هل تستطيع ان ترتب افكارك ورؤاك وقناعاتك في تسلسل رقمي، بحيث تقول: هذه القناعة اولا، وتلك ثانيا، وهكذا..؟ هل تستطيع؟ ان ذلك يتطلب ان تكون حرا في تفكيرك، وان تكون ذا ارادة فكرية قادرة على الفرز وعلى الاختيار ان ذلك فيه تحديد لمدى اتساع وضيق ثقافتك، لان فيه تحديد (موقفك) من هذا الحدث او ذاك، وهذه الظاهرة او تلك. وتجديد الموقف قد يحتاج الى نصيحة، قد تمتد من مجرد الرفض او القبول، الى فقدان الحياة نفسها، اي التضحية بحياتك في سبيل القناعة بالفكرة التي وضعتها اولا في سلم افكارك. هل انت مستعد لمثل هذا؟ لا اظن ذلك، بل سأراك امام مثل هذا، تصب السخرية على المتنبي الذي دفعه خياله الى القول:==1== ولو ان الحياة تبقى لحي==0== ==0==لعددنا اضلنا الشجعانا==2== وستقول: ما هذا الخيال المريض لهذا الشاعر المتسول؟ لماذا لم يقتل نفسه، وهو في الطريق من سيف الدولة الى كافور؟ انت يمكن ان ترتب افكارك بطريقة اخرى: مثل ان تقول: احب المال اولا، واحب السفر الى الفلبين ثانيا، واحب الفضائيات الشبابية ثالثا. ومثل هذا الترتب لا يحتاج الى مشقة اعمال الفكر، ولا (جحيم الاختيار) وهناك آلاف يشاركونك نفس الموقف، ولكن هذا لا اعنيه، فالذي عنيته هو ترتيب الافكار، اما هذا فهو ترتيب الرغبات. الرغبة طبيعة بشرية تلقائية لا يوقف عنفوانها الا القانون، او السدود الاجتماعية، اما ترتيب الافكار، فهو فعل ارادي، فعل مقصود، لا يتدفق وحده، ولذلك امتاز الناس فيه: بين شجاع وجبان، وعاقل ومتهور، وصائب ومخطئ، وسيىء او حسن الاختيار. ترتيب الافكار عملية (نسبية) سواء كانت بين الافراد او المجتمعات، فنصيب الفرد الناضج او المجتمع الناضج (إن كان هناك مجتمع ناضج) يختلف من بيئة ثقافية الى بيئة اخرى، ومن زمن الى زمن، ومن تربية الى تربية، اي ان المجتمع الذي يمنح افراده حرية الاختيار منذ الصغر، تختلف النسبة فيه عن مجتمع يربي افراده على الطاعة العمياء.