تغيرت ملامح سوق الحراج بالدمام .. فبعد ان كان مقصورا على بيع الاثاث المستعمل والمتهالك احيانا اصبح الآن يضم الجديد والماركات العالمية في الملابس .. واصبح رواده من مختلف الفئات والمستويات.. كل يبحث عن الشيء الذي يناسبه وبالسعر الذي يليق به فلم يعد العاملون في هذا السوق فقط اصحاب بسطات .. اليوم هنا وغدا هناك.. بل اصبحت هناك محلات كبيرة رصد اصحابها لها الآلاف من الريالات .. كذلك لم يعد السوق مقصورا على تقديم السلع المستعملة منتهية الصلاحية والتي جعلت السوق - حتى وقت قريب - اشبه بمستودع ، او قل (محرقة) لكل سلعة لا يرغب اهلها في استعمالها، بل ان محلات متخصصة تقدم سلعا حديثة من الاجهزة الكهربائية والاثاث والملابس والاحذية والادوات القرطاسية، بل حتى الدلالين باتوا يزايدون على سلع جديدة تقدم بأوراقها. ومن جانب الزبائن ، تجاوز سوق الحراج مسألة استقبال الاشخاص الباحثين عن سلعة مستعملة ذات سعر رخيص، فلم يعد يقصدها فئات من ذوي الدخل المحدود، بل ان عوائل مشهورة ومعروفة بوضعها المالي الجيد تقصد السوق، وتتبضع وتشتري، مستفيدة من العروض المقدمة، والاسعار، التي لا توجد في الغالب لدى المحلات الاخرى، في الاسواق الاخرى.. والمستثمرون في السوق باتوا من عينات مختلفة، ليسوا من الفئات التقليدية التي فتحت عيونها على الحياة من بوابة سوق الحراج، تتعامل في بيع كل شيء يصل اليها، حيث تتم تعاملات الواحد من هذه النوعية بصورة قديمة، لا تعتمد لغة الحسابات والآلات الحاسبة واجهزة الحاسب الآلي.. في الوقت الحالي بات العديد من المستثمرين في السوق من الفئات التي تتقن الاساليب الحديثة في البيع، كونها تتعامل مع سلع حديثة وزبائن من نوعيات خاصة. مستثمرون عاملون في السوق علقوا على هذا التطور بقولهم ان السوق كانت في زمن سابق مأوى للسلع منتهية الصلاحية، وللاشخاص الراغبين في لقمة العيش، ولم تسعفهم ظروفهم لتحقيق ذلك من خلال وظيفة معينة، وكانت الظروف مهيأة لانتعاش السوق، خصوصا في الثمانينات حيث شهد حركة استبدال للسلع والكماليات بشكل ملحوظ، انعشت معها كل شيء، بما فيها سوق الحراج، الذي افرز مجموعة من الشخصيات تظهر معالم الحراج في ملامحها وسلوكها وتصرفاتها.. وسنة بعد سنة كان السوق يستقبل المزيد من السلع، والمزيد من العاملين، الذين يأتون بسلعهم في بعض الاحيان. وصادف هذا الامر ان فئات ليست قليلة من العمالة الوافدة، التي عاشت لسنوات في المملكة، ثم خرجت - لسبب او لآخر - فلم تجد غير سوق الحراج لتصريف بضائعها، وممتلكاتها، والتي بيعت في بعض الاحيان بأسعار رخيصة جدا! واضاف هؤلاء ان الارباح الطائلة التي حققها البعض في السوق، كانت بمثابة اغراء للراغبين في الاستثمار، والمتطلعين لمزيد من العائدات المالية، خصوصا ممن يملكون القدرة على الشراء السريع، لتوافر السيولة لديهم، لذلك جندوا مئات الآلاف في سوق لا يوحي بأن من يعمل فيه يحقق ارباحا طائلة، فبعضهم عمل بنفسه، او فتح الباب امام عمالته الوافدة، والبعض الآخر استكبر ان يعمل كمحرج او كدلال، ففتح محلا خاصا به، فبدأت فكرة تلك المحلات في الانتشار واستتبع ذلك مجيء سلع معينة في تلك المحلات. ولان كل شيء قابل للتطوير فان معلومات السوق تفيد ان العديد من العاملين فيها بيعا او شراء، لم يعودوا ينتظرون السلعة تأتيهم الى السوق، ليقوموا بالمزايدة او