منذ بروزه على الساحة الثقافية وتأكيده على تكوين رابطة تحمل اسمه ومصطلح الادب الاسلامي يعد من المصطلحات الاشكالية التي قسمت الساحة الثقافية بين مؤيد ومعارض. ومن اجل القاء الضوء على هذه الاشكالية كان لنا هذا اللقاء مع بعض المؤيدين والمعارضين: في البداية يقول د. عبد الباسط بدر صاحب كتاب (مقدمة لنظرية الادب الاسلامي) واحد اشهر المنظرين لمصطلح الادب الاسلامي : التجربة الشعورية رصيد انساني مشترك ولكن الاطار الذي يحكم التعبير عن تلك التجربة بشكل ادبي يختلف من شخص لاخر تبعا لتجربته ومعتقداته فالاديب الذي يحمل المعتقد الاشتراكي يختلف اطار تجربته عن الاديب الذي يحمل المعتقد الوجودي، واذا كان التاريخ الادبي لم يعرف مصطلح مثل (الادب النصراني) فإنه قد عرف مصطلحات مرادفة لها مثل الادب الميتافيزيقي والشعر الديني والمسرح الديني .. والمكتبة النقدية الغربية مليئة بابحاث عن هذه الاداب والاتجاهات تستخدم مصطلحاتها بحرية واسعة .. ويضيف : الوجودية على سبيل المثال صاغت نظرتها الفلسفية وقررت شكل الادب ثم ظهرت النماذج الادبية تطبيقا لهذه النظرية فسارتر لم يكتب مسرحيته (الذباب) الا بعد ان اخرج مقالاته الكثيرة عن الوجودية وبعد ان حدد نظرية الادب الوجودي في كتابه المشهور (مواقف) وقبل الوجودية جاء البيان الشيوعي لماركس وانجلز يسخر جميع الفعاليات لغرض الصراع الطبقي والتبشير بالمجتمع الشيوعي ويعطي الادب دورا فعالا فيه وجاء لينين فأكمل صياغة نظرية الادب الشيوعي، ووجه مكسيم جوركي معلم الادب الشيوعي الاول إلى استيعاب النظرية وتطبيقها في العمل الادبي ولم نجد ناقدا رفض الانتاج الادبي الناجح لاعلام هذه المدارس ولا لاتباعهم في الاداب الاخرى امثال ناظم حكمت وبول ايلوار وعبد الوهاب البياتي ونجيب محفوظ وسهيل ادريس وحنامينا وغيرهم ولم يشر احد إلى وضوح العقيدة الشيوعية او الوجودية في كتاباتهم ولم يقل احد انها عابت انتاجهم وانهم لم يخلصوا للفن المحض.. ويخلص د. بدر إلى فكرته قائلا: وجود العقيدة والايدلوجية ليس غريبا على الادب واذا كان الاديب ينتمي إلى الاسلام فمن الطبيعي ان يكون ادبه (اسلاميا) أي ملتزم بمنهج وقيم وآداب الدين. بينما يشير د/ عبد الحميد ابراهيم رئيس جماعة الوسطية إلى ان التشكيك في وجود الادب الاسلامي لا يصدر عن منطق لانه من غير المعقول ان تكون هناك حضارة عربية اسلامية على امتداد اكثر من 15 قرنا من الزمان وشملت اماكن كثيرة لا يكون لها ادبها فإذا كنا نتحدث في العصر الحديث مثلا عن ادب لماركس أو ادب وجودي او ادب مسيحي في اليونان وما يجاورها او ادب يهودي في امريكا واسرائيل فمن باب اولى ان نتحدث عن ادب اسلامي لان معجزة الاسلام الكبرى تتمثل في القرآن الكريم ولان الطاقة الفنية للعرب انصبت في الدرجة الاولى في الكلمة قبل الفن التشكيلي وقبل الموسيقى فمن هنا كان لزاما ان يكون لنا ادب اسلامي. وقد تضاءل الاحساس بالادب الاسلامي في القرنين الاخيرين التاسع عشر والعشرين بعد النفوذ الاوروبي والضغط على الحضارة العربية والاسلامية لمصلحة الحضارة الغربية الاوروبية فالادب الاسلامي يعبر عن حضارة تؤمن بالكلمة في المقام الاول وبعد ذلك قدم لنا نماذج رائعة اعلاها القرآن الكريم الذي يعتبر قمة الفصاحة والبلاغة فالقرآن يعتبر "ادبا اسلاميا" بالدرجة الاولى ومهد السبيل على مدى خمسة عشر قرنا لكي تتخلف نماذج شعرية ونثرية تعبر عن مفهوم الحضارة العربية والاسلامية وتحمل ملامحها. ويضيف د/ عبد الحميد: يمكن القول ان العصور القديمة دارت في اغلب انتاجها حول مفهوم الادب الاسلامي .. حقا ان هناك نماذج قاصرة وانغلاق في