تعتقد الولايات المتحدة في ظل اداراتها الحالية انها عندما طورت آلتها العسكرية بمائة وعشرين مليار دولار خلال السنوات العشرين الماضية اصبحت على ابواب ما يسمى ب(العصر الامريكي) تهيمن فيه على مقدرات ومصائر الدول والشعوب دون استثناء وما الحرب التي تشنها على العراق دون سند من الشرعية الدولية الا مدخلا لهذا العصر متناسية ان القدرات العسكرية بالغة ما بلغت قوتها.. وتطورها الالكتروني والتقني وان القوة اذا كانت هي كلمة الفصل.. والحصان الرابح فان ذلك لايعني بالضرورة ان تحقق امريكا اهدافها الشريرة!! @ هولاكو الجديد وحلفاؤه وفي مقدمتهم ظله.. ومدير علاقاته العامة (بلير) رئيس الحكومة البريطانية قرروا اجتياح العراق باسم (الحرية) بزعم (الالتزام الاخلاقي) - كذا - لتجنيب العالم اخطار اسلحة الدمار الشامل بعد ان اعتبر مجرد اشارة فرنسا الى حقها في استخدام حق الفيتو ضد اي قرار ينشد اشعال الحرب دون اعطاء فرصة لمفتشي الامم المتحدة لاكمال مهام نزع سلاح الدمار الشامل العراقي نزاعا كاملا.. اعتبر ذلك تراجعا عن (قيم) المجتمع الدولي!! @ (لابد من محاربة الشر اينما كان) مقولة لاحد ضحايا ال(هولوكوست) اليهود استشهد بها (بوش) للتدليل على (اخلاقياته) - والذكي يفهم -!! وبلغ غروره حد اعتقاده ان الله اختاره لهذا الدور (الخطير) ليقوم بالمهامات الاصلاحية بتفويض (إلاهي) لم يسمع به بابا الفاتيكان.. ولا اسقف كانتربري!! وهو يدعي ذلك ليداري العزلة التي منى بها نتيجة (التزامه الاخلاقي) وموجات الاستنكار والرفض العالمية للحرب التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا حيث عمت المظاهرات عواصم العالم ومن بينها امريكا.. وبريطانيا يوم 15 فبراير .. وشاركت فيها 450 منظمة عالمية.. وعشرة ملايين شخص من 60 دولة من ارجاء القارات الست.. ضاربا عرض الحائط بنداء السلام الذي وجهته 250 منظمة امريكية عبر اعلان نشرته ال(نيويورك تايمز) في 2003/1/3م!! @ (الالتزام الاخلاقي) الامريكي يفهمه العقلاء.. والعالمون بابعاد مخطط الشر كما يفهمه الرئيس الامريكي (بوش) وعصابته من المحافظين.. واصحاب اليمين الصهيوني المتطرف.. وهو ما بات معروفا.. ومكشوفا لا تجدي معه اساليب (الخداع الشامل) التي تمارسها اجهزة الاعلام الامريكي..(الالتزام الاخلاقي) الامريكي هو الاستيلاء على مخزون العراق النفطي الذي يمثل ثاني احتياطي نفط عالمي واستنزافه لتغطية تكاليف الحرب.. وانعاش الاقتصاد الامريكي المتردي وتغطية عجز الميزانية الذي يقدر بثلاثة تريليونات دولار والذي سوف يعاني من هذا العجز طوال عشر سنوات قادمات.. ولم ينس صاحب (الالتزام الاخلاقي) الشركات الامريكية التي سوف تستأثر بميزانية اعادة اعمار العراق دون غيره حيث اعلنت (واشنطن) ان عمار العراق سوف يقتصر على الشركات الامريكية دون غيرها!! وهكذا يتقاسم حكام (روما الجديدة) الغنائم التي سعوا اليها طويلا.. اما الزعيم (المعلن) عن اعتزام الادارة الامريكية اعادة تشكيل المنطقة او تقسيمها وكأنها ولاية .. او مستعمرة امريكية فان الادارة تعلم ان دون ذلك خرق القتاد. @ وفي ضوء (السياسة الاخلاقية) للولايات المتحدة تحت رأيه الرئيس (جورج دبليو بوش) ترى الادارة الامريكية ان من حقها ان تمارس ازدواجيتها المعتادة في التعامل مع الشرعية الدولية فتقيم الدنيا وتقعدها على فرنسا التي وعدت باستخدام حق الفيتو لتعطيل اي مشروع قرار يجيز للولايات المتحدة وحلفائها استخدام القوة لنزع سلاح الدمار الشامل في العراق.. ويحق - تاليا - لها التباكي على