المناقصة او (المشاطرة) عليها فحسب، بل راحوا يتعاملون مع المحلات التي تبيع الاثاث او الاجهزة الكهربائية او المعدات او قطع الغيار، او الهواتف، لشراء الاجهزة القديمة المستعملة، او على وشك التلف، ليتم بيعها في السوق، الذي يحوي كل شيء، الى جانب ان بعض البائعين (من السعوديين) يتسكعون بسياراتهم لشراء اي سلعة مستعملة، او يريد اهلها رميها مع النفايات، او يرغبون في التخلص منها. ويعمد البعض الى المشاركة والحضور لعمليات توزيع الارث والتي تتم غالبا بصورة بيع وممتلكات الشخص المتوفى بطريقة المزايدة ضمن اطار عائلي محدود، ليتم نقل تلك الممتلكات لتباع في سوق الحراج، الذي لم يعد سوقا حراجيا، بل سوقا عاما، لا يخضع لعمليات المزايدة في كثير من السلع. واشارت المعلومات نفسها الى انه في السنوات الاخيرة زادت الحركة التجارية في السوق، لان قطاعا ليس قليلا من العاملين باتوا يستوردون سلعا، قد لا تجد لها تصريفا او بيعا الا في هذا السوق، حيث تعرض ارقى انواع الهواتف الثابتة المحمولة، وافخر اجهزة التسجيل، وخلاطات الفواكه، والساعات، وكلها بدون ضمان، لانها مستوردة، بطريقة معينة - من احدى دول مجلس التعاون الخليجي، التي اشتهرت في الآونة الاخيرة بانتشار البضائع قليلة الجودة ، منخفضة السعر (وهي من انتاج آسيوي او اوروبي شرقي) وجدت لها - بقدرة قادر موطأ قدم في الاسواق المحلية، وكان الطريق الاوسع والاكثر حيوية لها هو سوق الحراج، او الاسواق المتولدة عنه والتي يطلق عليها مصطلح (تسوق واقفا)، حيث ان التعاملات فيها تتم بالوقوف، دون محلات او فواتير.. تماما كما كان الوضع في سوق الحراج قبل 30 عاما، كما ان هناك بعض المواقع في السوق لاتزال تعتمد الوسيلة القديمة ايضا. ويقول هؤلاء أن هذه السلع ربما عرفت من اين اتت، فهناك المئات من السلع، لا يعرف مصدرها، حتى ان احدهم قال : لقد سرقت دراجة ابني قبل اعوام، ووجدتها في سوق الحراج. ويبدي العديد من المتعاملين مع هذا السوق مجموعة ملاحظات جديرة بالتوقف، اولاها ان السوق بات يحوي كل شيء، الجيد والاقل جودة، والرديء والاقل رداءة، ورغم ان الخيار للزبون او العميل، الا انه قد يقع ضحية دون ان يشعر، فقد يشتري سلعة ظنا منه انها في حالة جيدة، ليكتشف العكس، او يشتري سلعة يظن انها جديدة ثم يكتشف عكس ذلك وبالتالي فهناك الغش التجاري، الذي لا يملك المستهلك او المشتري حياله (خيار العيب) او (خيار الغبن) لان تاجر اليوم قد لا يأتي غدا، ولان السلعة تباع بدون ضمان. والملاحظة الثانية ان السوق قناة جيدة لتصريف المخزون الراكد، خاصة في ظل الحالة الموسمية التي تسيطر على الاسواق الاستهلاكية، فالدفاتر التي تباع هذا العام، هي من مخلفات او متبقيات العام الماضي، كذلك بالنسبة للاحذية والملابس وتظهر امام الرائي بأنها جديدة، كونها لم تلمس بعد. والملاحظة الثالثة ان هناك تلاعبات عدة، كأن يقوم البائع بالتحريج على سلعة، اذا لم تعجبه نتيجة المزاد لوقف عملية البيع، او يكون طرفا في المزايدة، لتسقط السلعة في النهاية الى من يشتريها الذي لابد ان ينتظر بعض الحظ، كي يحظى بسلعة يتطلع الى شرائها. واخيرا نكتفي بتعليق احد الزبائن الذي قال : كل شيء قد تجده في سوق الحراج، الا (متعة التسوق)! المحلات كثرت في الحراج.. ونافست نظيراتها في الخارج بعضا من التنسيق يساعد على المظهر ويعطي ثقة اكبر