ميسون صقر.. شاعرة وفنانة تشكيلية من دولة الإمارات العربية, ولدت في إمارة الشارقة التي يحكمها القواسم, وكان الشيخ صقر القاسمي حاكم الشارقة في ظل الانتداب البريطاني, وعندما قامت الثورة في مصر عام 1952م وحققت جزءا من الحلم العربي بطرد الاستعمار وتأميم قناة السويس أشاد بتلك الثورة وأبطالها، شعرا فلم تكن تمر مناسبة من المناسبات الوطنية إلا شارك فيها ممجدا ومؤيدا, وقد رأى الانكليز في تلك المشاركات تحريضا على التمرد والتفلت من قبضة الانتداب فدبروا ضده انقلابا أطاح به فاختار منفاه الى مصر. حيث رحل هو وأفراد عائلته بمن فيهم (الطفلة) شمسة والعبدة (ريحانة) وفي مصر أخذت شمسة الى المدرسة لتواصل تعليمها الابتدائي والثانوي تحت حراسة ريحانة التي لها من النفوذ ما يقارب نفوذ السادة حيث تنفذ أوامرها على جميع العاملين في القصر. اذ تشرف على كل صغيرة وكبيرة ابتداء من المطبخ الى الإشراف على الاحتياجات الخاصة لشمسة. تخرجت شمسة في الثانوية فواصلت التعليم الجامعي. ولأن ابن الوز عوام كما في المثل المصري فان موهبة الشعر تسربت من الأب الى البنت وزادت البنت بهواية الفن إذ مارست الرسم التشكيلي وشاركت في عدد من المعارض الفنية في البلاد العربية. كما صدر لها عدد من الدواوين الشعرية هي: تشكيل الأذى هكذا اسمي الأشياء جريان في مادة الجسد الآخر في عتمته السرد على هيئته رجل مجنون لا يحبني. كما شاركت في كثير من مهرجانات الشعر في كثير من الدول العربية وحيث ان الفن يتوالد في نفس الفنان ويتفاعل مع طموحاته فقد أخذت المسار الأخير الى (الرواية) التي ما ان قرأتها حتى تبادر الى ذهني ان فيها الجزء الأكبر من السيرة الذاتية رغم انها تتحدث في الغالب عن الرق وحياة الأرقاء داخل القصور وما يحظين به من رفاهية ورعاية من سيدات القصر صغارا وكبارا في ظل العبودية والاسترقاق وهي لا شك رفاهية يخالطها الشعور بالنقص الذي لا يمكن تعويضه إلا بالحصول على وثيقة العتق حتى وان كان ذلك العتق مجلبة للمتاع والفقر لانه يكفي ان يتنسم الإنسان نسائم الحرية التي أنعم الله بها عليه. ولقد حاولت ميسون ان تمزج الغناء الروائي بالسرد التاريخي إلا ان عملها جاء أشبه بمن يجمع الصور المتفاوتة الموضوعات والمختلفة التواريخ في إطار واحد بحيث لا يستطيع الرائي ان يخرج منها بتصور محدد مقنع. اما الموضوعات المهمة التي أرادت إبرازها من خلال رواية (ريحانة) فتتمثل في مسيرة الحياة الاجتماعية والاقتصادية فيما سمي بإمارات الساحل المتصالحة في عهد الاستعمار والنفوذ العماني في جنوب شرق أفريقيا حيث بدأ الصراع السياسي والطبقي والاقتصادي بين الحكام لممارسة تجارة الرقيق كمورد من موارد الثروة. (في زنجبار 1773 ألغيت العبودية باتفاقيات (العهود نامه) بين ماجد وأخيه برغش وبريطانيا كان من قبل تجارة العبيد ثم ألغيت لكن بعد إلغائها صار الاقتصاد ضعيفا).