الناقد الدكتور يوسف حسن نوفل من النقاد الذين لم يقصروا جهدهم على بلد بعينه، وانما امتد ليشمل الوطن العربي كله، وقد تخرج في كلية دار العلوم عام 1964، وتدرج في المناصب الجامعية حتى صار عميداً لكلية التربية ببورسعيد ووكيلاً لكلية البنات جامعة عين شمس، وقد اعير إلى جامعة الرياض في الفترة من عام 1978 إلى عام 1983. ونال عدة جوائز من عدة دول عربية، منها: جائزة البحث التربوي من الكويت عام 1971، وجائزة المعلم المثالي من محافظة بورسعيد عام 1986، وجائزة من ندوة الثقافة والعلوم بالامارات عام 1990، واشرف وناقش 160 رسالة للماجستير والدكتوراه في جامعات مصر وواحدة في السعودية، وله اكثر من 30 مابين كتب نقدية وابداعية منها كتب في الادب السعودي كقراءة في ديوان الشعر السعودي، وادباء من السعودية، وفي الشعر السعودي: رؤية داخلية، ومفكرون في السعودية. وقد تناولنا في هذا الحوار مع الدكتور يوسف نوفل العديد من القضايا الادبية والنقدية. @ من كتبك (بيئات الادب العربي) حدثنا عن اثر البيئة في الادب؟ لا شك ان البيئة او المكان بصفة عامة يؤثر تأثيراً كبيراً في الفنون عامة، وفي الادب بنوع خاص، ذلك ان الادب مرتبط بحلقات متداخلة، فهناك حلقة كبرى هي حلقة المجتمع، ومنه يستقي الاديب موضوعاته ويقتبس ويستوحي ويسلتهم ويتأثر ويستوعب، هذه هي الدائرة الاولى، والدائرة الثانية هي الاديب نفسه الذي استوعب مؤثرات هذه البيئة وتفاعل معها ليدخل في دائرة اخرى هي دائرة الابداع، ولو نظرنا إلى الابداع نجد ان الاديب لا يبدع لنفسه فقط، ولا يبدع لكي يوضع ادبه في الادراج، وانما ليعود إلى المجتمع مرة اخرى، فكأن هناك مثلثاً بين دائرة المجتمع ودائرة المبدع ودائرة الادب نفسه، وفي النهاية يوجز هذا المثلث في انه حركة صاعدة وحركة هابطة، صاعدة أي يشع المجتمع اوا لبيئة او المكان عطاءه وموحياته فيستوحيها الاديب ويصوغها مرة اخرى ادباً يتوجه به مرة اخرى إلى جمهور ذلك المجتمع. وتسعدني الاشارة إلى كتاب بيئات الادب العربي لسبب بسيط هو انني اتحدث لصفحات صحفية في بلد عزيز علي قضيت فيه خمس سنوات من احلى سنوات العمر العلمية والاجتماعية، وللعلم ولد كتاب بيئات الادب العربي في السعودية، وكان لمكتبة الملك سعود الضخمة فضل كبير علي لانني اطلعت على انتاج الادباء العرب في البيئات العربية كلها، وربما لم يكن هذا ليتوافر في مصر، فالمخطرط الاول لكتابي كان في المملكة العربية السعودية معاراً إلى جامعة الملك سعود. الادب السعودي @ هل للبيئة الادبية السعودية سمات تميزها عن بقية البيئات الادبية العربية؟ لكل بيئة عربية ملامحها الخاصة، لكنني اومن بأن هناك رابطة ادبية وروحية وفكرية بين بيئات الادب العربي من اقصى المحيط إلى اقصى الخليج، فهذه البيئات تجمعها خصائص عامة، ولا يمنع هذا ان كل بيئة منها تنفرد بخصيصة او اكثر من الخصائص.. اما عن الادب السعودي، فان الادب يتأثر بعوامل على رأسها العامل الاقتصادي، فالادب السعودي قبل النفط غيره بعد النفط، حيث حدث بعد النفط التحول الاقتصادي والانفتاح