تتردد كلمة الشلل الدماغي على أسماع الكثيرين من قبل المختصين في هذا المجال. فمنهم من أدرك المعنى , ومنهم من مر عليه مرور الكرام , كونه لا يعنيه بأي شكل من الأشكال ولا حتى على سبيل العلم بالشيء. فيكون الذي أدرك المعنى نظرا لأنه رأى الحالة. او على الأرجح عايشها او مازال يعايشها في حياته اليومية فأصبحت جزءا لا يتجزأ من هذه الحياة. وما أردناه من خلال هذا المقال , هو إشباع فضول المتسائل والقارئ على حد سواء , وذلك بطرح الموضوع بشكل علمي ومبسط في الوقت نفسه , راجيا الفائدة للجميع. فما الشلل الدماغي وما أسبابه وما أنواعه؟ . وخصائص كل نوع , وكيف يسهم العلاج الطبيعي (كعلم قائم بذاته) في التقليل من المعاناة او إنهائها في بعض الاحيان؟!!! الشلل الدماغي أو(Cerbral Paralyses) هو عبارة عن نقص في كمية الأوكسجين الواصلة إلى الدماغ نتيجة إصابة او مرض يصيب جزءا من الدماغ في إحدى المراحل التالية: @ مرحلة الولادة ( أي خلال عملية الوضع) في هذه المرحلة يحدث ما يسمى بالولادة المتعسرة , حيث يكون من الصعب إخراج الجنين في الوقت المحدد , سواء أكانت الولادة طبيعية او قيصرية مما يؤدي الى اختناق الجنين أو ازرقاقه ومن ثم الإصابة. @ مرحلة ما بعد الولادة (الوضع): من أهم الأسباب في هذه المرحلة إصابة الطفل بأمراض تؤدي إلى التهابات ترفع درجة حرارة الطفل , لتصل في بعض الأحيان الى 40 درجة مئوية مما يؤدي إلى تعرض الطفل للإصابة بمرض السحايا , وهنا تكون الإصابة. أماكن الإصابة وامتدادها وأسبابها وهذا يتضمن ما يلي: 1 الشلل النصفي:(Hemiplegia) وهو إصابة الطرف العلوي والسفلي من نفس الجهة , وغالبا ما يحدث بسبب أمراض الالتهابات التي تصيب الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة. الشلل السفلي او العلوي ( Praplegia) وتكون إما بإصابة الطرفين السفليين ( الرجلين) او العلويين (الذراعين) وليس كليهما , وغالبا ما يحدث بسبب الاصابة أثناء الولادة , او بسبب أمراض والتهابات في مرحلة كونه جنينا في بطن أمه: وهذا ما يسمى علميا ب ( Littleشs Disease) الشلل الرباعي ( Diplegia Quadriplegia) هو إصابة الأطراف السفلية والعلوية في آن واحد , مع اختلاف الشدة , حيث ان الأطراف السفلية تكون اكثر تعرضا للإصابة وتكون بالتالي إصابتها اكثر شدة. الشلل الأحادي(Monoplegia) وهو إصابة طرف واحد , سواء سفليا كان او علويا . وتختلف شدة الإصابة ومكانها باختلاف الأسباب . التي كان قد تم ذكرها سابقا. أنواع الشلل الدماغي وأعراض كل نوع وكيفية معالجته: الشلل الدماغي التشنجي ((SPASTIC TYPE): هو إصابة المراكز العليا من الدماغ , حيث يفقد العقل السيطرة على العضلات والتحكم بها , مما يؤدي إلى تدفق الإشارات العصبية بشكل عشوائي , وهذا بدوره يؤدي إلى تشنج العضلة عند القيام بأي مجهود مهما كان بسيطا. ومن أبرز مظاهر هذا النوع ما يلي: ان الحركة تكون صعبة ومتقطعة الى جانب أن ظهورها عند القيام بحركة معينة. 2 ( Scissorشs gait) أو مشية المقص: وتتمثل في تداخل الساقين عند البدء بالمشي بسبب تقلص عضلات الفخذ الداخلية (Adductors). 3 المشي على مشط القدم ورفع الكاحل عن الأرض , وذلك لتقلص عضلات الساق الخلفية. 4 تطور ونمو الطفل يكون بطيئا وكذلك محاولات المشي لا تبدأ إلا في سن متأخرة. 