خطيب المسجد الحرام: أخلصوا عملكم لله فالعمر قصير واتركوا الزلل فالحساب عسير    الكرملين: بوتين جاهز للتحاور مع ترمب بدون شروط مسبقة    الذهب يتّجه لتسجيل مكاسب أسبوعية وسط ترقب لبيانات أميركية    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    أنشيلوتي معجب ب «جماهير الجوهرة» ويستعد لمواجهة برشلونة    «عباقرة التوحد»..    وزير الطاقة: الربط الكهربائي مع اليونان أثمر عن تأسيس شركة ذات غرض خاص    أدباء ومثقفون يطالبون بعودة الأندية الأدبية    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    الخروج مع الأصدقاء الطريق نحو عمر أطول وصحة أفضل    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    الحمار في السياسة والرياضة؟!    ريال مدريد يتأهل لنهائي السوبر الإسباني على حساب ريال مايوركا ويلاقي برشلونة    ماذا بعد دورة الخليج؟    عام مليء بالإنجازات الرياضية والاستضافات التاريخية    أسرار الجهاز الهضمي    نجاح المرأة في قطاع خدمة العملاء يدفع الشركات لتوسيع أقسامها النسائية    «سلمان للإغاثة» يوزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    الضمان الاجتماعي.. 64 عاماً من التكافل    الصدمة لدى الأطفال.. الأسباب والعلاج    كيف تكسبين زوجك؟!    «متطوعون» لحماية أحياء دمشق من السرقة    «الأوروبي» في 2025.. أمام تحديات وتوترات    سبب قيام مرتد عن الإسلام بعملية إرهابية    سالم ما سِلم    العقل والتاريخ في الفكر العربي المعاصر    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    المقدس البشري    تموت الأفاعي من سموم العقارب!    إنجازات المملكة 2024م    جودة القرارات.. سر نجاح المنظمات!    لا تحرره عقداً فيؤذيك    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    مريم بن لادن تحقق انجازاً تاريخيا وتعبر سباحة من الخبر الى البحرين    أفضل الوجبات الصحية في 2025    ثنائية رونالدو وماني تقود النصر للفوز على الأخدود    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من رئيس السنغال    حقيقة انتقال فينيسيوس جونيور إلى دوري روشن    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    أمانة الشرقية تكشف عن جهودها في زيادة الغطاء النباتي للعام 2024    «الجوازات»: اشتراط 30 يوماً كحد أدنى في صلاحية هوية مقيم لإصدار تأشيرة الخروج النهائي    المرور السعودي: استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في جازان    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    من أنا ؟ سؤال مجرد    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    أسرتا الربيعان والعقيلي تزفان محمد لعش الزوجية    القيادة تعزي رئيس جمهورية الصين الشعبية في ضحايا الزلزال الذي وقع جنوب غرب بلاده    «الثقافة» تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فجوة سحيقة تفصل المثقف والمفكر عن صانع القرار
د. سعد البازعي الذي اُستفز بالضحك في الجزء الأول من حواره مع اليوم:
نشر في اليوم يوم 26 - 12 - 2002

الدكتور سعد البازعي شخصية لها نمطها الخاص.. معروف في ساحة النقاد في الوطن، والوطن العربي.. مثقف واثق من عطاءاته في ممارسة النقد الأدبي، والهم الثقافي، ولد في القريات بشمال المملكة، لكنه من عائلة البازعي التي تقطن القصيم.. له اسهامات مميزة في تحريك ركود الحركة الثقافية، من خلال تميزه في إدارة الندوات الثقافية عبر الصحف والمناسبات، والأندية الأدبية والثقافية.. والتي يرى أنها من الممكن ان تسهم في تطور الفكر السعودي... له العديد من الابحاث العلمية في مجال النقد لعطاءات الشباب الواعدة في العصر الحديث.. ولجيل الثمانينيات، كما أن له وجهة نظر معارضة لرؤية الدكتور عبدالله الغدامي حول الحداثة من خلال كتابيه (ثقافة الصحراء) و(إحالات القصيدة)، كما ان له قناعات ثابتة في مسألة الانطلاق لقراءة أدب الجزيرة بثقافة الصحراء، من خلال تفاعل إنسانها مع البيئة، بغض النظر عن كون الشاعر، أو الكاتب بدوي الولادة والنشأة.. وذلك من خلال رغبة مبدعي الجزيرة العربية، والتي يرى أنها تظهر في ابداعاتهم الشعرية، والقصصية إلى التمسك أو البحث أو الاحتماء في هويتهم البدوية..
