بجانب آنية فخارية قديمة موضوعة على تسريحة مخملية وقف أمام المرآة المسندة للحائط تأمل هندامه قليلا.. حمل الفرشاة مررها على شاربه الأسود الكثيف انحنى والتقط حقيبته تمتم بكلمات لاغنية (غريبة) رقص على اصابع اقدامه.. ودار حول نفسه كالنحلة اقترب من الرواق حيث صالة الطعام أخذ نفسا عميقا اعاد الكرة حفظ توازنه وهو يمر بخطوات ثقيلة على البلاط المصقول بعناية أزاح الكرسي.. جلس.. بوقار والتقط جريدة الصباح. قادمة.. تحمل صينية الطعام.. ألقت التحية من ثغرها الباسم.. صباح الخير. رد باقتضاب.. من خلف الصحيفة.. صباح النور.. جلست في الطرف المقابل على طاولة الطعام الطويلة.. ترقبه وهو يحتسي فنجان القهوة.. ثم شرع في تناول افطاره اختلس نظرة نحوها.. وهي تحاصره بعينيها الكحيلتين قال: مجاملا.. لماذا لاتشاركينني؟ قالت: لقد سبقتك.. مع .. طيور الصباح؟ قال: ليس ذلك ماعهدته منك؟ قالت: لا تظل الأمور دائما.. كما هي عليه؟ قال: تبدين غريبة اليوم؟ لعل السبب سفري؟ قالت: وهل تعتقد ان لدي ماهو أغلى منك! قال: لكنها لن تكون آخر مرة اسافر فيها لاتمام الصفقات للشركة؟ قالت: اعلم ذلك.. فدعك مني.. واخبرني هل اكدت حجزك؟ قال:نعم والرحلة بعد ثلاث ساعات قالت:حسنا فعلت ولقد اعدت ترتيب حقيبتك باكرا؟! انتفضت شفتاه ومسح اصابعه بمنديل ورقي ثم اتكأ بمرفقيه على المائدة وشبك اطراف اصابعه.وقال: تصرين دائما على اتعاب نفسك! تنهدت وهي تقرب له بخور (الكافور) وقالت.. هل نسيت ايها الغالي انك المشكاة التي تضىء حياتي سحب الكرسي للوراء قليلا ونهض قائلا: حسنا الوقت يداهمني يجب علي المغادرة للمطار اقترب طوقها بذراعيه ثم طبع قبلة على جبينها تراجعت للخلف قائلة: لقد بحثت عن زجاجة عطري الخاص وصورتي داخل حقيبتك فلم اجدهما؟ قال وشفتاه ترتجفان بعدان ضرب براحة كفه على جبهته العريضة اعذريني لقد نسيتهما قالت: لم تكن تنساهما منذ خمسة أعوام مضت؟ صمت.. وغاص الدم من وجهه باغتته قائلة لا عليك.. لقد ضممتهما الى اغراضك؟ استرد شجاعته وقال بصوت كحفيف الاشجار.. حسنا فعلت وطبع قبلة باردة وأدار ظهره مودعا. قالت: هناك كذلك اوراق مهمة كدت تنساها؟ وقف منتصب القامة علا وجهه شحوب استدار نحوها شاهد انحدار الدموع من مقلتيها وامتزاجها بكحلتها السوداء. أحس بها عناقيد من العشق الذي يرتجي الوفاء .. مسح دموعها بمنديله الخاص وقال: مازحا اضيفيها للعطر والصورة وقف على عتبة الباب يرمقها وهي تتوارى الى الداخل.. فتح الباب بعدها وخرج وقبل ان يصل الى المطار ألم بذهنه شعور ما سحب الحقيبة فتحها باصابع ترتعش شاهد العطر والصورة في زاوية متلاصقين التقط رزمة الأوراق.. بجانبهما.. انتفض كمن لدغته حية صباح مذعورا.. وادار عجلة القيادة في اتجاه العودة للمنزل باقصى سرعة.. عندما وصل كان الباب مازل مفتوحا.. هرول عبر غرف المنزل اجال النظر نحو صالة الطعام ازداد وقع خفقان القلب أخذ ينادي بجنون ينفتح باب غرفة النوم تتسرب إلى قدميه لسعات باردة من النافذة المشرعة.. اقترب ببطء شديد من جانب آنية الفخار القديمة وقد نبدد الصوت في متاريس الصمت.. وجفاف الأشواق؟ سحب مظروفا مختوما.. وجلس أمام النافذة.. جامدا لا يتحرك.. كان الضوء المنعكس من النافذة.. ينبىء بانتصاف النهار.. نورة العتيبي عفيف