وقفتُ ممَّا يلي الشغف على يمين الغواية أفاوض الوجدَ على ما تبقَّى من روحي، وحرارة الانتظار تسري في أعصاب المكان.. غيمةٌ من الفتنة تتمشَّى باتجاهي.. رشاقتُها تُدَلِّكُ عمودَ الأرضِ الفقريّ. لِقدميها مفاتيح تجيد دوزنة الخطى.. لِحذائها وترٌ يحسن عزف الممشى.. لِعباءتها جسدٌ يفتنُّ في اختراع الرقص .. وأنزلقُ في الالتباس: أيُّ معنىً للعبث غير مقارنتها بالغيمة. في نظري إليها تحوَّلتُ إلى روحٍ لا يشغلُها في الجسد عضوٌ عن عضو. نظري إلى خصرها لم يشغلْني عن العينين.. نظري إلى عينيها لم يشغلْني عن الخصر. وقفتُ ملطَّخا بِحَمَأِ التجربة أؤثِّثُ مائدةَ العاشقين بِلُغَةِ الخَبَر: آهةٌ لا تستخرج أحشائي ليست آهةَ شوق.. شهقةٌ لا تستطيع ابتلاعي ليست شقهةَ وجد. وحينما التقينا استقال المكانُ ولم يبق في اللغة إلا مفردةٌ واحدةٌ تعمل بجدٍّ ومهارة: أحبِّك. اصْطَفَقَتْ جدائلُها مثل جماهيرَ أفريقيَّةٍ خَرَجَتْ في مظاهرة وقالت: العاشقاتُ حولك كثيرات. قلتُ: مُمَثِّلاَتٌ هامشيَّاتٌ في مشهدٍ عارٍ.. هِيَ كانت تُقَلِّمُ الأَهِلَّةَ من أطرافِ أصابعِها وأنا أَلُمُّها هلالاً فهلالاً في دائرةٍ على يدي حتَّى اكتمل القمر.. عَشَرَةُ أَهِلَّةٍ تَوَحَّدَتْ على راحةِ كفِّي فأَحالَتْهاَ إلى سماء. كان المساءُ محتشداً بالمواعيد ومختمراً بالعناقيد.. قَطَّعْناَ أهدابَنا عنوانَ سَهَرٍ وكنَّا نغتسلُ في بحيرةٍ من موسيقا.. نغطسُ في أعماق النايِ ونطفو على سطح الكمنجةِ ونتراشقُ بموجاتٍ من الأغاني الدافئة. وفي الطريق الممتدَّةِ بين المخيَّلةِ والذاكرة عبرنا على جسرٍ شاهقٍ يلتقطُ مسافتَهُ من قامةِ أحلامنا. أَلَمَّ بنا شوقُ البذرةِ إلى معانقة الضوء.. دخلنا في حظيرة الشهوةِ وكدنا أن نتجاذبَ أطرافَ الصهيل.. اصْطَفَقَتْ جدائلُها مثل جماهيرَ أفريقيَّةٍ خَرَجَتْ في مظاهرة، وقالت: العاشقاتُ حولك كثيرات. قلتُ: مُمَثِّلاَتٌ هامشيَّاتٌ في مشهدٍ عارٍ إلا من نجمةٍ واحدةٍ.. حكاياتُهُنَّ تغيبُ خلف حكايتكِ وأسماؤهُنَّ تتلاشى وراء اسمكِ كأنْ ليس لهُنَّ أسماءٌ ولا لحضورهِنَّ ملحٌ كافٍ للحفاظ على الذكرياتِ من العفن.. بينما قليلٌ من ملحِ حضورِكِ يكفي كي لا تَتَعَفَّنَ أيامي. دخلنا معاً في خارطة اللذة ولَهَوْناَ بتضاريسها الشَّهِيَّةِ حتى النقطة الأخيرة من حدود الشبق.. تَمَرَّغْناَ كالغزلانِ في حرير الهُنيهاتِ الهاربة من الفردوس.. طوَّقَني سهلان من القمح ممتدَّان على ذراعيها ووجدتُني أسبحُ في حوضٍ من الياسمينِ بين ربوتَينِ ناضجتينِ على الترائب.. وبينما كنَّا نحطِّم أضلاعَ البردِ بالعناق.. بينما كنَّا كذلك.. فجأةً.. نَعَتَتْ نَفْسَهاَ بالخطيئة فتَفَشَّى الحزنُ على وجهي مثلما تَتَفَشَّى الرغباتُ.. بكيتُ بعدد ما في (الأحساءِ) من نخيلٍ.. مسحتُ دمعي بمنديلٍ من السعفات.