5 في بعض الأحيان يظهر ما يسمى بال ( Aphoria) أي الكلام او الحديث المبهم . أي ان الطفل يتحدث بشكل غير مفهوم وذلك بسبب تقلص عضلات الارتكاز في الفك. 2 الشلل الدماغي الارتعاشي: ( ATHETOID TYPE ): يتمثل هذا النوع بإصابة المراكز المتحكمة بالحركات اللاإرادية( Basal Gangli) في منطقة الدماغ تدعى ب (Corpus Striatum) : لذلك فإننا نلاحظ ان الحركات اللاإرادية هي سمة هذا النوع , حيث الالتواءات في الأيدي والأذرع بالإضافة إلى الأوضاع الغريبة وغير المألوفة التي يتخذها المريض (Postures) إذا ما أثير. ومن مظاهر هذا النوع: 1 الحركات اللاإرادية لا تظهر ما دام المريض في حالة راحة او سكون. 2 قدرة العضلة على الانبساط والانقباض , ولكن ببطء وعدم تركيز واضحين. رغم محاولات المريض الجادة في التركيز. 3 الحركة او المشية تكون دائما متعثرة وغير متزنة. 4 الوضع العام للجسم هو ارتداد الذراعين الى الخلف مع التواء اليد. والأرجل في حالة تداخل , والرأس مرتد الى الخلف , في حالات قليلة تتأثر عضلات الارتكاز في الفك , وكذلك عضلات المضغ , فتظهر مشاكل الكلام والتلعثم. 3 الشلل الدماغي التوازني( ATAXIC TYPE) : لا يعتبر هذا النوع من الأنواع الشائعة , بالإضافة إلى إمكانية التحسن بصورة سريعة إذا ما حدثت الإصابة وكانت بسيطة. ومن سمات هذا النوع: 1 عدم المقدرة على التوازن كون الإصابة في المخيخ. 2 تكون العضلات في حالة ارتخاء. 3 ظهور تأتأة في الكلام في بعض الحالات. نظرة عامة وهامة: علينا ان ندرك ان هذه الحالات باختلاف الإصابات ودرجة الإعاقات المتعلقة بها , لا يمكن ان تشفى تماما بحيث تقارن بمن هم معافون : حيث ان الإصابة او الخلل في الدماغ قد حدث. ولا يمكن تجاهل ذلك , ولكن ما يهمنا هنا ويمكننا فعله هو النهوض بالشخص المصاب بهذه الحالة إلى مستوى الاعتماد على النفس ليصبح عضوا فاعلا في المجتمع . وذلك بتعليمه كيفية التكيف مع الإعاقة وعدم الشعور بالخجل منها . بل والتغلب عليها في بعض الأحيان , لذلك بناء على دراسات حديثة , يجب علينا العمل كفريق واحد لخدمة هذه الحالة من قبل أخصائي أعصاب وطب نفسي , وعلاج وظيفي وممرضين. وتربية خاصة ونطق بالإضافة الى أخصائي علاج طبيعي , كل هؤلاء يجب أن يتعاونوا للوصول الى الهدف الأسمى, ونحن بالمناسبة نتمنى ان يتمكن كل مريض أينما كان من الحصول على عناية مختلف الأخصائيين الذين تم ذكرهم أعلاه. ومن هذا المنطق, لو أن كل أخصائي ممن ذكروا أدى دوره في أي مجتمع على أكمل وجه, لأثمر ذلك معاقا يمكن توظيفه وتفعيله في أي مجتمع كان بين أقرانه الأصحاء. العلاج اهمية دور الأسرة يجب ان تتعلم كل أسرة كيفية التعامل مع حالة الشلل الدماغي باختلاف أنواعه , حسب الحاجة من الناحيتين. العلاجية النفسية , والعلاجية الجسيمة , فالعناية تبدأ من الشهور الأولى بحماية الجلد ليكون صحيا ومتوازنا , ومن ثم تعلم كيفية وضع ونزع الجبائر, إذا تطلب الأمر ذلك. ومراقبة الطفل وحمايته من الكدمات والإصابات الخارجية. ومن ناحية أخرى فإنه يجب إشعار بل إقناع الطفل بأنه محبوب, وانه جزء فاعل في العائلة. شانه شأن أشقائه تماما, ففي أغلب الأحيان. يكون من الصعب على الأبوين إخفاء شعورهما بالحرج او الخجل من ابنهما المصاب أمام الآخرين. وهذا للأسف يزيد من إعاقته سوءا وتراجعا: لذلك يجب علينا رفع الروح المعنوية للمصاب منذ طفولته. ومن ثم التدرج معه في العلاج حسب حاجته وقدراته. لنصل به إلى بر المعافاة. وبذلك نكون قد أدينا واجبنا تجاه طفلنا المصاب , نفسيا وجسديا على أكمل وجه. اختلاف دور العلاج الطبيعي بتنوع الإصابة: للعلاج الطبيعي دور بل ودور مهم جدا في جميع أنواع الإصابات باختلاف درجاتها. لكونه حجر الأساس لبناء خطة علاجية سليمة , وسوف نتطرق لبرنامج العلاج الطبيعي الخاص بكل نوع سبق ذكره آنفا. الشلل الدماغي التشجني: يمكن إيجاز العلاج في نقاط رئيسية هي: أ تصحيح التقلصات العضلية ومحاولة منعها ما أمكن إذا لم تبدأ بعد. ب الوصول بالطفل الى مرحلة الاسترخاء العضلي لتسهيل إعادة تشكيل العضلات المتقلصة. ج التقليل من التشنجات والتقلصات العضلية. ومنعها من الانتقال الى أعضاء جديدة لن تصل اليها بعد . والحد منها قدر الإمكان. د السيطرة على ردود الفعل العضلية والعضلية , ومحاولة توظيفها لما فيه فائدة الطفل. و تدريب الطفل على التكيف مع الإعاقة لممارسة نشاطات حياته المختلفة , وتعليمه كيفية التعامل معها إذا لم يكن بالإمكان علاجها او التقليل من حدتها. 