صعبة الصورة المنقولة من بغداد، صعب الحديث عنها والتعليق عليها، صعب السؤال حولها، تبرأت منك الاجوبة وحاصرتك الاكاذيب، إلا أن للصورة حقيقة واضحة، مهما عصت عليك وآلمتك وورطتك وخنقتك وأوصلتك الى الاعتراف بأنك تخون كل خلاياك، فانها تقول لك عش مر المرارة، وتبلد حتى تأكلك الديدان وانت في مكانك. الصورة من أزقة بغداد صاعقة.. بين بيوت المستضعفين من الاطفال والنساء لا تعترف بحق بوش وبلير فيما يفعلانه، ولا تعترف بحق نظام صدام فيما اوصلهم الى ماهم فيه من جحيم. الصورة من بغداد مرعبة.. فيها اسماعيل بلا أم وبلا أب وبلا أخ وبلا سبعة من أقاربه كان ينام في دفئهم.. اسماعيل ايضاً وعى من الصدمة الكبرى ووعى على الحزن الأكبر ووعى على المصير المحتوم بلا يدين، وصدر أحرقته القنبلة.. صبي نام ونامت بقربه كل أحلام الصبا، كان قد توسد العراق وغرق في دجلة آمالها. الصورة من بغداد فاجعة.. يخرج المواطن العراقي البسيط من غرفته رافعا يديه للسادة الذين دخلوا بيته، تخرج زوجته بحجابها رافعة يديها فوق رأسها ويخرج من خلفها ابناؤها الثلاثة، اصغرهم طفلة ترفع يديها مستسلمة لاصحاب البنادق.. بلعوا الرعب امام فوهات الرصاص في منتصف البيت الذين كان آمنا بالصلاة والتقوى. الصورة من بغداد تقرأها العين من اليمين الى اليسار ومن الشمال الى الجنوب ولا تحيلك الا لجهة واحدة، جهة السؤال الذي تذلك اجابته: من الذي ثمن المواطن العراقي بهذا الرخص؟ من الذي اوصله الى هذا؟ من حكم عليه ان يكون "فدوة" لخطأ لم يرتكبه؟ قاتل الله من يرسم لنا الصورة في العراق اليوم، لأنها كارثية، متعبة، قاتلة للضمير، حارقة للصدر. الصورة من بغداد لن ترحمنا بعد الله.. هكذا قتلوا..هكذا احرقوا.. هكذا اهينوا.. هكذا تمرغت من خلالهم كل خلايا الكرامة العربية، داسها، سحقها، ضحك عليها، سفكها، سفحها الغريب. الصورة من بغداد قاتلة.. اقتلها، اقتل من ينجر لها البرواز ومن يضعه على رف النخوة لينزعها، اقتل كل المشهد ومن يضيئه بالنوايا الكريهة، والعن عني هتلرها القديم والجديد. اللهم اطفئ شعاعها حتى لاتعمى البصيرة قبل البصر وتفيق العروبة فينا على ذلها الأشد!!