أعتقد أن الحركة التصحيحية التي انتهجها مؤخراً سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز برفعه بادئ ذي بدء الستار عن واقع الفقر المدقع الذي تعانيه شريحة من المجتمع أبداً ليست بالقليلة وهو أمر طالماً تم إغفاله وستره، لهي نهج سيسجل بمداد من فخر وسيكتب حروفه بخيوط الذهب في تاريخ الدولة السعودية الحديثة. ان تلك الحركة التي باتت تشكل هاجساً مؤرقاً للأمير الفاضل ستطال بالتأكيد أموراً آخرى اتضح بما لا يقبل الجدال أنها كانت عقبة في سبيل التطور الذي نأمله لهذا الكيان الكبير، كيف لا!، وهو يزخر بإمكانات مادية مهولة وطاقات بشرية مؤهلة لتنازع كل مجال للرقي أهله وناسه. نعم، أحسب أن الوقت قد حان ليسدد أميرنا المحبوب لكمة قاضية إلى ذلك الترهل الوظيفي والفساد الإداري من أعلاه إلى أدناه!. لا شك أن الأمير وهو المحاط بثلة من المفكرين والنابهين يعلم يقينا أننا لسنا بحاجة إلى أي مسئول في أية وزارة ولا مؤسسة حكومية لم يقدم لوطنه وأمته شيئاً فضلاً عن أن يكون سبباً في تعثر أعمالها ورداءة إنتاجها!. لا نجافي الحقيقة ان قلنا اننا بحاجة إلى غربلة شاملة لكل مؤسسات الدولة تقييما لإنجازات مسئوليها خدمة للوطن والمواطنين، فكل من ثبت أنه ليس بكفء لمنصب قد تبوأه، فلا ضير ولا غضاضة في تنحيته عن منصبه، وفي الأكفاء - وهم كثر- ممن قد يكونون خارج دائرة الضوء غنية عنهم. ان دستورنا وهو القرآن الكريم ينقل لنا حال تلك المجتمعات التي مالت بها كفة الفساد الإداري والاجتماعي، فألقت بها في حمأة الركود الاقتصادي، فما اسطاعت خروجاً من تلك الهاوية إلا بعد أن تخلت عن نهجها القديم وأعلنت أن سدة الأمر في الأمور ذات البال لابد من أن يتسنمها "القوي الأمين". نعم، القوة والأمانة هما مربط الفرس في تطور وتقدم أي مجتمع، ويوم أن يتمثلهما المجتمع نهجاً له وديدنا فهو من سيتبوأ مكانة به لائقة ومتقدمة، وقد يكون له السبق والريادة يوماً على سائر الأمم. ان استقراء أوضاع الأمم القيادية في عصرنا الحاضر يفصح بوضوح عن أن أولئك ما بلغوا تلك المنزلة إلا بعد أن جعلوا مصالح أمتهم ودولهم مقدمة على مصالحهم الشخصية، فأعطوا لأهل العلم والخبرة والكفاءة مكانة بهم لائقة وأسندوا الأمور لهم وهيأوا لهم بيئات مثالية للعمل، واعتمدوا عليهم بعد أن ضخوا في دمائهم بما أولوهم من كريم الرعاية الحانية وعلى أسرهم، حب الوطن وصدق الانتماء إليه، فكان أن جاءت النتيجة الطبيعية التي توافق السنن الكونية، فأضحوا سادة للأمم وقادة لها. كم عجبنا ونحن نسمع في أوقات ماضية عن بعض مسئولين في ديار أضحت للتقنية رائدة، كيف أنهم وبمجرد أن تفشل مؤسسة أحدهم القائم هو على رأسها، تجده قد تخلى عن منصبه مقدماً كامل الاعتذار لأمته التي وثقت به، مع أنه قد يكون بذل الوسع كله ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، إلا أنه لم يجعل ذلك له عذراً فضلاً عن أن يختلق شيئاً تبريراً للاخفاق!. ان قدرات تلك الأمم الرائدة في عصرنا الحاضر لم تكن أبداً بأفضل من مثيلاتها في دولنا الإسلامية، لكنها وظفت توظيفاً سليماً ومدروساً، على حين أننا أهدرنا تلكم الطاقات ولم نفعل ما نملكه من القدرات بشريها وماديها، فوصلوا بأسرع ما يمكن على حين أننا مازلنا نغذ الخطا طلباً للوصول، متناسين أن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط وأسرعها بلوغاً للغايات. أما القدرات البشرية في وطننا الحبيب فإننا نملك- بحمد الله- ما لا مزيد عليه وهاهم أفذاذنا يسجلون إنجازات عالمية في شتى الميادين وتطير بأحاديثهم الركبان، وأما الأمانة ففي الكثير من رجالاتنا ستجد اروع الصور وأحلى العبر. إذا فالمطلوب منا في المرحلة الاتية أن نوفق بين تلكم الفضيلتين في مؤسساتنا الحكومية، بأن يسند الأمر لأهله من ذوي الاختصاص والكفاءة، وممن يملكون بإزاء ذلك الضمير الحي الذي يوجه الأعمال إلى ما فيه صلاح الأمة ولو كان فيه الضر بالمصلحة الشخصية. يا أميرنا المحبوب، ياذا الحس الوطني العالي.. إلى سموكم أسوق آلية لتحقيق ما سبق أن تطرقت إليه، إذ أن التنظير لن يكون ذا قيمة ما لم يصحبه تصور عملي لتفعيله وإلا كان جعجعة لا طحن وراءها!. أعتقد أن استحداث وزارة خاصة بالرقابة الإدارية يكون الوزير فيها بل وكافة أعضائها وموظفيها من القضاة ومن أفاضلهم علماً وسعة ادراك وخلقاً، ولهم في كل وزارة ومؤسسة حكومية فرع ملحق يتابع كل الأنشطة بها ويقيم أعمالها أولاً بأول ويتم رفع مرئياته إلى الوزير لعرضها مباشرة على مجلس الوزراء الموقر وتحت سمعكم وبصركم، على أن يكون لكل فرع قضائي ملحق بالمؤسسة الحكومية حق الفصل في أي ظلم يقع على أي موظف من قبل مرؤوسيه، كما لهم كامل الصلاحية في الرفع بأحقية الموظف بترقيتة بناء على فاعليته في العمل وإنتاجيته، والعكس صحيح. سمو الأمير الفاضل.. أشرعتم الأبواب من أجل حركة تصحيحية كبرى، واني لأتمنى على سموكم الكريم أن تحظى تلك المرئيات التي أوردتها باهتمامكم الشخصي فأنتم أهل البدار في ذلكم المضمار، وكان الله في عونكم وسدد على دروب الحق خطاكم. @ @ د. إبراهيم عبد الرحمن الملحم