2 الشلل الدماغي الارتعاشي: البرنامج العلاجي هنا يختلف نوعا ما وهو كالتالي: أ تدريب الطفل على الاسترخاء والراحة للحد من الحركات اللاإرادية. ب السيطرة على الحركات غير المرغوب فيها وغير اللازمة في وضع معين. ج التقليل من التشنجات المصاحبة للحركات اللاإرادية بقدر الإمكان. د. بدء أية حركة يرغب المريض إحداثها من وضع السكون او الراحة , حتى لا تصاحبها حركات أخرى تطغى عليها او تخففها او تقلل من فعاليتها. و السيطرة على حركة الرأس والتدريب على إبقائه متوازنا بين الكتفين في حالات: الجلوس(السكون) او الحركة(المشي) حتى لا يؤثر على الإخلال في توازن الجسم في كلتا الحالتين. 3 الشلل الدماغي التوازني: سبق أن ذكرنا ان هذا النوع ليس شائعا وان الإصابة به نادرة وان التحسن فيه يكون أسرع من الأنواع السابقة , مع العلم بأن الإصابة لا تظهر إلا عندما يحاول الطفل المشي في أواخر الشهر(13) وبالرغم من ذلك فإن النظريات العلمية العلاجية التي وضعت له فاقت تلك التي وضعت لغيره, وذلك لندرة حالاته وغزارة موضوعه, وفيما يلي بعض الأساليب العلاجية الخاصة به: 1 القرآن الكريم إذ ان الاستماع للقرآن الكريم يريح النفس ويهدىء الاعصاب ويطرد الوسواس وقد اهمل بعض الناس العلاج بالقرآن الكريم الذي تخشع لسماعه حتى الجمادات وصدق الله ( لوانزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله 2 استخدام الموسيقى في العلاج: تعتبر هذه الطريقة من انجح الطرق التي يستخدمها الغرب في العلاج, حيث تصبح لكل نغمة او لكل نقرة حركة مطبوعة في ذهن هذا الطفل. ولمجرد سماع النغمة يصدر الطفل الحركة المطلوبة التي تم حفظها مع هذه النغمة بالذات, وبهذه الطريقة يتم تحفيز العقل وتركيزه, إلى جانب تطبيق الحركات العضلية المطلوبة بشكل استرخائي محبب للطفل, ويؤتي ثماره في العلاج , وبطبيعة الحال . فإن أية حركات جديدة يراد تعليمها للطفل, تتطلب لحنا موسيقيا أو مقطوعة موسيقية جديدة. 3 طريقة فلبس(The Phelps Method): وتتلخص هذه الطريقة في أنه يمكن إحداث حركة في أي عضو من أعضاء الجسم , عن طريق إنشاء أو إحداث حركة في مفصل مجاور من نفس العضو. 3 طريقة فاي (The Temple Fay Method): تعتمد هذه الطريقة على تحفيز الحركات اللاإرادية , وردود الفعل العكسية الخاصة بالقامة(Postural Reflexes Inhibition) ,حتى لا يتم التركيز عليها , وبالتالي تقل القدرة على إحداث حركات أخرى: لذلك يفضل وضع الطفل في وضع استرخاء أو استلقاء على الظهر , ومن ثم عمل الحركات بصورة أسهل وتركيز أكثر. كلمة أخيرة من كل ما تقدم , نرى بل ندرك ان حالة الشلل الدماغي عامة قد لاقت اهتماما كبيرا من الأوساط العلمية والعالمية, من مراكز أبحاث ومستشفيات ومراكز علاجية: وقد وضعوا لنا كأخصائيين طرقا وأساليب علاجية كثيرة تغطي جميع الحالات وذلك لخدمة أطفالنا المصابين , فحري بنا نحن الآباء والأمهات ألا نهمل أطفالنا, وألا نضرب بكل تلك الأبحاث عرض الحائط , بل يجب علينا استخدامها وتطبيقها منذ الشهور الأربعة الأولى من عمر الطفل المصاب, حتى تؤتي أكلها فيما بعد.. ليصبح الطفل المعاق صبيا او شابا معافى مستقلا بإذن الله تعالى. عصام الميخي, أخصائي العلاج الطبيعي والتأهيل