دعا الزعماء الاتراك أمس الاثنين الى الهدوء في الاسواق في الوقت الذي استعدوا فيه للاجتماع مرة اخرى لمناقشة رفض البرلمان التركي نشر قوات امريكية في تركيا استعدادا للحرب المحتملة ضد العراق. وفي علامة على مدى اهمية تركيا لخطط امريكا للحرب عرضت واشنطن على انقرة ما يصل الى30مليار دولار في شكل منح وضمانات قروض لتعزيز اقتصاد هش في طريقه نحو الانتعاش بعد اكبر ركود له منذ عام 1945. وقد تحيط الآن شكوك خطيرة ببرنامج قروض من صندوق النقد الدولي لتركيا تبلغ قيمته 16 مليار دولار. وابدى الزعيم التركي طيب اردوغان تصميمه على عدم السماح لهذه القضية بالتأثير على الثقة والاستقرار في تركيا . وسيلتقى اردوغان مع مسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه مرة اخرى في الوقت الذي تحث فيه واشنطن على الحصول على رد اخير بشأن نشر القوات الامريكية. ويقول دبلوماسيون: ان الحكومة قد تستطيع تقديم خطة معدلة للقوات الامريكية اذا وافق مجلس الامن الدولي على قرار جديد يجيز صراحة استخدام القوة ضد العراق. واذا لم تغير انقرة موقفها فسيتعين تحويل السفن الامريكية بسرعة من ساحل تركيا المطل على البحر المتوسط للانضمام الى قوة غزو امريكية بريطانية في منطقة الخليج.وهذا سيعني انهيار البرنامج المالي الامريكي الذي حاولت انقرة جاهدة التفاوض بشأنه مع واشنطن. ومن المرجح الا تجد المؤسسة العسكرية ذات النفوذ القوي التي ساعدت في ازاحة اول حكومة اسلامية في تركيا عن السلطة عام 1997 ما يدعوها الى الشعور بالظفر ازاء محنة اردوغان. فهي تدرك ما يمكن ان يسببه رفض القرار من مشاكل للبلاد وللقوات المسلحة التي تعتبر واشنطن اقرب حليف لها داخل حلف شمال الاطلسي بغض النظر عن اي خلافات. ولا يوجد بديل واضح للحكومة الحالية. لكن من المحتمل ان تحصل قوى اكثر تشددا مثل حزب الشباب على التأييد خارج البرلمان اذا تدهورت الاوضاع الاقتصادية. ويعني رفض نشر قوات امريكية في تركيا ضياع صفقة من المساعدات الاقتصادية تصل قيمتها الى 30 مليار دولار كان من شأنها مساعدة الاقتصاد التركي الهش. كما قد تواجه القوات التركية مع عدم وجود قوات امريكية احتمالات اكبر للمواجهة مع الاكراد العراقيين اذا عادوا الى شمال العراق في حالة نشوب حرب. وقد أجرى القادة السياسيون في تركيا محادثات طارئة في أعقاب رفض البرلمان إعطاء الضوء الاخضر لنشر قوات أمريكية في الاراضي التركية إلا أنه يبدو أنهم أجلوا أي جهود جديدة لتقديم قرار آخر أمام البرلمان للتصويت عليه في المستقبل القريب. وقال أيوب فاتسا - عضو بارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم، للصحفيين: انه لا يوجد هناك قرار بنشر القوات الامريكية في المستقبل المنظور. وكان 264 نائبا قد صوتوا لصالح قرار حكومي بنشر القوات مقابل 250 صوتا معارضا، إلا أن الاجراء أسقط، إثر قيام حزب الشعب الجمهوري المعارض بتقديم اعتراض إجرائي لان القرار فشل في الحصول على الاغلبية المطلقة للاعضاء الحاضرين وفقا لما ينص عليه الدستور. وفي وقت سابق، قلل رئيس الوزراء عبد الله جول من أهمية ما يتردد حول وجود خلاف بين أنقرةوواشنطن. وقال جول: إن العلاقات التركية الامريكية هي علاقات استراتيجية. وذكر وسوف تستمر بالتأكيد في إطار من الصداقة والتفاهم المتبادل. إنها ليست مرتبطة بإجراء واحد فقط. ولن ترضي النتيجة - كما هو متوقع - واشنطن التي وضعت الخطط بالفعل من أجل فتح جبهة شمالية للقوات والدبابات، التي كانت ستنتشر قرب الخط الحدودي التركي العراقي المشترك الذي يصل طوله إلى350 