يشهد العالم العربي حدثا تاريخيا وهو حدث قد لا نعرف مغزاه او نفهم معانيه قبل مرور فترة من الوقت, الخمسون عاما المقبلة لن تكون كالخمسين عاما السابقة, في الخمسين عاما الماضية امعن العرب في بناء انظمة ديكتاتورية، وامعنوا ايضا في بناء انظمة يسيطر عليها العسكريون وسط احتقار شديد للثقافة والحرية ووسط تدن في الخدمات، وتدن في التنمية والحقوق, كل وعود العرب لبعضهم البعض ووعود قادتهم لشعوبهم انتهت الى فشل معزز والى معارك في الهواء والخيال, جوهر الفشل ارتبط بحب غير محدود للسلطة ، اذ ظلت حياة العرب السياسية محكومة الى صراع القوة مما ادى الى تدمير الحياة والاقتصاد والعلم في معظم بلاد العرب، ان عقيدة السلطة اولا هي الكارثة التي ألمت بشعوب المنطقة وهي التي سوف يحاسب العالم العرب عليها, ففي كل بقاع العالم تتغير السلطة بفضل عوامل انتخاب، وتتصارع النخب على كراسي الحكم من خلال صناديق الاقتراع لا من خلال القمع او التصفية او الاستئثار او المتاريس, وما النظام العراقي، كما خبرناه وعرفناه في العقود القليلة الماضية، الا نتاج لهذا الوضع السلبي الشديد التعقيد, فهو تعبير عن الجمود العربي الاوسع في اعمق ابعاده. ولكن التاريخ يؤكد لنا أن الامم التي تحول خبزها اليومي الى صراع قوة وعنف وخوف حول السلطة هي الأمم التي يتخلى عنها التاريخ وتتخلى عنها الحياة, فعقلية التسلط والتفرد الداخلية ادت الى كوارث كثيرة في واقع العرب وادت الى عداء الآخرين لنا وادت الى حروب الآخرين علينا وادت اخيرا الى التدخل الاميركي البريطاني لتغيير النظام العراقي. وما يطرح اليوم عن تغير النظام العراقي هو تعامل مع احد اشد العقد صعوبة في العالم العربي، وهو تعامل مع احد اكثر الانظمة تحجرا وفي الوقت نفسه احد اكثر الانظمة العربية اهمية وقيمة, فالعراق وثرواته، والعراق وتنوعه والعراق وطبيعة سكانه يشكلون عناصر قوة اساسية من الصعب تناغمها في اي دولة عربية اخرى, كما ان جغرافية العراق فيها ذلك الاساس الذي يزيد من قيمة العراق فالعراق يجاور كلاً من تركيا وايران وسوريا والاردن والسعودية والكويت، وهو بالتالي جار لأهم الاقاليم غير العربية في منطقة الشرق الاوسط، وجار لمنطقة الخليج ولبلاد الشام في الوقت نفسه, بمعنى آخر نجد العراق في قلب العالم العربي وعلى حدوده ووسط عواصفه وتنوعه وثرواته, هذه الاهمية الكبرى تجعل العراق بلا منازع اهم دولة عربية من حيث الآفاق والامكانات والاحتمالات، وهذا في حد ذاته يجعل التغيير في العراق فرصة كبيرة للتغير الاوسع في العالم العربي على المديين البعيد والمتوسط (وليس على المدى القصير). ولكن عندما تكون اهم دولة عربية مستنزفة من قبل نظامها وعندما تعيش اهم دولة عربية حالة من الجمود المطلق وتحكمها فئة توجهها نحو صراعات لا حد لها فإن منطقة الشرق الاوسط تكون في مهب الريح, بمعنى آخر ان العقدة العراقية هي عقدة تؤثر في النظام العربي برمته، فوجودها ساهم في تجميد العالم العربي، كما ان حلها وتغيرها قد يساهم هو الآخر في وضع عربي آخر ينطلق من آفاق التغير. ان منطقتنا هي واحدة من أقل المناطق في العالم تعاملا مع التغير، وهي واحدة من اكثر المناطق في العالم جمودا وتراجعا في مؤشرات التنمية بكل انواعها, وقد يكون التغير في العراق كما عرفناه في السنوات الخمس والثلاثين الماضية بداية تجديد في واقع العرب السياسي, فهذا الواقع لن يتغير بين يوم وليلة كما تقول المدرسة المتفائلة، ولكن التاريخ قد يسجل بعد سنوات وربما عقود ان تغير النظام العراقي (مع الأمل بعد ذلك في حل عادل لقضية فلسطين) قد يكون بداية تساؤل العرب عن حالهم وواقعهم وبداية تحملهم لمصيرهم من خلال السعي نحو التجديد السياسي والبناء الذي يرتكز على الإنسان. عن الرأي العام الكويتية