كان حوارنا مع أستاذ الأدب الانجليزي بكلية آداب جامعة الملك سعود الدكتور سعد البازعي، سهلاً يسيراً، حاولنا استفزازه في بعض نواحي الحوار، فكان يستفز، لكنه كان يتملص من الاستفزاز بالضحك.. فإليكم ثمار حوارنا معه:
جمعية الثقافة
@ جمعيات الثقافة والفنون هل لبت الطموح الثقافي؟ وما أثر ابتعادك عنها حالياً؟
جمعية الثقافة والفنون مؤسسة ثقافية تضطلع بدور اساسي في تطوير الثقافة في المملكة، ومن الصعب ان نقول عنها أو أي مؤسسة شبيهة بأنها لا تؤدي دورها في المجتمع.. طبعا أي جهاز يضطلع بمهام من هذا النوع لابد أن يكون قد حقق، أو وصل إلى كل ما يصبو إليه، أو ما يصبو إليه العاملون في هذا القطاع... لكنها تركت وما تزال تترك آثارا نلاحظها بين الحين والآخر في الحياة الثقافية في المملكة، وهذه الآثار هي بعض طموحات الجمعية، كما تبدو لي، ولكننا بكل تأكيد نتطلع إلى المزيد.. وفي اعتقادي ان لدى الجمعية من الامكانات ما يؤهلها لإنجاز المزيد من العطاء. أما بالنسبة لعلاقتي بالجمعية فهي علاقة غير عضوية، بمعنى انني لست عاملا، أو موظفا في الجمعية، أو لي صلة مهنية مؤسسية، وإنما أنا كأحد العاملين في قطاع الثقافة اتصل بالجمعية بين الحين والآخر، وتتيح لي الجمعية الحقيقة فرصا للمشاركة في الحياة الثقافية، وهي فرص لا أملك إلا أن أشعر بالامتنان لها، سواء كانت هذه الفرص تتم داخل المملكة، أو خارجها، وبالفعل كنت ألقيت على مدى السنوات الماضية محاضرات، وشاركت في ندوات، وقمت أيضاً بعمل تحريري من خلال مجلة التوباد، ولكن لفترة قصيرة، وبمناسبة السؤال، اعتقد أنه لا غضاضة من القول إن المشكلة الرئيسية التي تواجه الكثير من هذه المؤسسات.. وليست الجمعية استثناء في هذا، هي ان هذه المؤسسات تعاني مشكلات بيروقراطية في أنظمتها الداخلية!!.. وتجعلها بالتالي بحاجة بين الحين والآخر إلى إعادة نظر في طريقة أداء العمل ومرونته، مما سيساعد مستقبلاً إن شاء الله على جعل وتيرة العمل أسرع وأكثر إنجازاً.
