أجواء احتفالية فلسطينية سادت القاهرة، فالمصالحة الفلسطينية /الفلسطينية أنجزت بتوقيع جميع الفصائل على ورقة المصالحة التي أشرفت عليها الاجهزة الدبلوماسية والامنية المصرية والجامعة العربية. فلسطينيون يوزعون الحلوى احتفالا بالمصالحة وترى حماس التي كانت ترفض التوقيع على الورقة المصرية في عهد النظام السابق فتضيف إلى تلك الاسباب المتغيّرات التى حدثت فى المنطقة خاصة مصر، وأن تغيير القاهرة سياساتها تجاه غزة سبب مقنع لإنهاء الانقسام على اعتبار أن القاهرة ستساهم في رفع الحصار عن القطاع، كما أنها ستشرف على تنفيذ الاتفاق فى الوقت الذى سيسمح بشراكة لجميع الفصائل دون اقصاء لأحد في مستقبل العملية السياسية الفلسطنية وعلى ارضية مقبولة للجميع، وهو ما أكده عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحركة حماس في دمشق في حديث مع «اليوم». ويقول مدير مركز الدراسات الفلسطينية في القاهرة إبراهيم الدراوي ل»اليوم» إن ثمة جملة من الالتباسات تحيط بالمواقف المتعددة للفصائل وباقي الاطراف، بعضها قد تم فضّ الاشكاليات المتعلقة بالالتباس فيه والآخر لا يزال قائماً. فالالتباس الظاهر الذي حدث بين فتح وحماس فيما يتعلق بملف الحكومة وان حركة حماس كانت لديها شروط ما تتعلق بشخصية رئيسها المنتظر التوافق عليه، لن يكون من الحركة أو بين اعضائها، بل ستكون هناك حكومة كفاءات غير فصائلية، وعليه لن تدخل الحركة هذا المعترك لتخلي الساحة لحكومة ليست من بينها. دور مصري صعب أما مصر التي وقعت الاتفاق فستكون المعنية أكثر من أي طرف بالحفاظ على هذا الجنين الجديد الذي ولد على يديها في ظل ادارة مصرية جديدة، مفهوم أنه سيكون دوراً صعباً، وقد تضطر القاهرة إلى دفع ثمنه بالضغوط الدولية. وتدرك حماس المتغيّرات فى العالم العربي والمنطقة – كما يرى الدراوي - وهى تريد ايضاً أن تحصل مكاسب الاتفاق بعد أن ذاقت الامرّين فى سنوات الحصار العجاف، ولن تكون هناك اعادة اعمار وفتح للمعابر بدون هذا الاتفاق، وطالما جاء على هذا النحو من التكافؤ والتوافق فلمَ لا توقع حماس وتجعل الاتفاق يصمد قدر المستطاع، بدعم قانوني وشعبي، بل وبمباركة مصر الجديدة وفي عهد عربي مختلف، وعليه فإذا كانت المصالحة هي التي ستعطي الشرعية للجميع سواء كانت الشرعية القانونية أو الشعبية فالسعي سيكون لأن تكون المصالحة اتفاقاً حقيقياً لا حبر على ورق. عزام الاحمد رئيس وفد حركة فتح، لم يعوّل فى الكثيرعلى موقف اسرائيل، فالرجل لم ينخرط يوماً في لقاءات مع شخصيات اسرائيل، وهو يرى أنه معني اليوم أكثر من أي وقت مضى بإنجاز المصالحة، ويقول إن الشارع الفلسطيني فطم عن تلك الوصاية التى تجعل قادة يمارسون وصاية غير مقبولة عليه. فخرج الشارع ليقول «الشعب يريد إنهاء الانقسام .. الشعب يريد انهاء الاحتلال».. وأن صدى هذه النداءات التي وجّهها الشارع جعلت الجميع يبحث فى أوراقه عن مخرج لانهاء الانقسام وتخليق الإرادة السياسية التى تجعل الامر قاب قوسين أو أدنى من الانجاز، وما أن تلقفت القاهرة الموقف بشكل مختلف حتى اكتملت تلك الارادة، ويكفي الدعم الذي سيوفره العرب للاتفاق. ويرى الدكتور محمد حمزة مدير مركز بيت المقدس للدراسات الفلسطينية والاسرائليية، ان الدوافع التي تقود الى الاتفاق مع كامل الاحترام لم تحاول الفصائل سوقه لمجرد دبلوماسية الحوار التي تدفع الاطراف الى القول إن الظروف