كان للمرأة دائماً دور فعال في بناء المجتمعات البشرية. ومنذ فجر التاريخ لم ينقطع عطاء المرأة لمجتمعاتها، إذ وقفت تساعد الرجل تقدم له العون وتشاركه في تطوير الحياة الإنسانية، وفي كل وقت، سواء في السلم أو في الحرب. أما المرأة العربية المسلمة، فقد كان لها دور متميز في بناء الحضارة الإسلامية والعربية، حتى أننا رأيناها- أو سمعنا عنها في كافة الروايات التاريخية- تخوض الحروب وراء الرجل، تؤدي دور الممرضة والمقاتلة إذا اقتضت الحاجة إلى دورها في الدفاع عن دينها وبلادها، وكانت تلعب دوراً كبيراً في ترجيح الجانب الذي تقف فيه، وهو جانب الحق دائماً، وقد اقتضى ذلك أن تقدم المرأة العربية المسلمة تضحيات كبيرة وغالية وخدمات عظيمة وجليلة. ومن هنا لابد أن ننظر إلى الدور الذي يجب أن تقوم به المرأة في خدمة مجتمعها خلال المرحلة القادمة، من منظور الاستفادة بكافة القوى والموارد البشرية، إذ أن المرأة كانت دائماً تقوم بمهمة في غاية الخطورة وهي بناء أسرتها، ولم يكن خروجها إلى سوق العمل- وفق الضوابط الشرعية التي تجعلها بعيدة عن عيون الرجال- إلا إسهاماً منها في بناء وطنها، والمشاركة في مسيرة التنمية، وبناء اقتصاد وطني قوي يحتاج إلى جهود كافة أبناء الوطن، مهما كانت هذه الجهود ومهما كان حجمها، فالعطاء واحد سواء كان من رجل أو امرأة، طالما كان يرجو رضا الله سبحانه وتعالى، ويهدف إلى رفعة شأن بلادنا العزيزة. ولاشك أن الحاجة إلى عمل المرأة يعود بالنفع على البلاد، خصوصاً في المجالات التي تحتاج إلى جهودها، وهي مجالات كثيرة لا حصر لها، ومنها على سبيل المثال البحث العلمي، والنشاطات والوظائف المكتبية، والتدريس خصوصاً تعليم البنات والتمريض، وتصنيع الكثير من المنتجات التي تعتمد على الذوق واللمسة الجمالية والحس الرفيع، وغيرها كثير من الوظائف والأعمال والمهن التي تحتاج إلى عمل المرأة، وتسهم في زيادة الإنتاج. أن خروج المرأة إلى العمل- وفق الضوابط الشرعية التي حث عليها ديننا الحنيف أمر يجب أن نشجع عليه لما فيه من مواجهة لأحد أشكال البطالة وأسبابها، كما أنه يعكس توجهاً لاشك أن المجتمع بحاجة إليه وهو تعميق خبرات المرأة في تنمية مجتمعها من ناحية ومن ناحية أخرى، رفع مستوى الأسرة المعيشي، حيث ان عمل المرأة يضيف إلى دخل الأسرة هذا الراتب الذي تحصل عليه من عملها، مما يزيد من مستوى الرفاهية في الأسر التي تحتاج إلى هذا الراتب، فضلاً عن أن بعض النساء إذا ما نجحن في أداء دورهن المنزلي الذي يتصل بتربية الأبناء وأداء حقوق أسرتها- ترغب في توسيع دورها ومهمتها الاجتماعية، وتتطلع إلى دور أكبر في خدمة وطنها. وهذا لاشك إحساس مشكور وعظيم. لقد أعطى الإسلام المرأة الكثير من الحقوق، وكفل لها حريتها حتى أنها في الإسلام تمتلك ذمة مالية منفصلة عن ذمة الزوج مما يعطيها حق التصرف في مالها كيفما تشاء، وفي الوجوه التي لا تتعارض مع الشرع، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من النصوص العظيمة ما يؤكد المكانة المتميزة التي تحتلها المرأة في المجتمع المسلم، وهي مكانة تكفل لها كل الاحترام، وتكفل لأدوارها كل التقدير. عبد السلام حامد سراج