خلاف فكري
@ ما رأيك في اتجاه الدكتور عبدالله الغذامي الثقافي؟ أين نقاط الاختلاف والتلاقي بينكم، وقد سبق أن دخلتما في مجادلات في الصحف؟
* اعتقد ان الخلاف هو خلاف فكري بالدرجة الأولى، وليس شخصيا. وإجابة عن السؤال أوضح ان لي ملاحظات أبديتها، ومازلت أبديها بين الحين والآخر حول بعض اطروحات الدكتور الغذامي، لاسيما في توظيفه مصطلحات نقدية وثقافية غربية، أشعر من منطلق تخصصي، وقربي من الثقافة الغربية كأكاديمي، ان لها أبعادا تختلف عن الأبعاد التي يوظفها الدكتور الغذامي من خلالها، والاختلاف هو في فهم هذه المصطلحات، وفي كيفية بثها في الساحة النقدية، فالنقد الثقافي مثلا أعتقد أن الدكتور الغذامي طرحه بأسلوب وبفهم يختلف كثيراً عما هو مطروح في الثقافة الغربية، وهذا لا غضاضة فيه، بل هو مطلوب في الواقع، لكن بشرط أن لا يربط هذا المفهوم بأصول غربية، بمعنى انه إذا الناقد، أو الكاتب قال: ان هذا المصطلح أخذته من سياق معين وحدد المرجع، ثم تصرف فيه بطريقة تختلف تماما عما هو موجود في ذلك المرجع، فإنه يساءل على هذا الأساس، وهذا في اعتقادي ما حدث مع الغذامي في أكثر من حالة، منها مثلا توظيفه مصطلح التفكيك، الذي قال انه تشريح ! في" كتاب الخطيئة والتكفير" وكذلك في توظيفه مؤخرا في مفهوم النقد الثقافي، هذا من ناحية، الناحية الثانية طبعاً هناك اختلاف خارج سياق الثقافة الغربية، وهو أن النتائج تبين لي جملة تناقضات في كتاب الدكتور الغذامي (النقد الثقافي)، تناقضات في المصطلح، وفي توظيف المصطلح، وحتى في الأطروحة الأساسية، ولمن يريد التعرف على هذه التناقضات أنصحه بالاطلاع على الطبعة الثالثة من دليل النقد الأدبي. وأعني بذلك الكتاب الذي صدر هذا العام من المركز الثقافي في بيروت، فهناك مدخل حول النقد الثقافي يوضح تاريخ هذا النقد، من أين جاء؟ وكيف تطور؟ واين يقع توظيف الغذامي له في هذا السياق الطويل من التوظيفات؟ ومن الفهم لهذا المصطلح.
شعراء الثمانينات
@ أين شعراؤك الذين روجت لهم، وهم جيل الثمانينات - الثبيتي، الصيخان، محمد جبر الحربي إلخ؟ أين هؤلاء من الساحة الثقافية؟ هل ماتوا ابداعياً؟
بشكل عام يمكن القول ان هؤلاء الشعراء تواروا، عن الأنظار، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم ماتوا إبداعيا، ومع ذلك فلابد من التفريق بينهم.. فبعضهم ما زال نشطاً نشاطاً نسبياً، والبعض ابتعد كلياً عن الساحة على المستوى الشعري.. أعتقد أن الثبيتي هو الأكثر حضوراً في الفترة الأخيرة، فما زلنا نسمع أو نقرأ بعض إنتاجه، وبينما الصيخان يكاد يكون غائباً تماماً، محمد جبر الحربي يكتب مقالات في الصحف، محمد عبيد الحربي يبدوا أنه ترك النشر تماما، ولا أستطيع أن أقول انه ترك الكتابة، وهناك أيضا بعض النشطين، فعلي الدميني مازال نشطاً في اعتقادي، وربما يكون أنشط ذلك الجيل.. محمد الدميني متوار نسبياً.. لكن الحكم ليس على مستوى الإبداع، أو وجود الإبداع من عدمه!! بقدر ما هو على حضور هذا الإبداع وانتشاره بين الناس.. فلا شك أن هذا الجيل لم يعد له نفس الحضور الذي كان في الثمانينيات، وإن تفاوت أبناء ذلك الجيل في مستوى الحضور. وكما قلت، يظل علي الدميني، هو الأكثر حضوراً، وكذلك الثبيتي.. وان بقدر أقل.
