رغم التطور وازدهار العمران فانك إذا زرت أحدى الهجر المترامية في أطراف هذا الوطن ترى نفسك قد عدت إلى عهد بعيد من أصالة البدوي، التي تجسد لك معنى الكرم وشهامة المرء، وقدرة البدوي على فهم الاخر بحاسته السادسة، وهذه الملكة التي يتوارثها البدوي ناشئة عن استشعاره بالطبيعة الصحراوية القاسية والمرنة في نفس الوقت، فهو يراها في كثبان الرمال وحنان الإبل على صغارها إذا ما أرضعتها. فضيلة إحدى الهجر المعنية بذاك الوصف. تقع في جنوبالأحساء، وتبعد عن مدينة الهفوف حوالي 170كم، ويبلغ عدد سكانها اكثر من 1000 نسمة، وعدد المنازل فيها حوالي 400 منزل. منطقة خضراء (اليوم) زارت هذه الهجر لتستطلع طبيعة أهالي الهجرة، وكانت البداية مع محمد جابر قرينيس المري، الذي يقول: تأسست هجرة فضيلة منذ 24 عاماً، حيث كان الأجداد يتنقلون كعادة البدو من مكان إلى أخر، بحثاً عن المياه، فوجدوا هذه المنطقة، التي تكون في فصل الربيع معشوشبة أكثر من أي فصل آخر، فرأى الأجداد أن يستقروا فيها، لكثرة المياه وتوافر الخيرات. وعن مؤسسها يقول محمد: هو شيخ القبيلة آنذاك، وهو أحد أجداد أمير هذه الهجرة الشيخ علي بن صالح بو ليلة المري. وأقرب الهجر إلى فضيلة هي هجرة الطويلة، التي تبعد 40 كم، وهناك هجرة العجايب، التي تبعد 30 كم، وغالبية سكان فضيلة هم من قبيلة المري، ومن فخذ واحدة. شوينا التمر وعن حياة البدو سابقاً يقول: كانوا يعيشون في بيوت من الشعر، وكانوا يعتمدون على الإبل والغنم في أكلهم. وحليب الإبل والغنم هو الوجبة الرئيسية لديهم، كذلك اللحم.. ويذكر محمد بن جابر المري هنا قصة أن التمر لم يكن معروفاً لديهم، وكانوا يضعون التمر في النار لشوائه، ظناً منهم انه لحم. وعن المسؤولين في هذه الهجرة يقول: هو الأمير الشيخ علي بن صالح بو ليلة المري، وله مركز يستقبل فيه أهالي الهجرة، في بيت من الشعر، والمشاكل التي يقوم على حلها مثل سائر المشاكل بين المجتمعات. صحون البث الفضائي وعن الخدمات المتوفر يقول، الماء والكهرباء وفرتهما لنا الحكومة. أما بالنسبة للهاتف فله الآن 4سنوات فقط، وتوجد بوفية واحدة ومحل للمواد الغذائية، كما يوجد 4 مساجد، أكبرها تقام فيه صلاة الجمعة. والبث التلفزيوني نادراً ما يصل، حيث تظهر القناة الأولى والثانية على شاشة التلفزيون، لذا يمتلك بعض سكان الهجرة الصحون لالتقاط البث من القنوات الفضائية. سباق المزايين وعن الأنشطة الرياضية والثقافية يقول: لا يوجد أي نشاط رياضي أو ثقافي، وهناك نشاط واحد يقام كل عام، تحت مسمى سباق المزايين، الذي تشترك فيه جميع الهجر بالإبل، وقد استضافته هجرة فضيلة لمدة سنتين، ويشرف علية صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز، حيث يقومون بترقيم الإبل من الأفضل إلى ما دونها، والتي تحظى بالرقم واحد تكون الأغلى والأحسن من بين الإبل، وتكون قيمة الإبل الحائزة على الرقم واحد مليون ريال، وتصل إلى سعر أعلى أحيانا. أما عن النشاط الاجتماعي فيقول: هناك جلسات في مركز الأمير، والمشاكل تعرض على الحضور، ومن ثم يتم تبادل الآراء في حل هذه المشاكل. رعي الإبل طموحهم وعن أوقات الفراغ يقول حسين بن علي المري: جميع أهالي الهجرة يقضون أوقات فراغهم في رعي الإبل والأغنام. ونصيب الشباب في التعليم نادر جدا، رغم الطموح وتفوق بعض الشباب في الدراسة، وطموحهم مقتصر على امتلاك قطعان الإبل ورعي الأغنام. وعن المهن والحرف يقول حسين المري: لا توجد هناك مهن وحرف، ولكن هناك الأغراض التي تصنع لوضعها على ظهر الإبل، وكل الذين يمتلكونها يحترفون صناعتها، ويعزو ذلك إلى سيطرة رعي الإبل والأغنام على تفكير أهالي الهجرة. 