مارس غازي عبدالرحمن القصيبي الطب؛ فطبب جراح ذاته بشعر الرثاء، الذي أجاده دون منازع، بدءا من رثاء جدته لأمه عام 1388ه، ثم وفاة شقيقه نبيل في العام التالي 1389ه، وكانت الفجيعة بوفاة عقيلة أخيه عادل عام1390ه حيث قام برثائها، وبعد ذلك بستة أعوام أي عام 1396ه توفي والده عبدالرحمن، فكان أروع ما سطره في الرثاء حين قال: ==1== وفي لحظة يا أبي وصديقي==0== ==0==فقدتك عدت يتيما صغيرا ==2== لم يقرأ (الصوينع) شعر فحلنا في الرثاء كما ينبغي، حيث فسر شعوره بالجزع، لأنه من أصحاب الجاه والثروة، بل أنكر عليه ذلك، فربما من أنعم الله عليهم بالجاه والثروة ليسوا بشرا لدى (الصوينع). عندما يعبر القصيبي بقوله: أن الشعر يزور، ولا يزار، ويصيد ولا يصاد ويهجر ولا يهجر؛ إنما يؤدي دور الفيلسوف عندما تتعرض أشرعة مخيلته للجدب، ولعل أشهر فترات الجدب تلك كانت بين المنامة، وقاهرة المعز. المرأة في شعر الدم الجديد مثلت معنيين لا ثالث لهما: أما الأول: فهو الشعور بالأمن والاستقرار في الأسرة، ونستقرىء ذلك في قصائد كجزيرة اللؤلؤ وجارتي، ورحيل وليلة الملتقى. وأما الثاني: فكان المستقبل المجهول كما نستنتج من قراءة قصيدة له كفتاة الخيال. إن أسفار أديبنا كتبتها أطلال هجر التي لم تغب عن ذاكرته، وإن شحت عليه بمياهها وبرائحة أزقتها العتيقة، إلا أنه كان أكثر قسوة عليها، إذ أنه لم يكشف يوما عن وحشته لها، ولا نكاد نصدق، ولن نصدق المعاني الدفينة في حجيرات ذاكرته، انها ستسلخ الكل من الجزء. إن عوامل اغترابه وتغربه كثيرة، إما لطلب علم، أو استطلاع، أو ملاء لموقع إداري، وكذا سياسي، ورغم تبريراتنا لافتقاده لذة الشعور بالاستقرار، فالرجل ليس مجبرا على تحديد معالم وطنه، لسبب بسيط، لأن العالم وطن له، فعلى حد تعبيره يصف نفسه أنه شطر الإنسانية الصامت، أو الساكت، فلو كان له وطن محدد لتبرأ منه. المواقع التي مثلها أو مثلته أملت عليه نهجا هو أهل له، فطغى الغرض التقليدي في شعره، فولد ديوان (أنت الرياض)، حيث شعر المناسبات، أما ما يدعى بالوطنيات فلاذ به، حيث لاذ، ففي نشرها ما يسبب المتاعب، فأطرها بعنوان (غير صالح للنشر).