رفض
@ هناك من يرفض ربط أدب الجزيرة العربية بثقافة الصحراء.. ما تعليقك أنت على ذلك؟
* رأي احترمه.. واحاوره.. أنا لم أقل يوما أن أدب الجزيرة العربية مربوط بثقافة الصحراء.. أنا الذي فعلت هو أنني في كتاب (ثقافة الصحراء) هو أنني درست ظاهرة في أدب الجزيرة العربية أسمها ثقافة الصحراء.. ولم أقل أن كل أدب الجزيرة العربية يمكن أن يدرس من خلال هذه الظاهرة.. أو أن هذه الظاهرة تساعدنا على فهم كل أدب الجزيرة.. فلا شك أن هناك بيئات ثقافية مختلفة، ليست صحراوية بالضرورة، وبالتالي لا ينسحب عليها هذا المفهوم.. لكنني ومع ذلك أرى أن ثقافة الصحراء هذه الظاهرة الثقافية الإبداعية من أبرز الظواهر في أدب الجزيرة.. وحتى في بعض البيئات التي لا تعد، أو عادة لا ينظر إليها على أنها جزء من البيئة الصحراوية في المستوى الجغرافي، نلاحظ أن بعض أدبائها يمكن فهم إبداعهم أكثر لو نظر إليه من خلال هذه الزاوية، وأضرب مثلا ببعض الشعراء في البحرين، وفي الإمارات، وفي الكويت.. بل ليس الشعراء فقط، إنما حتى كُتاب القصة.. ان هؤلاء الأدباء، أو الكثير من إنتاجهم يمكن أن يفهم من خلال هذا المفهوم، وللتوضيح أقول ان ثقافة الصحراء كما وظفتها تعني الكيفية التي حاول من خلالها بعض أدباء هذه المنطقة أن يستعيدوا تراث الصحراء بأجوائها الحغرافية وأجوائها الثقافية، لتأكيد هويتهم والاحتماء من بعض الآثار السلبية للمدنية الحديثة، فثقافة الصحراء لا تعني أن يكون الكاتب بدوياً، أو عائشا في الصحراء.. وإنما تعني أنه ابن مدينة يبحث عن الصحراء، لأنها تمنحه هوية يكاد يفقدها في خضم الحياة المدنية.. فالأدب الذي ينتج في هذا السياق هو أدب في الحقيقة أدب مدينة لكنه يبحث عن الصحراء ويسعى إليها، مثلما نجد مثلا في مطلع قصيدة للثبيتي عندما يقول (أنا بدوي) مثلا، أو عبدالله الصيخان مثلا، يبدأ إحدى قصائده، أو بعض قصائده بتأكيد هويته البدوية.. طبعا نحن نعرف ان هؤلاء الشعراء ليسوا من ابناء البادية مباشرة، ولكن هنا البداوة تأتي كهوية ثقافية يحتمي بها الشاعر، وهذا في اعتقادي موجود حتى عند أبناء بيئات بحرية، أو قروية، أو بعيدة عن البداوة بمعناها التقليدي.. مما جعل ثقافة الصحراء خطابا إبداعيا يساعدنا على فهم كثير من الأدب المحلي.. وليس كل الأدب المحلي.
تأسيس وتأصيل
@ لكن هناك من يقول انك أسست وأصلت لنظرية ثقافة الصحراء في كتابك (إحالات القصيدة)، وانطلقت من خلاله ومن خلال كتابك الأول (ثقافة الصحراء) إلى ادب الحداثة. وهناك من يقول: ان لديك قناعات بأن المنطلق لدراسة أو قراءة أدب الجزيرة لا يتم إلا من خلال تفاعل الإنسان مع البيئة؟
نعم هذا صحيح.. وهذه القناعة ما زالت لديّ، وإحالات القصيدة هو في الواقع استمرار للمقولة الأساسية في كتاب ثقافة الصحراء، فمازلت أرى أن هذا الخطاب الأدبي، أو هذا المفهوم الإبداعي ما زال يصدق على الأدب والشعر بشكل خاص حتى اليوم.. ولذلك الدراسات التي ظهرت في إحالات القصيدة هي استمرار لنفس القناعات، لكني لم أقل وما زلت لا أقول ان هذا المفهوم يعبر عن كل أدب الجزيرة.. أنا بالطبع لم أدرس أدب الجزيرة كله حتى استطيع أن اعمم بهذا الشكل، ولكني فيما درسته من أدب منذ إحالات القصيدة عام 1419ه منذ ذلك الحين، وأنا أرى ان الكثير من الأدب يؤكد مصداقية هذه المقولة، ولعل آخر ما ظهر من هذه الدراسات ولم ينشر في كتاب حتى الآن، هو دراستي لشعر أشجان الهندي، وسعدية مفرح، وهي ورقة ألقيت في ملتقى الشعر لدول مجلس التعاون، ونشرت في الصحف المحلية، هذه الدراسة تبين ليّ مرة أخرى عمق الحضور البيئي في الشعر المحلي، بل في شعر الجزيرة العربية، لأن سعدية مفرح من الكويت، وأشجان من المملكة، بل من الساحل الغربي للمملكة، ولذا كلتا الشاعرتين نلاحظ وجود هذا الهاجس، وإن بأقدار متفاوتة بينهما.