مصير المنظمة الاممية التي توشك على الانهيار اذا لم تستجب لضغوطها ورغباتها وهي التي لم يكن يعنيها امر الامم المتحدة ولا الشرعية الدولية عندما استخدمت حق الفيتو في مجلس الأمن 76 مرة منها 35 لتعطيل مشروعات قرارات لمجلس الأمن ضد إسرائيل وممارستها الاستيطانية .. والدموية!! @ دولة القيم.. والاخلاق التي رأت ان جمهوريتي كوريا الشمالية.. والعراق انتهكتا المعاهدة الدولية لمنع الانتشار النووي وقفت عاجزة عن اتخاذ خطوة واحدة لنزع اسلحة الاولى التي لم توقف نشاطها ويوجد لديها مفاعلا نوويا.. ومصنعا لاستخلاص البلوتنيوم بينما اوقفت الثانية منذ اربع سنوات.. و(بيونيج يانج) وفي تحد صارخ للادارة الامريكية طردت مفتشي الوكالة الذرية وازالت اجهزة المراقبة من احد مفاعلاتها وهددت بضرب العمق الامريكي بصواريخها النووية مما جعل دولة (القيم والاخلاق) ترضخ لدعوة الحل الدبلوماسي انقاذا لمصالحها الاستراتيجية في منطقة شرق آسيا التي تعود الى اكثر من خمسين عاما!! الكاتب السياسي الامريكي (ماروين دود) يقول:(ان كيم جونج ايل) رئيس كوريا الشمالية فاز بسلة فاكهة مكافأة له في حين ان صدم حسين تعرض للقصف بصواريخ توما هوك الامريكية (فلماذا هذه الازدواجية)؟ يقول دود:(ان امريكا تشك في امكانية امتلاك كيم قنبلة ذرية اما صدام فهي متأكدة انه لا يمتلك شيئا.. اذا فامتلاك قنبلة نووية يضمن لك ابتعاد الولايات المتحدة عن طريقك لاسباب مهمة)!! @ ان (الالتزام الاخلاقي) الامريكي ليس بحاجة إلى من يذكر به حتى الرئيس (بوش) نفسه لانه يتجسد في التاريخ الامريكي (المشرق) بدءا من قيام (الامة الامريكية) على انقاض امة اخرى (الهنود الحمر) ثم التدخل في ايران عام 1953م والانقلاب في جواتيمالا 1954م.. والآخر في الكونغو 1960م.. والحصار الاقتصادي والسياسي على كوبا منذ 1961م والغزو الامريكي لجمهورية الدومنيكان 1965م وانقلاب جمهورية شيلي 1973م وغزو جرينادا 1983م والتدخل السافر في الفلبين 1986م والهجوم الصاروخي على ليبيا 1986م وغزو بنما 1989م وهذا غيض من فيض الالتزام الاخلاقي عند رؤساء الولايات المتحدة. @ في محاضرة بعنوان (غطرسة القوة) القاها في معهد (هوبكنز للدراسات الدولية) السيناتور الامريكي (وليام فولبرايت) رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الامريكي الفترة من 1942م - 1968م قال فيها :(ان امبراطوريات عظمى عديدة قد تداعت في الماضي لأن قادتها لم يتذرعوا بالحكمة والاناة وصواب التقدير في استخدامهم لما يحوزون من قوة) وهو الامر الذي تمنى (فولبرايت) ان تتجنبه وان ذلك يتأتى ب(تبني المفاهيم الانسانية.. والتسامح.. والديمقراطية في علاقاتها مع الدول الاخرى.. وعدم الاهتمام بالقوة العسكرية على حساب الاقتصاد والعلاقات الدولية الحسنة) وهو ما يحدث اليوم في عهد الرئيس الامريكي الثالث والاربعين.. ولعلها بداية النهاية.. وسقوط (النموذج الامريكي)!! اما (ونستون تشرشل) رئيس الحكومة البريطانية الشهير فيقول:(ان عبقرية الدول العظمى ليس في اختيارها للاصدقاء ولكن في اختيارها للاعداء)!! @ حرب (بوش) في العراق سوف تكشف ابعاد اخلاقيات الحرب الامريكية في تدمير الإنسان.. والبنية التحتية.. والبيئة في حرب غير متكافئة ونوع هذه الاخلاقيات التي (تنزع) اسلحة الدمار الشامل العراقية وتغض الطرف عن اسلحة اشد دمارا وفتكا بين ايدي العصابات الاسرائيلية في الارض العربية المحتلة التي تطلق عليها بوقاحة اسم (اسلحة يوم الدين) والتي لا تتورع عن استخدامها ضد امريكا اذا دعت الحاجة!!