30 ألفاً الحد الأعلى للمهر أما عن الشعراء فأبرزهم راشد عبدالهادي المري، وقصاص الأثر عبد الهادي قنيفذ المري، وهم البارزان من أهالي الهجرة. أما عن الزواج فمهر الفتاة لا يتعدى 30 ألفا، وفي يوم الزواج تكون هناك العرضات، ويدعى أهالي الهجر القريبة لحفل الزواج، وتذبح الإبل لكرم الضيافة. خدمات ناقصة أما عن النقص في الخدمات في هذه الهجرة فأهمها: المركز الصحي الذي من المفترض ان يتلقى أهالي الهجر فيه العلاج، ففي سنة من السنوات توفي اثنين نتيجة لسع الأفاعي، ولم يتم إسعافهم، لبعد المستشفيات الموجودة في المدن. وأيضا تعرض في السنة الماضية أحد سكان الهجرة إلى صعقة كهربائية، وقد توفي أيضا أثناء نقله إلى مستشفى الملك فهد بالهفوف، فالمسافة الطويلة حالت دون إنقاذه. كما تفتقد الهجرة مركزا للشرطة، يقول حسين: نفتقر إلى المركز، فنحن في هذه الهجرة، التي قد تكون ملاذاً للصوص ومهربي الأسلحة والممنوعات، غير قادرين على ردعهم، مع أننا نراهم ولا يسعنا ان نبلغ الشرطة، لبعد المركز عنا، وحتى لو أبلغناهم بالهاتف فقد تكون المسافة عائقاً لوصول الشرطة إلى اللصوص في الوقت المناسب. وأيضا من النواقص مركز للدفاع المدني، حيث تحدث أحيانا حرائق وتموت على إثرها أعداد كبيرة من المواشي، وتتلف أعلاف الحيوانات دون التمكن من إنقاذها للمسافة البعيدة بين مركز الإطفاء والهجر. وعن كيفية تمويل احتياجات أهالي الهجرة يقول عبدالهادي محمد القنيفذ المري: تأتي عن طريق السيارات، مثلما يأتي البريد بالرسائل عن طريق سيارة البريد، ويقام في كل يوم ثلاثاء سوق يأتي الباعة فيه من جميع أنحاء الأحساء، ويعرضون جميع أنواع البضائع التي نحتاجها. وفي هذا الصدد يقول محمد جابر المري: الهجرة تفتقر إلى السفلتة والإنارة، وهذا يصعب على السكان التنقل بين جنباتها، بالإقدام أو بالسيارات. والمدخل الرئيس يفتقر إلى الإنارة. وعن الآثار يقول: هناك فقط الآبار، التي كان أهالينا سابقاً يستقون منها، فقد أندثرت وبقت أماكنها معالم معروفة لدى أهالي الهجرة. طلاب مرحلتين في مبنى واحد وزرنا أيضا مدرسة للبنين، ليحدثنا المدرسون فيها، وهم من أهالي قرى ومدن الأحساء، عن أوضاع التدريس يقولون: الأوضاع للآسف غير مرضية، فلا تجد رعاية من أهالي الهجرة لأبنائهم، وحثهم على العلم. وعن عدد الطلاب والخدمات التي تحتاج لها المدرسة يقولون: هذه المدرسة مزيج بين طلاب المتوسط والثانوي، والمجموع 131 طالباً، والمدرسون 17 بالمدير. وهنا يقدمون اقتراحاً، بأن يعزل طلاب المتوسط عن الثانوي، لان هناك اختلافا في الأعمار والنضوج الفكري، فالكبير يفسد الصغير بأخلاقه، والعكس. وهذه المدرسة تفتقر إلى ساحة من الأسمنت، والساحة الحالية هي من الرمل، والفصول دائما تتسخ أثناء هطول الأمطار بالطين والرمال. وضع الابتدائية مختلف كما زرنا مدرسة الابتدائية، وهي في مبنى مستأجر غير حكومي، وقابلنا مديرها مرسل سالم المريسة، وسألناه عن وضع المدرسة، فقال: وضع هذه المدرسة مختلف تماما عن المدارس الأخرى في الهجر القريبة، حيث فيها فناء للعب الطلاب، ودورات المياه النظيفة، أيضا الساحة الداخلية والفصول مرتبة ومريحة للطلاب، الذين يبلغ عددهم 100 طالب. كما يقول: إن هذه المدرسة تحظى بأمور غير متوافرة في المدرسة المتوسطة والثانوية للهجرة، وهي ان مستوى الطلاب التعليمي ممتاز، والغريب انهم مجرد أن يذهبوا للمرحلة المتوسطة يقل اعتناء الآباء بهم. ويضيف: أولاد هذه الهجرة يمتازون بتذوق الشعر منذ الصغر، فدائماً يرتجلون أو يقولون ما يحفظون لمعلميهم، الذين يتعجبون من هذه المواهب. وفي الهجرة أيضا توجد مدرسة للبنات، وهي مزيج بين طالبات المرحلة الابتدائية والمتوسطة. ويقول محمد جابر المري: أن أهالي الهجرة يتمنون أن تبنى لبناتهم مدرسة للمرحلة الثانوية، حتى يقلل العناء على طالبات هذه المرحلة، لأنهن يجدن صعوبة في ذهاب للمدن، لبعدها حتى لو وفرت لهن المواصلات، فان من الصعب جدا أن تخرج البنت من الصباح للدراسة، وتأتي عصرا، لبعد المسافة بين المدن والهجر. مدرسون في المرحلتين المتوسطة والثانوية الطلاب في المرحلة الأبتدائية متفوقون جدا