القمر بواسطة «أبوللو12» و «أبوللو14» و «أبوللو15» و «أبوللو16» و «أبوللو17». وكان يوجين سيرنان وهاريسون شميت آخر رائدي فضاء أميركيين سارا على سطح القمر الذي وصلا إليه في المركبة «أبوللو17» في العام 1972. ضمن مشروع «أبوللو»، جرى إرسال 24 رائد فضاء أميركياً تباعاً في مركباتهم. ويهبط 12 منهم على القمر بين عامي 1969 و 1972، ستة من بين هؤلاء الرواد قادوا عربات وتنقلوا بها على سطح القمر. بعد ذلك بدأ التعاون السوفياتي- الأميركي في مجال الفضاء. وأثمر إنجاز أول التحام بين مركبتي «سويوز» السوفياتية و»أبوللو» الأميركية، في 17 تموز 1975. وبقيت المركبتان ملتحمتين ليومين، ثم عادتا بسلام إلى الأرض. ويعتبر هذا الحدث الدافع والمحفز على إنجاز مشروعي «محطة الفضاء السوفياتية «مير»، ثم «محطة الفضاء الدوليّة» التي لا تزال في الخدمة. في سياق متّصِل، شهدت علوم الفضاء قفزة نوعية بإنشاء المركبات المُجنّحة التي تطلق على متن صاروخ ليقودها (ويهبط بها) أحد رواد الفضاء ويعيدها إلى الأرض كأنها طائرة. عرفت هذه المركبات باسم «مكوك الفضاء» Space Shuttle. وكانت أولى هذه المركبات المكوك «كولومبيا» الذي أطلقته «ناسا» في 12 نيسان (إبريل) 1981، ثم «تشالنجر» في تموز 1982، ثم «ديسكوفري» في تشرين الثاني (نوفمبر) 1983 ، ثم «أتلانتس» في نيسان (أبريل) 1985، ثم «إنديفور» عام 1991. تمثّلت المهمة الأساس للمركبات المُجنّحَة التي سُمّيت أيضاً «مركبات النقل الفضائي»، في إيصال رواد الفضاء إلى «محطة الفضاء الدوليّة» وإعادتهم منها. لكن «ديسكوفري» أنجزت نقل تلسكوب الفضاء «هابل» ووضعه في مداره في العام 1990. وأنجز مشروع المكوك الفضائي 135 مهمة نقل بين العامين 1981 و2011. وفي تلك الفترة، انتهى مكوكا الفضاء «كولومبيا» و «تشالنجر» إلى مصيرين مأسويّين، فتحطّما. وقتل في كل منهما طاقم مكوّن من سبعة رواد فضاء. * أكاديمي لبناني