وحين انضربت تجارة القرنفل بوجود مزارع في جاوا (اندنيسيا) وتغيرت التجارة بدخول منافس قوي فقد دخلت زنجبار كميناء لتصدير العبيد, حيث يجلبون اليها العبيد من أعماق أفريقيا الى السفن الراحلة من موانىء السواحل لتغير تجارة العبيد اتجاهها الى الغرب الأفريقي ومن ثم الى ليبيريا ثم أمريكا. ولقد حرض برغش ابن عمه والي السواحل علي بن سيف على ان تتم التجارة كسوق سوداء كتجارة ثانية الى السواحل الشرقية ومن ثم الى الخليج ثم الى كلكتا في الهند وبدأت التجارة مع برغش الذي حكم زنجبار لمدة 18 عاما منذ 1870 والتي تتمحور حولها بلدان عديدة منها تشاد والكونغو وتنجانيقا وتنزانيا. (زنجبار) وهنا تتغير الموانىء باتجاهات السفن. ففي الغرب الأفريقي من ليبيريا الى أمريكا والثانية من السواحل الشرقية (زنجبار) الى الخليج, كلكتا كان عدد الأفارقة الذين سرقوا من أفريقيا وتوجر بهم كرقيق الى مختلف بقاع العالم 30 مليونا من الرقيق. في هذا الإطار حاولت ميسون ان تقدم صورا عن حياة العبيد بين أغلال العبودية. وبعد العتق (التحرير) يكتشف العبيد ان الحرية لم تساعدهم على العيش بسلام ورفاهية وبعضهم انقلب الحال بالنسبة له انقلابا جذريا حتى نسي ماضيه. وكانت (صلوحة) هي النموذج الأسوأ في هذه المعادلة: صالحة لم تمتلك من النساء الحرائر لا الجمال ولا الذهب والمال ولا حتى القوة والسيطرة, ولكن كانت لديها الرغبة والطموح والنداهة التي تناديها كثيرا وتسعى خلفها. حين خرجت من بيت المعتمد البريطاني حاملة صك حريتها كانت كمن به داء, الكل ينفر منه وكانت تحلم وتحلم. خرجت بحريتها الى العالم الخارجي دون قوة, دون حتى أدنى احساس بالرعب, لم تدرك أبدا ان هناك من يتربص بها في الوديان البعيدة التي لا يلبد فيها سوى قطاع الطرق, لم تنتبه لهذه الطرقات إلا وهي مسروقة ومحمولة الى الخليج لتباع هناك هي وكثيرات غيرها أخذن حريتهن المسلوبة كي تسلب حياتهن كلها. ضاقت الأرض البراح قبل ان تراها وانغلقت مسامها قبل ان تتنفس بعمق هواء لم تستطعمه أبدا. بأحد أماكن البيع بيعت صلوحة لأحد البيوتات الكبيرة, هناك وجدت احدى المتحررات من أسر عبودية الخليج لتصبح أمة للمالك ومن ثم تحررت مع أول مولود ذكر لها, اخبرتها بان عمتها أخت أبيها هي كذلك احدى الإماء ما ملكت يمينه وانها حررت مع أول مولود ذكر لها, ذهبت اليها فاشترتها واعتقتها. كانت صالحة تبحث عن حريتها لتظل عبدة لمعروف العمة وتظل تسكن بمفهوم العبدة لكن باحساس الحرة الذي سكن داخلها واستقر. وهكذا تكون نهاية العبد اما الموت في الرق وإما العتق الذي يكون أشد ألما وأضيق عيشا عندما يجد الرقيق عتقه مستحيلا في ورقة لا تستطيع ان تنفي عنه صفة العبودية التي رسخت في أذهان أناس يكونون المجتمع الطبقي.. الذي لا يعترف بالمؤهلات والفضائل سوى انها جزء من النسب الرفيع حتى وان كان المنسوب اليها جاهلا رقيعا فاسدا لا يستطيع القيام بأي عمل نافع. لقد عالجت ميسون هذا الموضوع بكلمات هادئة تتسلل الى القارىء لتضع عينه على جزء من التاريخ.. وجزء من الفن الروائي الذي ولجته بهدوء لا مثيل له.