ندوات ثقافية
@ أدرت العديد من الندوات الثقافية في العاصمة وفي بعض الصحف اليومية، فما جدوى إقامة مثل هذه الندوات على المجتمع؟ وهل برأيك لها تأثير في تحريك الركود الثقافي، أو ما يسمى الكساد الثقافي في الوطن؟
* بالتأكيد، فلو لم أكن مقتنعاً بجدوى مثل هذه الندوات لما شاركت فيها من الأساس. فالندوات هي إحدى الأدوات التي تقوم عليها الحياة الثقافية في أي بلد في العالم، والتشكيك في فعاليتها مفهوم لدي من زاوية أن البعض يريد آثارا سريعة ملموسة، أو يرى ان هذه الندوات ينبغي أن تكون ذات طابع جماهيري خطابي يحرك الناس مباشرة، وهذا في اعتقادي ليس هو الهدف من الندوات في الغالب، خاصة الندوات الثقافية الجادة. كيف تؤثر الندوات في الحياة الثقافية؟ هذا سؤال كبير ومهم، وقلما يطرح في الواقع! لكنني سأجازف بإجابة سريعة، هي أن الندوات كما ينبغي لها ان تكون طبعاً هي تشكل إطارا تختبر من خلاله الاطروحات الفكرية، من خلال تبادل وجهات النظر بين المشاركين في هذه الندوات، سواء كانوا في حلقة نقاش، أو يتحدثون إلى جمهور.. وفي اعتقادي أنه كلما كان هذا الجمهور جمهورا منتقى، كانت الفائدة أكبر، لأن هذا يؤدي إلى إنضاج الحركة الفكرية والثقافية بشكل عام، وينعكس بطريقة غير مباشرة على مستوى العطاء الفكري في البلد، وفي المجتمع بشكل عام، فلو بقي كل منا مثلا في مكتبه، أو في غرفته، أو في مكتبته يقرأ ويكتب لأدى هذا لنوع من العطاء، لكنه عطاء غير متفاعل مع الآخر.. غير اجتماعي.. غير فاعل.. لكن من خلال الندوات نأتي بأفكارنا، نأتي بما توصلنا إليه بما خطر في بالنا، ونطرحه أمام آخرين قد تكون لهم آراء مختلفة تماما، فنتيجة الجدل، أو نتيجة الحوار، دعينا نستخدم تعبير ألطف الحوار، مع الآخرين تتعدل هذه الأفكار. إما ان تلقى نهائيا أو يصيبها شيء من التعديل، الذي يجعلها أكثر قابلية وقدرة على التأثير في الآخرين.. سواء كان هؤلاء الآخرون من عامة الناس البعيدين عن الثقافة، أو كانوا من أهل الثقافة، ومن المفكرين، ومن الدارسين ومن الباحثين أو الأدباء القريبين. فالندوات يمكن ان تكون فاعلة، لكنني لا أقول أن كل الندوات التي تعقد فاعلة بالتأكيد.. أنا اتكلم عن الوضع المثالي، ما ينبغي أن تكون عليه الندوات وما نسعى، أو يسعى البعض منا على الأقل إلى تحقيقه من خلال هذه الندوات.
