أوضح عميد كلية العلوم السياسية والحقوق بجامعة الملك سعود نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور صالح الخثلان، أن العملية السياسية في العالم العربي تختلف عنها في العالم الغربي، إذ يصنع فيه القرار فارقاً عن العالم الثالث الذي يُتخذ فيه القرار من طرف واحد أو أطراف محددة مؤكداً أن الوضع الحقوقي في المملكة تحسّن بعد إنشاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أخذت على عاتقها الدفاع عن الحقوق الأساسية لمن يعيش على أرض المملكة، مضيفاً أن الجمعية اقترحت تعديلات على نظام الكفالة التي عليها تعديلات كثيرة جداً، ورفعت نظاماً متكاملاً لحامية المستهلك، وهي تنسِّق مع الجهات المختصة في صنع القرارات، وفي الشأن الإقليمي يرى الخثلان أن اختفاء العراق كقوة إقليمية في المنطقة فتح المجال أمام إيران لتزيد من تدخلاتها في المنطقة، محاولة فرض نفوذها أمام السعودية التي تستحوذ على النفوذ الطبيعي لدول الخليج، مذكراً بأن الثورات العربية ستغيِّر المنطقة، بشرط أن يكون هناك استقرار في المناطق التي تمت فيها الثورات... فإلى نص الحوار: كثيرون يتخوفون من الدخول لعالم السياسة، وأنت وضعت قدمك على سلم السياسة منذ الجامعة، هل دخلت هذا العالم برغبة منك أو بتنسيق من الجامعة أو وجدت نفسك فيه؟ - أستطيع أن أقول لك إنها رغبة، فأحدنا يتخرج من الثانوية وليست لديه معرفة دقيقة بالتخصصات، ولا أدري اللحظة التي اخترت فيها القسم السياسي فليست هي حاضرة في ذهني، لكن بطبعي لمّا كنت في الثانوي كنت نشطاً دائماً، ولي مشاركات في الأنشطة اللاصفية، وتأكد من خلال المقررات التي أخذتها التي تُعنى بملابسات قضية السلطة، وهي داخلة في حياتنا بشكل كبير جداً، خصوصاً في العالم الثالث. وفي الدول المتقدمة تجد السلطة حاضرة في كل مكان، إضافة إلى ذلك الفترة التي درست فيها في الثمانينات كانت السعودية في الفترة الذهبية في النشاط الثقافي وهذا أثر في الاهتمام بقضايا الشأن السياسي. العلوم السياسية كيف كانت نظرة الناس لقسم العلوم السياسية في بداية الثمانينات؟ - هل تعلم أنه حتى الآن لا يزال التوجّس موجوداً ولكن أقل طبعاً، لكن البعض يستغرب من وجود قسم للعلوم السياسية في المملكة، مثلاً أذكر في مناسبة قبل سنة خارج المملكة لما عرّفت بنفسي أني أستاذ في قسم العلوم السياسية استغربوا، مع أن القسم من أوائل الأقسام في جامعة الملك سعود، ومرّ عليه الآن أكثر من 40 سنة، ويمكن السبب في أن ثقافتنا المحلية فيها عزوف عن السياسة. وهل النظرة الآن أصبحت عادية؟ - الآن أصبح الناس في حياتهم يأكلون ويشربون سياسة، وهذه مسألة لا مفر منها في العالم النامي، لأن السلطة في العالم النامي مخترقة حياة الإنسان بشكل عام، ولعلها تفسّر اهتمام الناس. لك أكثر من 30 سنة وأنت في العلوم السياسية، سواء طالباً أو معلماً أو مشرفاً على كثير من النشاطات، هل تغيّرت أبجديات السياسة منذ 30 عاماً؟ - القضايا الأساسية في السياسة كتخصص أو في مجال نشاط اجتماعي أو إنساني لم تتغيّر، لكن يمكن أن آليات التعاطي مع القضايا السياسية تغيّرت بفعل العولمة وانفتاح الناس على المجتمعات الأخرى وتعرفهم على نماذج جديدة، وفي ما يتعلق بإدارة الشأن السياسي تغيَّرت. لكن أبجديات القضايا الأساسية التي كانت مبحوثة منذ بداية القضايا السياسية لا تزال هي قضية مصدر السلطة من يملكها ومن يستحقها وكيف تنظمها، وهذه مسائل أساسية لم تتغيّر، وكما تتعلق بالسلطة والعدل تتعلق بالحرية فهذه وسائل ثابتة، وهناك بحثٌ قلقٌ ودائمٌ بشأن هذه الأسئلة، وعلى سبيل المثال في النظام السياسي السؤال الدائم ما النظام السياسي الأنسب؟ خريجو العلوم السياسية لماذا دائماً يتجهون لوظائف بعيدة عن تخصصهم؟ - الكثير من خريجي أقسام العلوم السياسية في الجامعات السعودية يلتحقون بوظائف في مجال تخصصهم في الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، وبعضهم يتوجه لوظائف لها علاقة مباشرة بالتخصص، وأقول مباشرة لأن كل شيء في هذه الحياة يكاد يرتبط بالسياسة بشكل أو بآخر، التحاق خريجي القسم بوظائف خارج التخصص خصوصاً في القطاع الخاص يعد ميزة وليس عيباً أو مأخذاً، فهي تعني أنهم تخرجو بمعارف تؤهلهم للالتحاق بمثل هذه الوظائف. على سبيل المثال، نجد أن كثيراً من خريجي القسم يعملون في وظائف في البنوك، وإذا عرفنا صعوبة الحصول على وظائف في القطاع البنكي يتأكد لنا تميّز خريجي القسم، وهو ما أهلهم للحصول على هذه الوظائف. لقد ظهر لنا أن مسؤولي التوظيف في القطاع البنكي يقدرون لطلاب العلوم السياسية ما يظهرونه أثناء المقابلة للوظيفة من قدرة على التعامل مع المشكلات، وعقلية منفتحة على البدائل كافة للتعاطي معها، هذه المهارة اكتسبوها من خلال المناهج في تخصص العلوم السياسية التي تتعاطى مع القضايا كافة كمشكلات يمكن معالجتها من خلال الاختيار بين بدائل كثيرة. كما نعلم أن لك تعاطياً كبيراً مع السياسة العربية وأيضاً لك احتكاك بالسياسة الأميركية بحكم دراستك الماجستير والدكتوراه فيها، على ماذا ترتكز السياسة العربية، وبالمقابل على ماذا ترتكز السياسة الأميركية والإسرائيلية؟ - هناك أشياء مشتركة في السياسة في كل العالم سواء سياسة أميركية أو عربية، لكن السياسة الأميركية تجد فيها النظام الديموقراطي والمشاركة في صنع القرار أوسع وأشمل، وكذلك هناك مجال لقنوات التأثير في السياسة. والعالم العربي يختلف بحكم طبيعة الأنظمة السياسية العربية المختلفة باختلاف دائرة اتخاذ القرار، ولذلك في الولاياتالمتحدة البدائل للتعامل مع القضايا المختلفة أكثر، ولأن المشاركة في صناعة القرار كثيرة، فيما في العالم الثالث البدائل أقل، ويقال لذلك إذا كانت السياسة الخارجية في الدول الغربية تُصنع فهي تُتخذ في الدول العربية من فرد أو مجموعة من الناس، ويكون رد فعل أو أكثر من المبادرة، على عكس دول العالم الأول. مع المبادرة الفلسطينية لمقعد في الأممالمتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، هل تغيّرت اللعبة السياسية العربية وطريقة أداء اللاعبين؟ - اللعبة لم تتغير كثيراً، لكن تغيّرت بسبب الاحتجاجات قليلاً، هذا بافتراض الاستقرار في المناطق التي وصلت إليها الاحتجاجات، وهذا التغيّر في السياسة الداخلية والخارجية، لكن في ما يتعلق بالسؤال عن التقدم الفلسطيني لنيل مقعدٍ في الأممالمتحدة فهذا لا يعكس تغيّراً في إدارة الصراع العربي - الإسرائيلي، ولكنه يمكن أن يعكس إدراكاً من السلطة لأهمية البعد الدولي، وهذا كان غير مدرك من قبل، لأنه يكاد يكون محسوماً بأن الدولة الأقوى في العالم في صف إسرائيل، وبقية الدول تدور في فلكها. الأقطاب في السياسة هل سنرى في الأفق بروز أقطاب جديدة موازية للقطب الأميركي بعد انسحاب القطب السوفياتي ومتى بالتحديد؟ - هذا السؤال مطروح، وهناك من يتحدث عن الصين بأنها القوة الصاعدة، وأنها ستنافس الولاياتالمتحدة، وهذا لن يتحقق بسبب أن الدول المنافسة للولايات المتحدة دول كبيرة لم تصل إلى حد الدول العظمى، التي تُعرّف بأنها عندها الرغبة والقدرة على الوصول إلى كل مكان في العالم، وعندها المصلحة لتصل إلى أي مكان في العالم، وعندها حس رسالي كنشر مفاهيم جديدة مثل الديموقراطية. والاتحاد السوفياتي كان لديه هذا الحس في نشر الشيوعية، والصين ليست لديها رسالة، وأظن أن مستقبل العالم ليس ملائماً لفكرة الأقطاب بسبب العولمة، ولأن قضايا العالم تتداخل فيكون الأقطاب موجودين لكن من دون تدخل. لك دراسة عن الاتحاد السوفياتي... هل أصبحت كل قوة الاتحاد السوفياتي في روسيا وكل ضعفه بالجمهوريات المحيطة به؟ - المشكلة مشتركة بين روسيا وبقية الجمهوريات ال15، ومشكلة الاتحاد السوفياتي أنه استمر فترة طويلة وكان قوياً على جميع المستويات، ولكن لاحقاً بدأت تدب فيه مشكلات الجمود والترهل، إضافة إلى أنه دخل في أكبر مشروع للتطور الاقتصادي والاجتماعي، ولكن النظام السياسي والعسكري أبى أن يتكيف مع هذه النجاحات، وأصبحت هناك فجوة، ولذلك أصبحت الإشكالية هناك كبيرة، فحاول غورباتشوف أن يحل هذه الإشكالية، ويمنع سقوط الدولة، والنظام السياسي هناك قائم على هيمنة أحادية، وفي النهاية كان الوقت متأخراً جداً فتحول الأمر إلى تفكيك. عام 1990 شكّل علامة فارقة في العالم بأسره (حرب الخليج الأولى – تفكك الاتحاد السوفياتي – سقوط جدار برلين)، هل للأمر علاقة بتصوّر مسبق أم أنه وليد الصدفة؟ - لا شك أن القدر موجود في كل وقت، لكن فكرة التخطيط تعيدك إلى المؤامرة، وهذا يعود إلى الفكر العربي الذي يجعله سهلاً، وأنا أظن أنه عائق في التفكير العربي، لأن الإنسان إذا سلّم نفسه ة في النهاية تعود له بأثر سلبي، ولا شك أن الدول تبحث عن مصالحها بأي شكل كان، وتبحث وتخطط لما تريد، والنتيجة أن التسليم بنظام المؤامرة مدمر. وعودة لأحداث عام 90 فقد أتت متراكبة، فأولاً الاتحاد السوفياتي كان في آخر مراحل التفكك بعد إصلاحات غورباتشوف، وفي تلك الفترة كان كقطب مع النظام الدولي وكابحاً لمراهقات النظام العالمي، وللعراق علاقة مميزة مع الاتحاد السوفياتي وكانت تحركاته بتنسيق معه بسبب المصالح المشتركة. وفي ظل التدهور في العلاقة بين الطرفين أتى قرار الغزو لأن الكابح كان غائباً، وهنا يأتي البعد الدولي الذي جعل العراق يتصرف بطريقة فردية، والبعد الآخر هو العولمة، وجدار برلين الذي أتى لإصلاحات غورباتشوف التي أثرت في دول أوروبا الشرقية، وهذه كانت تريد الخروج من عبارة الأخ الأكبر، وأرادت الخروج مع رفع الاتحاد السوفياتي يده عن الجميع وعن أوروبا أيضاً. بعدها بعقد حصلت أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، والآن بعدها بعقد حصلت الثورات العربية، هل لكل عقد مفتاح يُفتح به أو يغلق؟ - لا أدري عن فكرة العقد، لكن كل هذه الأحداث مترابطة، فأحداث الهجمات وما تبعها من سياسة أميركية ذات توجه واحد تسعى للسيطرة على العالم، كانت مرتبطة بما حدث في التسعينات، لأنه في نهاية التسعينات كان هناك حديث عند بعض النخب الأميركية بأن بلادهم لم تعد تسيطر على العالم بعد انتهاء الحرب الباردة. بعدما حدث في منتصف التسعينات وما بعده أصبح القرار جماعياً، وكان ذلك في الفترة التي يحكم فيها واشنطن الديموقراطي بيل كيلنتون، وكان لدى الجمهوريين شعور بأن بلادهم لم تعد تستمتع بالنصر على الشيوعية، فكانت الهجمات فرصة لتأكيد الهيمنة الأميركية وأن الولاياتالمتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، فلذلك كان رد فعلهم عنيفاً، ولذلك قال بوش مباشرة بعد الهجمات إن خريطة 60 دولة ستتغير، وكأنها فرصة واستثمرت لإعادة تأكيد أن الولاياتالمتحدة هي القطب، وأتت لفرض القطب الوحيد. التعامل مع إيران مع هذا التغير رأينا تنمراً في التعامل الإيراني ورغبة في الخروج إلى خارج حدود الوطن، ما الذي أخرج المارد من قمقمه؟ - نحاول تفسير هذه النزعة المتشددة لإيران بسببين، الأول متعلق بداخل إيران، والثاني متعلق بالبيئة الإقليمية التي تعيش فيها إيران، والقضية الكبيرة التي فتحت المجال هي القضاء على دولة العراق كقوة إقليمية، وهو السبب الرئيسي في هذا الخروج وما خلق من فراغ الاستراتيجي جعل إيران تستثمره، وبعده مباشرة وصل إلى الحكم في إيران أحمدي نجاد وهو يمثل تياراً فكرياً متشدداً عنده رؤية أيديولوجية يريد إيصالها إلى العالم وهو خط متشدد جداً وهذا السبب الأول الداخلي. إذا تغيرت هذه الموازين هل تعود إيران إلى الداخل بحكم أن الانتخابات مفتوحة النتائج؟ - لا شك أن الإشكالية الدائمة هي الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين، لكن إيران حققت مكاسب عالية خارجياً وإقليمياً ونفوذها في المنطقة زاد كثيراً، على عكس الداخل الذي خسر كثيراً من العزلة الدولية، فبسبب الانعكاسات أظن أن الخط الإصلاحي إذا عاد إلى الحكم يعود إلى سابق عهده، لأن هذا في مصلحة إيران أولاً، وإبقائها داخل البلد بعيداً عن الانتصارات التي يدفع المواطنون ثمنها. في هذه الأجواء كيف تستطيع دول الخليج مقارعة هذا المد الإيراني؟ دول الخليج بدأت الآن في مواجهة المد الإيراني في المنطقة، ولكن هل توجد استراتيجية موحّدة؟ وهذا سؤال لا أجد إجابة عليه لأن كل دولة لها سياستها المستقلة، ولكن التنسيق المشترك بينها ضعيف، فكل دولة لها علاقتها المستقبلية، ولكن الدولة الأهم هي المملكة التي فتحت الطريق أمام إيران لكسر عزلتها، ولو تذكرنا زيارة الملك عبدالله حين كان ولياً للعهد لإيران في قمة المؤتمر الإسلامي كانت بداية لكسر عزلة إيران، وهو ما فتح لها الطريق للعودة إلى الجوار العربي، وتحسَّنت علاقتها مع دول المنطقة، فالمملكة دولة استراتيجية في التعامل مع إيران. والمسألة هي صراع نفوذ كان موزعاً بين المملكة وإيران والعراق التي خرجت من الساحة، فبقيت إيران والمملكة التي هي دولة محورية، تستطيع أن تحجِّم المحاولات الإيرانية، والمملكة لا تريد ذلك لأنها لا تريد أن تدخل في مواجهات، وهي تشعر بالخطر لمحاولة إيران الحصول على الطاقة النووية، ولكنها تحاول أن تواجه بالتواصل مع الإيرانيين والدول العربية التي لن تسعى إلى مواجهة شاملة، لأننا ندرك أن مثل هذه المواجهات لها ثمن، ولذلك يكون المخرج هو التغيير الداخلي لتواجه التشدد الإيراني وهذا ما نراهن عليه، وأتمنى إبعاد العقائد والمذاهب عن الصراع لأن له خطراً مستقبلياً، والأدوات الاقتصادية والسياسية في يد الدول، وإنما دائماً البعد الطائفي يكون أثره على الشعب، وأثره عكسي وسيئ، باستثناء ذلك يجوز استخدام كل وسائل العمل السياسي. المكون الطائفي ما المشكلة السياسية في المكوِّن الطائفي في المملكة؟ - صياغة السؤال بهذا الشكل قد لا تكون دقيقة في توصيف هذه القضية وقد تضر بطريقة معالجتها، فالمشكلة في البيئة السياسية في المطلق وليس في مكون اجتماعي بعينه، هذه القضية يلتبسها الكثير من سوء الفهم وكذلك التشويه المقصود أحياناً، والمسؤولية في ذلك تقع على عاتق النخب باختلاف اتجاهاتها الفكرية ومواقعها السياسية. هناك حقائق وهناك أوهام أيضاً، لكننا لا نستطيع فرز الحقيقة من الوهم بسبب طغيان العاطفة في التعامل مع هذا النوع من القضايا، السؤال المهم الذي يجب أن نبحث عن إجابة له هو لماذا ينزع البعض إلى النظر إلى كل مشكلة تحدث لهم من زاوية التمييز ضدهم؟ علينا أن نسأل أنفسنا هل هذا التفسير مبرر لنسعى لمعالجته؟ وإذا كان غير ذلك فعلينا تبيانه من خلال مكاشفة حقيقية بعيدة عن التشنج والشحن، يؤلمني حقاً التعبئة والشحن الطائفي عند كل حدث له علاقة بهذه القضية كما نقرأ ونسمع هذه الأيام. كما أن من الخطأ الكبير أيضاً إدخال البعد الخارجي من خلال الحديث عن جهات خارجية، فمثل هذا الطرح ينفي أي أسباب موضوعية لهذه القضية وهذا موقف غير صحيح، كما أنه يبالغ في قوة هذه القوى الخارجية - المتربصة بنا - ويصورنا ضحايا لا حول لها ولا قوة. من يتبنى هذه الرؤية للأسف يسيء للمملكة ولمكانتها الإقليمية والدولية، ويجعلها في خطر دائم من قوة إقليمية أخرى وتحت رحمتها، نعم هناك تنافس يصل إلى حد الصراع مع إيران بتوجهاتها المتطرفة، لكن علينا الحذر من التعاطي مع قضايانا الوطنية في إطار هذا الصراع. التدين والسياسة هل نستطيع أن نقول إن هناك فكراً سياسياً مرتبطاً بالتدين، وحول ماذا يدور فكرها السياسي؟ - لنبحث عن إجابة لسؤالك، ونقول إن هذا الاتجاه الإسلامي - إذا جاز لنا وصفه كذلك - يتفرع من رؤية دينية أشمل تتمثل في المدرسة السلفية بتفرعاتها المختلفة، التي توصف بأنها تتجنب السياسة في المطلق. ولذلك قد لا يستقيم السؤال إن كان لها فكر سياسي أم لا، ومع ذلك فإن واقع الحال يشير إلى أن تجنب السياسة - إذا صح هذا الزعم - يعد موقفاً سياسياً بحد ذاته، ويعبّر عن رؤية سياسية يمكن تلخيصها بالحرص الشديد لأصحاب هذه الرؤية على المحافظة على الأمر الواقع من دون تغيير مهما كان هذا الواقع سيئاً، خشية من أن يُحدث التغيير فراغاً واضطراباً. فوفقاً لهذه الرؤية يجب تقديم الدعم السياسي للحاكم ما دام ملتزماً بتطبيق الشرع، هذا الموقف المبدئي ضد التغيير حتى لو كان هذا التغيير إيجابياً ينطلق من التزام بعدم الخروج على الحاكم خشية من الفتنة والاضطراب، السلفيون إذاً يقدمون الاستقرار السياسي على ما عداه من ضرورات للمجتمع الإنساني. في العقود الأخيرة شهد هذا الموقف السلبي من السياسة والرافض للمشاركة فيها تحولاً مهماً بسبب الاختلاط باتجاهات دينية أخرى، وهو ما أفرز تياراً سلفياً حركياً يسعى للتغيير حتى بالعنف، وعلى رغم أن أصحاب هذا التيار الجديد لا يختلفون مع السلفية التقليدية في أن الأولوية لتطبيق الشرع، إلا أن مفهوم الشرع عند هؤلاء أصبح أكثر اتساعاً ليشمل قضايا كانت مغيبة في السابق، مثل السياسة الخارجية والحق في المشاركة وتوزيع الثورة. كيف ترى بيئة حقوق الإنسان في السعودية في الألفية الجديدة؟ - هناك نقلة كبيرة، أهمها أن مفهوم حقوق الإنسان أصبح يومياً في عقل السعودي، لأنها قبل ذلك كانت موجودة في الكتب وغير ذلك لم تكن موجودة، الآن وتحديداً بعد إنشاء جمعية حقوق الإنسان وما تلاها أصبحت هذه الكلمة موجودة، وهذا هو الإنجاز. ألا يوجد تعارض بين عمل الجمعية وهيئة حقوق الإنسان؟ - لا يوجد تعارض وهدفهما واحد وهو حماية حقوق الإنسان، والتأكد من التزام الأجهزة الحكومية بحقوق الإنسان كما هو موجود في الشريعة والنظام الأساسي للحكم والمواثيق الدولية. لكن الفرق الوحيد أن الهيئة هي جهاز رسمي مسؤول عن تمثيل المملكة في المحافل الدولية والدفاع عن السعودية، فيما الجمعية تطوعية أهلية للبحث عن التجاوزات، والفرق الآخر أن المساحة المتاحة للتحرك لدى الجمعية أكثر كونها جهازاً غير رسمي. هل هناك اعتماد عليكم في سن القوانين؟ - نحن من مهماتنا أن نقترح تعديل أنظمة قائمة أو حتى اقتراح مشاريع أنظمة، والجمعية سبق لها أن اقترحت أنظمة، مثل نظام الكفالة الذي عليه تعديلات كثيرة جداً، ورفعنا نظاماً متكاملاً لحماية المستهلك، وهي تنسق مع الجهات المختصة في صنع القرارات. وفي كثير من القضايا التي طرحت أخيراً في وسائل الإعلام كانت الجمعية حاضرة من خلال التقارير لمعالجة السلبيات، وكثير من القرارات التي طرحت لمشكلات سبق للجمعية أن طرحتها مثل البطالة والسكن. الطبقات غير المُعلّمة مثل (البدون – المواليد – البرناوية) التي ليس لها تشكيل واضح ومرتبطة بالأرض السعودية، ماذا قدمت لهم الجمعية لحل مشكلتهم؟ - البدون أو من لا يملكون هوية هؤلاء قضية أساسية في الجمعية الوطنية وملف رئيسي، ولنا تواصل مع «الداخلية» لمعالجة إنسانية لهم وربما تأخذ الأمور وقتها، ولكن هناك فئات تعيش في المملكة ولا تحمل هويات لسبب ما. نحن نتحرك في هذه القضايا ونركز على الجانب الإنساني، لأن عدم وضوح هوياتهم أو حملهم إثباتاً، فيه حرمان من حقوق أساسية كثيرة يحرمون منها لسبب غير واضح. هل تشعر بحكم وضعك كنائب للجمعية بتغير في عقلية التعامل في وسط المجتمع السعودي؟ - إلى حد ما نعم، ولكن لا نزال نأمل بالأفضل فنحن بحاجة إلى فترة للتغير نحو حقوق الإنسان الأساسية، وهذا الخطاب موجّه للقائمين على الأجهزة التنفيذية. والناس أصبحوا يفكرون قبل الفعل لوجود حقوق الإنسان في أذهانهم، ونحن بحاجة لفترة أطول حتى تصبح حقوق الإنسان معياراً أو فاصلاً قبل الفعل ورود الفعل. ما هي أكثر الفئات التي تراجع الجمعية؟ - السجناء هم أكثر من يراجع الجمعية، والجمعية تهتم بأمورهم القانونية والنظامية، وهل حكم عليهم، والجمعية لديها فريق مستشارين قانونيين. بماذا خرجتم من الزيارات التفقدية؟ - الجمعية تقوم بهذه الزيارات سواء للسجون أو المستشفيات أو غيرها من الأجهزة، وبعضها بتنسيق أو من دون تنسيق، والتنسيق ليس عيباً، بل هذه الأجهزة ترحب بالزيارات لأنها تجد عوناً لأن الكثير من المشكلات التي تعاني منها الأجهزة ليست هي سببها. ولذلك نجد دائماً الدعوات لأن الجمعية تبحث عن المصلحة العامة في أن تجد شريكاً في العمل العام لحياديتها، ولما يحدث من احتكاك مع بعض الجهات فنحن غالباً نحرص على التنسيق، لأن الجهات تريد أن تنقل الصورة كما وقعت. الثورات العربية نتيجة لعقود طويلة من الجمود السياسي سيرة ذانية...