يجمع عامة الناس وخاصتهم علىان الديمقراطية سلاحا فعالا لمحاربة الطغيان والاستبداد، هكذا روج الغرب للديمقراطية، وسوقها في الدول النامية لتمهد له الطريق حتى يعيث فسادا في المنظومة الاخلاقية لتلك الدول، وكأن الهدف من الديمقراطية ليس تحرير الشعوب من طغيان حكامها واستبدادهم، وانما هو استبدال الطغيان والاستبداد بما هو اشد ضراوة وقسوة، ولو أدى الأمر الى استخدام السلاح، ليتحول سلاح الديمقراطية الى ديمقراطية السلاح، وهو اصطلاح يمكن فهمه على ضوء ما يجري في العراق من احداث افرزت اعدادا كبيرة من الضحايا من جميع الفئات المدنية، حتى طال الأمر رجال الاعلام من مراسلي القنوات الفضائية التي استهدفها السلاح الامريكي مع سبق الاصرار والترصد، وذهب ضحية ذلك اشخاص كانت كل اهدافهم نقل حقائق الحرب كما رأوها ليعرف المشاهدون قسوة الحرب وهمجية منفذيها ومن جرهم اليها. فما ذنب المراسل الذي جازف بحياته في سبيل أداء رسالته الاعلامية، وهو يخدم المؤسسة التي ينتمي اليها، ويعمل على تطوير خدماتها، حتى وان أدى الأمر الى تعرضه لأخطار، لايقبل العقل ان يكون من بينها القتل المتعمد، وهذا ما تقوم به آلة الموت الامريكية التي لم يسلم من اذاها الاطفال والنساء والعجائز، لأنها لا تفرق بين الثابت والمتحرك، فهل هذه هي الديمقراطية التي اراد التحالف الأنجلو امريكي ان يسوقها نيابة عن اسرائيل في العراق؟ ان استهداف المراسلين الصحفيين دليل على عشوائية هذه الحرب التي سميت حرب الخليج الثالثة والخليج لاناقة له فيها ولا جمل، انما هي حرب أنجلو امريكية، ضد الشعب العربي المسلم في العراق، وهو شعب لن ينهزم ايمانه ولا كرامته، حتى لو انهزم عسكره وجلادوه، وكأنما ارادوا بتلك التسمية ان يحملوا دول الخليج شيئا من اعباء هذه الحرب المرفوضة دوليا واخلاقيا، لأنها لا تستند الى أي مبرر، او غطاء من الشرعية الدولية التي تزعم الدول الكبرى حمايتها، واذا بها تنتهكها في مناسبات عديدة ومختلفة لن تكون آخرها هذه الحرب. واذا كان الاعلام لا يلقى سوى هذه المعاملة المجحفة من قوات التحالف، فأي ديمقراطية يمكن ان تبشر بها هذه القوات، وأي أساليب او قيم (حضارية) ستتعامل بها مع العراقيين بعد نهاية هذه الحرب الغاشمة؟ واخشى ما نخشاه أن يكون العراقيون كالمستجير من الرمضاء بالنار. ان من يروج لقيم التمدن والحضارة، وحقوق الانسان اولى به ان يطبق ذلك اولا، وقد قيل (لاتنه عن خلق وتأتي مثله). لكن الذين يراهنون على الاحتلال عليهم ان يعيدوا حساباتهم لان الدلائل لا تبشر بأي خير، تماما كما توقع علماء الامة ومفكروها وليس من قيم التمدن والحضارة وحقوق الانسان ان يحاصر مراسلو الفضائيات بالدبابات، فهذه الهمجية وهذا الانتهاك لحقوق الانسان يدفع الى اعادة النظر في الكثير من التوقعات المحتملة، وهي على كل حال توقعات لم تكن تنطوي على التفاؤل. ترى ماذا تريد قوات التحالف بمحاصرة وتصفية المراسلين العرب والأجانب، بعد ان عجزت عن السيطرة على ما يبثه هؤلاء المراسلون الى العالم بالصوت والصورة عن وحشية الغزاة؟ هل تريد ان يحل محلهم المراسلون المرافقون لها، والذين ينقلون الوقائع من وجهة النظر الانجلو امريكية، ولا شيء غيرها؟ ان هذا هو الاحتمال الأقرب مع ما يحمله من تحد واستخفاف بعقول الناس، الذين ملئت جوانحهم بالأسى لما يشاهدون ويسمعون، من أخبار هذه الحرب كما لم تعد التبريرات التي يرددها قادة هذه الحرب للجرائم المرتكبة مقبولة بأي شكل من الأشكال. مرة اخرى نسأل: هل هذا سلاح الديمقراطية.. أم ديمقراطية السلاح التي تنتفي معها كل القيم والأعراف والاتفاقيات الدولية ومبادئ حقوق الانسان؟ واخيرا لا نملك الا ان نقول: رحم الله ضحايا هذه الحرب.. من شهداء المسلمين.