لا تفعيل للتوصيات
@ لكن ماذا عن الندوات الكثيرة التي لا تفعل توصياتها في الواقع الفعلي للمجتمعات؟
* نعم هذا صحيح، لكن هذا يعتمد على نوع الندوة. فهناك ندوات تنتهي بتوصيات، وهناك ندوات لا تنتهي بتوصيات، وأنا اتكلم عن الندوات التي لا تنتهي بتوصيات، بمعنى الندوات الفكرية التي تقام في مؤسسة ثقافية، وتتحاور فيها مجموعة من الباحثين، أو تتحدث فيها مجموعة من الباحثين إلى جمهور، ولم اتطرق إلى الندوات ذات البعد الرسمي، التي يشارك فيها وفود، أو ممثلون من جهات مختلفة. لكن هذه الندوات الثانية التي لم نتحدث عنها أيضا مهمة، حتى وإن تضمنت توصيات لا تفعل، وكيف يكون ذلك؟! اعتقد أنه أولا أن التقاء عدد من المختصين أو المهتمين في مجال معين هو بحد ذاته مفيد، أفضل من بقائهم دون لقاء. نأتي إلى النتيجة المباشرة للقاء، والتي هي التوصيات، أنا بشكل عام من الناس الذين لم يعودوا يؤمنون بشيء اسمه توصيات!! بل على المستوى الثقافي والفكري لا أرى لها أهمية البتة!! لماذا؟ لأننا في العالم العربي، وربما العالم النامي بشكل عام، نعيش فجوة بكل أسف بين المثقف والمفكر تحديداً، وبين صانع القرار، فقلما يستشار المفكرون والمثقفون، وأقول قلما يستشارون في الأمور المتصلة بالحياة الفكرية والثقافية، بل حتى في الحياة السياسية!!
انتظار
@ طيب في هذه الحالة هل من المفروض على المثقف والمفكر انتظار أن يأتيه صانع القرار ويستشيره في بعض القرارات أو بعض الأمور المتعلقة بالواقع السياسي، أو أخذ مرئياته في تطوير واقع الدولة مثلا؟
* لا أعتقد أنه ينبغي أن ينتظر.. لكن ما الذي يجب عليه ان يفعل؟! أن يقول ما لديه من خلال كتاب، أو مقالة، أو من خلال ندوة. الندوة يمكن ان تقول ما لديها دون أن يكون هذا على شكل توصيات. الندوة تقول ما لديها من خلال هذا التفاعل الذي يحدث بين المنتدين المشاركين فيها ومن خلال ما ينتجونه فيما بعد في مقالاتهم وكتبهم ومشاركاتهم العامة، وهذا ينبغي أن يصل، لكنه مع الأسف في كثير من الأحيان لا يصل!! فليس أمام المثقف في هذه الحالة إلا أن يقول ما لديه، ويأمل من الله أن تصل هذه الكلمات وتؤدي فعلها بشكل أو بآخر.
موصلو الرسائل
@ لكن حسب علمي أن ثمة موصلين لما يكتبه المفكرون والمثقفون عبر الصحف والكتب من أفكار بناءة تصب في صالح الوطن يقومون بإيصالها لصانع القرار، إذ لا يمكن لصانع القرار قراءة كل ما ينشر فيها.. لكن ربما وهذا يحصل كثيراً ان هؤلاء قد يتسببون بشكل أو بآخر في منع بعض وجهات النظر الهامة للمفكرين والمثقفين وحتى عامة الناس من وصولها لصناع القرار، وأرى أنه في هذه الحالة لابد أن يخرج المفكر والمثقف بشيء جديد، أو لنقل أن يكون علاقة مباشرة مع صناع القرار؟
* نعم هذا رأي وجيه، وهو ان المثقف لا ينبغي ان يجلس في مكتبه أو في بيته، وينتظر أن يفعل شيئا. أنا طرحت الرؤية الواقعية ربما، وهي أن يقول ما لديه وينتظر، وهذا هو حال الثقافة في معظم الأماكن في منطقتنا.
طول انتظار
@ لكن هل يعني هذا أنه قد يطول انتظاره دون جدوى لما يطرح من أفكار؟
* وجهة نظرك كما تبدو ليّ هو أن يذهب هو لصانع القرار، ويقول رأيه. طبعاً هذا ليس متيسرا دائماً، فأيضا مسألة الذهاب أحياناً لا تكون عملية، لأن صانع القرار عادة محاط بعدد من الموظفين، بعضهم من ذوي الصلة، وبعضهم من غير ذوي الصلة، ممن لابد من المرور من خلالهم، وهؤلاء يشكلون أحياناً عملية فلترة لما يصل، فليست المسألة بهذه السهولة.