كيلومترا. وقال جول أيضا: ان الاخفاق في الحصول على تفويض برلماني يجب ألا يقابل بفرح كبير من جانب الرئيس العراقي صدام حسين. وأوضح جول يتعين على القيادة العراقية ألا تسئ استغلال قرار البرلمان التركي. واستطرد يقول إذا ما اساءوا فهمه واستغلال القرار وإذا ما أخفقوا في تنفيذ قرارات الاممالمتحدة بشكل حاسم فسوف يزيدون بأنفسهم من صعوبة إقرار السلام. وصرح الزعيم التركي طيب اردوغان بان الحكومة التركية تعكف على دراسة خيارات في اعقاب قرار البرلمان التركي رفض طلب الولاياتالمتحدة نشر قوات في تركيا الا انه لم يستبعد بذل محاولة اخرى للحصول على موافقة البرلمان. وقال اردوغان ان العلاقات التي تربط بين تركياوالولاياتالمتحدة متينة بدرجة تسمح بتجاوز هذه الازمة. وقال للصحفيين: ان حكومتنا ودولتنا على استعداد لتطوير البدائل المناسبة وفقا للخيارات الديمقراطية للبرلمان وهي قادرة على تنفيذ هذه البدائل. الا انه حذر بقوله (ان لكل خيار ثمنا). كما يعني هذا القرار ان الولاياتالمتحدة قد تتخلى عن خطط اقامة جبهة شمالية يعتقد المخططون العسكريون انها قد تقلل مدة اي حرب وتحد من الخسائر الامريكية. وقد يتم تحويل السفن الامريكية التي تنتظر قبالة الساحل حاملة العتاد والامدادات والجنود جنوبا للانضمام الى قوة غزو في منطقة الخليج. وقد يفضل اردوغان التريث حتى يناقش مجلس الامن الدولي قرارا ثانيا بشأن قيام العراق بتطوير اسلحة محظورة. واذا اصدر مجلس الامن الدولي قرارا صريحا يفوض باستخدام القوة ضد العراق فربما اتاح ذلك الفرصة للحكومة التركية كي تتقدم بقرار جديد امام البرلمان في مناخ مختلف تماما هذه المرة. ومع تزايد التمرد في صفوف حزب اردوغان العدالة والتنمية الحاكم بات واضحا ان اي محاولة لطرح نفس القرار مرة اخرى قد تتسبب في انقسامات كبيرة. وقد يسعى الحزب الى العودة الى مناقشات مطولة مع الولاياتالمتحدة لاجراء تعديلات على اتفاق بشأن القوات. ودافع اردوغان عن قراره منح النواب الحرية المطلقة في ابداء الرأي في البرلمان في اشارة الى التزام حزبه بالديمقراطية وقال ان الرفض جاء نتيجة لقناعات اخلاقية وثقافية عميقة بين صفوف النواب. ويعارض السواد الاعظم من الاتراك فكرة شن حرب على دولة اسلامية مجاورة. وقال اردوغان ان لدى الاتراك حساسيات تاريخية يتعين ان تؤخذ في الاعتبار من جانب الاصدقاء والاعداء على حد سواء. وقال: من حقنا الطبيعي توقع احترام هذه الحساسيات. ان القرار الذي اتخذه البرلمان امس ينكأ هذه الحساسيات من جديد. وفي واشنطن قال مسؤول امريكي ان الولاياتالمتحدة تتشاور مع تركيا بشأن الخطوات المستقبلية بعد رفض البرلمان التركي السماح باستخدام قوات امريكية لقواعد عسكرية تركية في غزو محتمل للعراق. وقال المسؤول نحن نشعر بخيبة الامل بالتأكيد. اننا نتشاور مع الحكومة التركية بشأن الخطوات التالية بروح من الصداقة المتينة والمشاركة الاستراتيجية بين بلدينا. ورغم ان مسؤولي الدفاع الامريكيين قالوا انهم سيعدلون خططهم العسكرية للحرب المحتملة على العراق فقد احتفظ مسؤولون اخرون بالامل في ان تعدل تركيا عن هذا الموقف وطلبوا ايضاحا من انقرة بشأن خطوة البرلمان. وردا على سؤال عما اذا كانت واشنطن تأمل في تصويت جديد رفض المسؤول الامريكي التعليق. وقال المسؤول: اننا نقدر التأييد القوي من رئيس الوزراء وحكومته للقرار ونحترم العملية الديمقراطية السياسية التركية. الولاياتالمتحدةوتركيا تشتركان في الالتزام بضمان امتثال النظام العراقي لقرار الاممالمتحدة 1441 والتخلص من اسلحة الدمار الشامل.