جرت أثناء الفترة الماضية تغيرات عميقة في السياسة الخارجية الأمريكية، تكونت على إثرها قناعة مفادها التقليل من قدرة الولاياتالمتحدة الفعلية على إتمام مشاريعها العسكرية والسياسية في العالم وقد ازدادت هذه القناعة رسوخا في الآونة الأخيرة ، فأغلب المهام الأمريكية بائت بالفشل الذريع ، وتعد حرب أفغانستان آخر المهام غير واضحة النتائج ، فلا تزال أفغانستان بعيدة عن الهدوء السياسي والأمني ، ولا تزال الاشتباكات تشتعل بين فينة وأخرى ، والأهم أنها لاتزال ملاذا آمنا للكثير من المنظمات العنيفة ، والشخصيات الهاربة من القانون ، ولولا التواجد العسكري الأمريكي لإنهارت السلطة القائمة . ورغم أن أغلب المتابعين والمحللين يحسنون الظن بالمشروع الأمريكي القادم في العراق ، إلا أن الشك يعتري المتابع لقدرة الولاياتالمتحدة للوصول إلى أهدافها كما أعلنت للعالم ، ليس لان النظام العراقي يمتلك القوة الكافية للصمود أمام الآلة الحربية ، بل لان الولاياتالمتحدة عودتنا على أن تقف في منتصف الطريق ثم تتراجع خطوات إلى الخلف وتعلن للعالم أنها انتصرت ، وعلى العالم أن يصدق ويصفق للكابوي الذي لا يقهر. هذا ما يبرر الاستفهام عن إذا ما كنا سنشهد حربا مدمرة تنتهي ببقاء الرئيس العراقي صدام حسين في السلطة ثم يتلوه الإعلان الأمريكي بأنها استطاعت برفقة الأصدقاء البريطانيين نزع أسلحة الدمار الشامل ، وتحييد الخطر العراقي؟ أم سنشهد حربا مدمرة تنتهي بنزع صدام وفريقه من الحكم والإبقاء على الهيكل البعثي السابق ؟ ليظل التوتر والقلق معيقا لكل فرص التنمية السياسية أو الإقتصادية في المنطقة . لقد أثبتت الولاياتالمتحدة للعالم أنها دولة قوية بلا شك ولكنها لم تستطع حتى هذه اللحظة أن تثبت للعالم بأنها حكيمة كما يجب ، فهي مندفعة للدخول في تحد واستعراض قوة لكنه غير مجد في أغلب الأحوال ، وهو ما يثير المزيد من الدهشة حول تفريط الولاياتالمتحدة في فرصتها التاريخية لتحقيق أكبر قدر ممكن من القبول العالمي ، وعدم استثمار التعاطف غير المسبوق معها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وهو تعاطف انقلب إلى عداء وكره شديدين ليس للشعب الأمريكي بل للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط . هذه المخاوف المتزايدة من فشل المشروع الأمريكي القادم في العراق والتشكيك في حكمة الولاياتالمتحدة ، هو ما يثير القلق على مستقبل دول الجوار بما فيها دول الخليج العربي التي تعطلت أغلب خططها التنموية والتحديثية نتيجة الإرباك السياسي والأمني لأكثر من 13عاما ، وهي اليوم أحوج ما تكون للتخلص من النظام البعثي البغيض ، وقيام نظام مستقر سياسيا في العراق وإغلاق هذا الملف المتوتر نهائيا ، والبحث بهدوء وبتوافق داخلي عن طبيعة وحجم الإصلاحات الداخلية المطلوبة ، وهي إصلاحات ضرورية للخروج من المآزق المتوقعة لكنها لا يمكن أن تفرض قسرا من قبل الخارج ، بل تتم عبر اتفاق بين أركان وقوى المجتمع الخليجي.