تغيرت ومصر تغيّرت والتداعيات الخاصة بالحصار تفرض واقعاً جديداً، لكن في الحقيقة لم يكن هناك مبرر في الاساس للانقسام بعد الجهود التى قادتها مصر في السابق. ويقول: الاتفاق في النهاية وقعت عليه حماس في الورقة المصرية كما هو دون ان تضاف كلمة واحدة، والصياغة التي وردت في التفاهمات هي القبول بجوهر المبادرة التي كان «عباس» قد عرضها قبل أسابيع قليلة ورفضتها وشجبتها حماس. لكن الذي يختلف عليه حمزة مع الدراوي في مستقبل الاتفاق هو كيف يمكن أن يكون هناك توافق فصائلي على مجابهة المخاوف من انهيار الاتفاق، دون أن نتطرق إلى أن هناك مقاومة داخلية تهدده أكثر، وهي لدى حماس أكثر منها لدى فتح، فهناك تيار في حماس ستنهار مصالحه بالكامل، لكن لدى فتح فالمخاوف ستكون لدى تيار محدود كان يتبنى مشروع «سلام فياض»، اما المخاوف الاقليمية فتبقى هى الاخرى محل تهديد للاتفاق، فمن المخاوف القائمة أن تنتعش دول عربية تعمّها ثورات مثل سوريا أن تنقلب بعد، وتساوم على عرقلة الاتفاق، وقد يكون بالنسبة لإيران التي تعيش حالة نشوة لحظية مع القاهرة في اتجاه لتغيير شكل العلاقات بينهما، لكن فى حالة أن تتغيّر تلك السياسة فهل تبقى الورقة محل اتفاق مع ايران للتوافق. رفض أي موقف إيراني تقول حماس على لسان طاهر النونو في مقابلة مع «اليوم» لا دخل لإيران بالموقف، وهو نفسه الموقف الذى استفز عزام الاحمد حينما سألناه عن دور ايران فرد «ما لها ايران ومال الموضوع»، على الرغم من أن الاحمد كان من اشد المسوّقين لدور ايران من قبل في عرقلة الاتفاق. ويقول السفير الفلسطيني لدى القاهرة الدكتور بركات الفرا ان أية إجراءات تتخذها إسرائيل لن تثني الفلسطينيين عن إنهاء انقسامهم الداخلي وتحقيق وحدتهم والمضي في خطوات إقامة دولتهم المستقلة، مؤكدا ان اتفاق المصالحة سيكون سنداً قوياً لإنجاح اي عملية سلمية في المنطقة. كما انه أسقط ذريعة الانقسام الفلسطيني من يد الجانب الإسرائيلي الذي استخدمها للتهرب من استحقاقات عملية السلام. اما الدكتور جعفر عبد السلام أستاذ القانون الدولي والامين العام لرابطة الجامعات الإسلامية فأكد ان اتفاق المصالحة سيضع نهاية لخلاف استمر سنوات، وكان من نتيجته إضعاف الموقف الفلسطيني عربياً ودولياً وإعطاء إسرائيل كل المبررات لممارسة سلسلة متتالية من الأعمال الإجرامية في الضفة الغربيةوغزة على حد سواء. واضاف الدكتور عبد السلام ان هذا الاتفاق كان نتيجة اقتناع السلطة الفلسطينية بأن الأمريكيين غير جادّين في رعاية للعملية السلمية في المنطقة، وأن إسرائيل تستغل حالة الانقسام الفلسطيني للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات ولهذا فإن الرد كان بوحدة الصف الفلسطيني. ومن جانبه يرى الدكتور محمد إبراهيم منصور مدير مركز الدراسات المستقبلية التابع لمجلس الوزراء المصري: ان اتفاق المصالحة يمثل حدثاً مهماً ضرورياً وخطوة مهمة جداً في نجاح مفاوضات السلام وفي إقامة الدولة الفلسطينية. واضاف ان الأطراف الفلسطينية أمام اختبار صعب الآن لوضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ سريعاً وبشكل يكرّس فعلياً إنهاء حالة الانقسام. أما الخبير الاستراتيجي الدكتور لواء عادل سليمان المدير التنفيذي للمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية فأكد ان هذا الاتفاق سيكسب الجانب الفلسطيني قوة امام المجتمع الدولي.