قنوات اتصال
@ لكن من أجل أن نفتح الطريق بين صانع القرار وبين المفكر أو المثقف في الوطن، لابد هنا برأيي أن يسعى صانع القرار لفتح مجال للتواصل مع هذه النخبة، ولو كان ذلك من خلال وسيلة اتصال حديثة، أو من خلال لقاء دوري ينظم لصانع القرار مع النخبة يستقبل أو يتلقى من خلالها الآراء المختلفة للمفكرين والمثقفين لتفيده، أو تعينه وتسانده في إدارة الدولة وتطويرها.
* صحيح.. وهذا ما يفعله الكثير من صانعي القرار، ولا ينبغي أن نشكك في رغبة صانع القرار في معرفة آراء المفكرين والمثقفين.
باب
@ نحن لا نشكك في ذلك، ولكن ربما نحاول فتح أو طرق باب قد يكون غائباً، أو غير مفتوح، أو لا يستخدم على الاطلاق، أو أنه يستخدم ولكن بشكل طفيف.
أنا اتكلم عن نظرة تكاد تكون سائدة لدى الكثيرين، وهي ان صانع القرار ليس مهتماً. أنا اعتقد أن صانع القرار في كثير من الأحيان مهتم ويريد، وأحياناً يريد ان يعرف الوسيلة التي يصل بها إلى الآراء المختلفة، أو الوسيلة التي تصل هذه الآراء إليه.. فأنا اتفق معكِ في أنه ينبغي فعلاً أن تفتح القنوات، وان يسعى صانع القرار من جانبه والمثقف من جانبه أيضاً، إلى البحث عن أفضل الوسائل والسبل، لتوصيل الرؤية أو الآراء المختلفة. لكنني كنت في معرض التعليق على مسألة التوصيات، وهل توصيات الندوات هي الوسيلة الأفضل؟ مشكلة التوصيات هي أنها وقعت في دائرة البيروقراطية والروتين، وبالتالي صارت كأنها عمل محكوم عليه سلفاً، بل انني صرت أسمع عن ندوات تعد توصياتها قبل انعقادها، مما يدل بكل تأكيد على ان هذه التوصيات لم تعد ذات قيمة كبيرة، الندوات على المستوى الثقافي والعلمي كثيرة منها ما لم تعد له قيمة على هذا المستوى، وهذا طبعاً وضع مأساوي، لأنه يدل على هامشية هذه الندوات، وربما يكون أهم ما ينبغي فعله في هذه الحالة إما البحث عن أسلوب مختلف لتوصيل الرأي، أو على صاحب القرار أن يعيد إلى هذه الندوات أهميتها بين الحين والآخر، على الأقل بأن يظهر أو يقوم بالفعل بتبني بعض هذه التوصيات، مما يعطيها مصداقية مرة ثانية، وإلا فسيبدأ الشعور بالاحباط، وتبدأ الآراء تأتي مثل رأي هذا في عدم أهمية التوصيات، ويبدأ الناس يتخلون عنها، لأنه سيصبح هناك شعور بعدم الجدوى، كل شيء عديم جدوى، وهذه بالمناسبة من المشكلات التي نعيشها في حياتنا الثقافية، شعور كثير من الناس بأنه لا جدوى من شيء!! فهذا الشعور بالاحباط لو سيطر سيصيب حياتنا الثقافية بل كل أوجه الحياة بشيء من الشلل، أو بشلل كبير، لأن كل العاملين في هذه المجالات، وكل الذين يشتغلون بجد وبحرص لديهم شعور عميق في الداخل بأنه برغم من كل ما نشاهد من مظاهر الاحباط فإن هناك أمل، لولا هذا الأمل لما عمل أحد منا، حتى هذه التوصيات التي كنت اتحدث بشأنها، والتي بدأت تأخذ شكل الكلام المفرغ من القيمة، يمكن أن تعود لها القيمة، ومازال هناك أمل أن تعاد لها القيمة، من خلال صانع القرار المستنير، ومن خلال الالتفاتة الجادة لما يطرح بين الحين والآخر.
يلقي إحدى محاضراته
البازعي في إحدى الندوات محاط بالشاعرين محمد عبيد الحربي و عبدالرحمن الزيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.