العصر الحديث ولكن الادب الاسلامي حديثا مر بعصور قاسية بسبب الاستعمار وضعف الحضارة الاوروبية ولكن لم يمر وقت طويل حتى نحكم على الادب الاسلامي في العصر الحديث لان الشعوب العربية خرجت من الاستعمار في النصف الاخير من القرن ولكن بالرغم من ذلك تجد ان هناك الكثير من الاسماء البارزة التي تعبر عن الادب الاسلامي بوضوح مثل عبد الحميد جودة السحار وعلى احمد باكثير و د/ نجيب الكيلاني وغيرهم في مجال القصة. و د/ محمد اقبال في باكستان في الشعر. واعتقد أن مفهوم الادب الاسلامي قد بدأ ينتعش من جديد واصبح يدرس في الجامعات العربية وخاصة في جامعة الامام بالسعودية واصبحت له رابطة تمتد من الهند إلى إندونيسيا إلى كافة البلاد الاسلامية المختلفة واصبحت هناك مجلة باسمها تدافع عن هذا الادب وتقدم نماذج له وتغري الشباب بتأليف رسائل ماجستير ودكتوراه عنه، والادب الاسلامي ادب يعبر عن ثقافته الخاصة وفي الوقت ذاته يتحاور معا لحضارات الانسانية المختلفة وخاصة ان الاسلام لا ينكفي مع ذاته بل يدعو إلى الحوار مع الحضارات الاخرى ولكن من جانب الخصوصية والتعبير عن الذات. اما على الجانب الآخر فتاتي وجهة نظر الادباء والمبدعين في الاوساط الثقافية حيث يرون ان مفهوم الادب الاسلامي لم يتجاوز حتى الآن فكرة الوعظ والارشاد وانه لم يرتق إلى فكرة الابداع الحقيقي الذي لا يمكن ان يقترن بالدين باي حال من الاحوال. الروائي ابراهيم عبد المجيد نفى ان يكون هناك أي ارتباط بين الادب والعقيدة وان أي ارتباط يحول دون ان يكون النتاج ادبا بالمعنى المفهوم للادب إذ لا يجوز ان نقول الادب الاسلامي ولكن يمكننا ان نسميه الادب العربي لكي يجمعه نسيج لغة واحدة وان يكون هناك شيء مشترك لان الادب ينسب إلى لغة الكاتب فتقول الادب العربي او الفرنسي او الايطالي وهكذا .. فلا يصح ان يكون هناك ادب بلغات مختلفة يجتمع تحت مسمى واحد فحين تكون هناك رواية سعودية واخرى اندونيسية يكون الكاتبان مسلمان ولكن اللغة تختلف والادب لغته في المقام الاول فلا يصح ان نقول الادب الاسلامي ولكن يمكننا حينئذ ان نقول الادب في بلاد الاسلام. الروائية (سلوى بكر) ترى ايضا ان محاولة كتابة ادب تحت مسمى الادب الاسلامي ضد فكرة الادب من إساءه لان الادب ليس عقيدة فنحن يمكننا الحديث عن الاسلام من خلال الفلسفة الاسلامية او من خلال الاسلاميات سواء كان ذلك من كاتب مسلم او من مستعرب اجنبي او ان نخصص هذا المجهود في البحث عن القيم الدينية في الادب والابداع الموجود ولكن محاولة كتابة ابداع تحت مسمى الادب الاسلامي فهذا اولا سيكون مجرد وعظ وارشاد وثانيا سيحمل بين طياته نفيا ضمنيا للاخر الغير مسلم مع ان الاديب الغير مسلم يمكن ان يتضمن ابداعه على قيم انسانية تتماس مع القيم الاسلامية فكيف نتجاهل هذا الابداع لانه غير اسلامي؟ ثم ان الابداع في اساسه بحث عن القيم الجمالية والدين الاسلامي دين يكرس طوال الوقت لتلك القيم. وعن القيم السلبية الموجودة في بعض الاعمال قالت ان هذا شطط موجود في كل مكان وان هذه النماذج لا تعتبر ابداعاً وتسقط من ذاكرة الابداع ولا تمثل أي خطر على الاخلاق ولا يمكن ان تكون هي الاساس في حكمنا على الابداع اما عن الشعر الصوفي فقالت سلوى انه موضوع مختلف لان التصوف قيمة دينية اسلامية وهذا النوع من الشعر مكرس طوال الوقت للتعبير عنها وان النماذج التي ابدعت في هذا النوع من الشعر مثل ابن الفارض ومحمد اقبال وغيرهم ادباء تنبني فلسفتهم في الكتابة على الادب في المقام الاول.. وفي النهاية نحن نسيء لديننا حينما نأخذ بالشكليات والمسميات لان هذا لن يكون اضافة للاسلام في أي شيء.