على العالم العربي والعالم ككل، فالنهضات دائماً تسعى وراء القدرة الاقتصادية، والعصور الماضية منذ العصر العباسي تؤكد لنا هذا، فكلما قويت الدولة اقتصادياً استقطبت الفكر والمفكرين والاختراع والمخترعين والطب والاطباء والعلم والعلماء.. الخ، وعندما اقول مرحلة ما بعد النفط لا اقصد فقط ارتفاع معدلات الدخل عند الافراد. وليس فقط زيادة الثروة المالية للدولة، ولكن انعكاس هذا الثراء على جذب الحركة الثقافية، فالمملكة العربية السعودية تموج بحركة ثقافية متعددة بفعل التقدم العصري من ناحية، وما حباها الله تعالى من نعم من ناحية اخرى، وعلى هذا من القطع ان يكون لها خصيصتها الخاصة بها في ادابها وفنونها، واضافة إلى هذا فان البيئة الادبية السعودية بوجه خاصة عدة بيئات صغرى، حيث توجد بيئة ساحلية وادب البحر ادب الصحراء وادب المجمتع الريفي، وعلى قمة ذلك كله فيها الادب الديني. معادلات وجداول @ بعض نقاد البنيوية راحوا يتناولون الاعمال الابداعية بشكل احصائي ويكثرون من المعادلات والجدل ما رأيك في هذا الصنيع؟ اجابتي ستكون محصورة في هذا الصنيع وليس في الصانع، لانني اجل هؤلاء النقاد جميعاً سواء اتفقت معهم في المنهج ام لا، واقول ان النقد يتسع لجميع التطبيقات، ولا اقول انني على صواب وانا لا، والادب فن يتذوق ويستساغ، فانا انظر للزهور بهدف الاستمتاع بها وتذوقها بجميع الحواس التي املكها، وكما اشاهد الفنون التشكيلية وبقدر ثقافتي استمتع بها، واشاهد النقوش الاثرية بالقدر الذي تمكنني به ثقافتي، فالفن اساساً فيه متعة لا يمكن ان تنفصل عن الذوق، لكن هناك علامات تنبيهية هي ان النقد الحديث وضع ضوابط ومعايير تكبح جماح التذوق لكي لا تسيطر عليه الناحية الذاتية فقط، اذن يضاف إلى التذوق والمتعة ضابط كبح التأثير الذاتي، والتذوق لا يكون الا بخبرة، فلا بد من استعداد الناقد، فالناقد اذا لم يكن شاعرا وزيادة انصحة بالا ينقد الشعر، بمعني ان لديه قدرات الشاعر ويفوقه، فمن نقد احمد شوقي كان يضمر في قرارة نفسه انه مثل شوقي واكثر، ولو لم يكن العقاد يعتقد - وافقناه ام لم نوافقه - انه احسن من شوقي ما هاجم شوقي، ولو لم يكن المازني يعلم انه على قدرة مثل المنفلوطي واكثر ما هاجم المنفلوطي، فلا بد ان تكون لدي - كناقد - نفس ثقافة الشاعر ان لم تكن لدي ملكته، فالناقد يجب ان يفهم الشعر وقواعده واصوله والشعر الحديث وصيحاته، ويكون زيادة على الشاعر في هذا، ولذلك فان الناقد الذي تكون قامته اقصر من قامة الشاعر يكون نقده ضحلاً، وهذه مهمة ثقيلة على الناقد تحتم عليه ان يتابع كل جديد، لكن الذي حدث ان البعض بحسن النية او بالحماسة الادبية اطلع على مناهج نقدية غربية، ونحن نعلم ان المناهج النقدية الحديثة تأثرت بالعلوم الحديثة جميعها، وهي اصلاً متأثرة بالفلسفة، فالنقد الادبي في الاصل فلسفة، فالناقد متأثر بالمذاهب الفلسفية القديمة والمعاصرة والحديثة ثم بدأت العلوم الطبيعية من فيزياء ورياضيات وعلم نبات تؤثر في الادب، والتقط النقاد المحدثون بنيه حسنة اسهاماته الرياضيين في التحليل الرياضي والرسوم الهندسية، انا مقر باننا متأثرون بكل العلوم، لكن صعب جداً ان اخذ كل شيء في العلوم التطبيقية لاطبقه في النقد، انما يمكنني ان اخذ ما لا يفسد الذوق، فاذا وضعنا مثلثات في النقد ينصرف الذهن عن التذوق الجمالي، وقد اسرف هؤلاء النقاد في هذا. وهل يخسر الناقد القراء بسبب هذا؟ * ليس شرطاً ان يخسر القراء، فانا اقول هذا الكلام، وربما يخالفني قارئ معين، فانا لست ضد التجديد، لكنني في الحقيقة لست مع الجنوح، فلا اؤيد المبالغة، ولا اؤيد التقليد للتجديد. قطعاً هناك جمهور يتابع هؤلاء النقاد، لكن الكثرة الكاثرة ترى ان هذا يصرف عن اتمام العملية النقدية التي فيها ذائقة ادبية. تعدد المصطلحات @ توجد مشكلة في النقد العربي هي تعدد المصطلحات للمفهوم الواحد.. ما الحل؟ * لدينا تعدد في المصطلح للشيء الواحد، في حين ان السلف حددوا لكل شيء اسماً، واهتموا جداً بالتسمية وتحديد المصطلح، وسموه الحد او التعريف، وهذه المسألة كانت حتى يومنا هذا مقننة وواضحة، لكنها في العصر الحديث مع اتساع الثقافة وترامي وسائل المعرفة وصورها والوان التأثير والتأثر وتعدد اللغات، ثم تعدد البيئات العربية - نجد ان هناك ترجمة لبنانية او شامية بوجه عام وترجمة تونسية او مغربية بوجه عام، وهناك ترجمات في مصر والسودان والخليج العربي، فالمعنى الواحد يوضع له اكثر من مصطلح، وهذا يوقع في ربكة، وفي الحقيقة المصطلح العربي النقدي في ربكة فعلاً وربما كان هذا المصطلح العلمي التقني اقل، لكننا الان في منعطف ضيق يحتاج إلى توحيد المصطلحات، والعلاج ان يكون هناك عمل معجمي موسوعي يهتم بوضع المصطلحات المتعددة - نقدية وغير نقدية - على مستوى العالم العربي في مسمى واحد، فلو ان هناك هيئة تعنى بمعجم المصطلحات الحديثة في النقد الادبي ربما يتم حل هذا الاشكال، لان المسالة بهذا الشكل صارت متجهة إلى نوع من الفوضى، فما احوجنا إلى عمل موسوعي معجمي عربي في علم المصطلح النقدي لمجابهة هذه الفوضى في المصطلحات النقدية. معركة الحداثة @ قامت في الفترة الاخيرة معركة حول الحداثة.. كنت تقف موقفا مضادا لهذه الحركات الاتؤمن بضرورة التمديد والتطوير؟ أي مجتمع يتجه بالضرورة للتجديد، وكل عصر من العصور كانت فيه مواجهة ساخنة وحارة بين القديم والجديد، والجديد الذي جابه القديم صار بعد فترة قديماً واتى له جديد او اشد جده لينافسه، وتلك هي سنة الحياة، فاذن نحن امام جديد كل يوم، والذي يشوه التجربة الحداثية هو الانجذاب او الوقوع في اسر المستورد، الحداثة التي لا اقبلها هي الحداثة المستوردة، لانه من الممكن ان يكون لكل مجتمع موقفه الحداثي النابع من ظروفه وثقافته ومعاييره وطموحاته، اما ان استورد موقفاً فكرياً في مجتمع يغاير طبيعة مجتمعي فهذا هو الذي لا يجعل القالب الحداثي المستورد منسجماً مع القوام الاصلي المحلي، ويظل في النهاية كأنه ثوب غير منسجم على لابسه، لا هو متقن ولا هو باللائق، من الناحية الاخرى لم يقل أي حداثي في أي بيئة اننا لكي نبني الحديث نهدم القديم، اذ انه حتى الشعوب الاوروبية جاءت لتراثها واخذت منه الشيء الجميل واعادت صياغته وقربته لذائقة الناشئة، لانهم يرون ان هناك شيئاً جميلاً وجديراً بالاستبقاء والاحياء، وعلى هذا ارى ان الحداثة العربية ينقصها تحديد الهوية العربية، وذلك بتحاشي عقدة المستورد وعقدة عداء القديم. القوائم البيلوجرافية @ هل يوجد نقص في القوائم البيلوجرافية لادبنا العربي؟ نحن في حاجة إلى اعادة النظر في المكتبة البليوجرافية والبليوجرافيا الوطنية او القومية، فكما نعلم كل امة وكل حضارة حديثة لها بليوجرافيا وطنية قومية تعنى بها هيئة او هيئات وتسجل كل ما يعن في كل حقل. الواقع اننا رغم تقدم علم البليوجرافيا ما زال هناك جدار قائم بين رجال هذا العلم، وهم من علماء المكتبات الاجلاء، وبين المستفيدين منه في قطاعات العلوم الانسانية، وصحيح ان هذا العلم ابن رجالات المكتبات والتوثيق لكنني ارى ان هناك بليوجرافيا ادبية وبليوجرافيا تاريخية وبليوجرافيا جغرافية، إلى آخر انواع المعارف، وعلى هذا فهو فرض عين لا فرض كفاية. قد يظن البعض انه فرض كفاية ينهض به علماء المكتبات والوثائق الاجلاء، لكنني اقول: فوق جهودهم العظيمة هو فرض عين على الجميع، وقد لمست ذلك فعلاً في حقلي، وهو الدراسات الادبية الحديثة، فنحن مفتقدون للبليوجرافيا الادبية، صحيح ان بعض العلماء سدوا الفراغ في هذا مثل د. حمدي السكوت في مجال الرواية العربية، وقد ناقشت هذه القضية، وهي البليوجرافيا الادبية، في كتابي المكتبة العربية، وانتهيت من كتاب ارجو ان يظهر قريباً عن الادب العربي في البيئات العربية وهو غير كتابي البيئات الادبية العربية، وهذا الكتاب الجديد محاولة لبذرة بليوجرافيا، لا اقول كاملة، وقد وضعت فيه ما وصلت اليه يداي من امهات الكتب في هذا الحقل، فكأنها مشروعات بليوجرافيا، ولا ادعى الكمال، وانا معك اننا في فقر في مجال البليوجرافيا الادبية ومما يفضح نقص البليوجرافيا وجود الحاسب الآلي، لانه اداة من ادوات البليوجرافيا، ولو احسنا توظيف الانترنت وتجميع مضمونه تحت خط معين ستكون لدينا بليوجرافيا، فالبليوجرافيا تستفيد استفادة كبرى من عطاء الحاسب الآلي الذي قد يكون قد صنف كل ما قيل مثلاً عن محمد حسن فقي في السعودية، عن طريق ما كتب عنه في الانترنت، فالحاسب الآلي يساعد، ويمكن ان نكمل عليه الاشياء التي لا توجد في ملفه او في ملف الانترنت، لذلك ادعو إلى توظيف الحاسب الآلي في خدمة البليوجرافيا. @ الا ترى ان الجهود القروية لا يمكنها القيام بمثل هذه المشاريع؟ لقد تبين ان القاعدة الضاحكة التي تقول: اذا اردت ان تميت مشروعاً فألف له جنة، ما تزال صحيحة، لذلك نعودالى جهود الافراد، والسلف كانوا افراداً، فالذي صنع معجم الادباء وكذلك معجم البلدان ياقوت الحموي، والذين صنعوا التراجم والسير افراد، لذلك ما زلت ارى ان المهمة مهمة افراد، وربما يكون هناك اسهام لبعض المؤسسات مثل مؤسسة البابطين التي اخرجت موسوعة الشعراء المحدثين، وانتجت في مجال البليوجرافيا، وارجو ان تكون لها اشياء مستقبلية، وقد حضرت في السعودية منذ فترة قريبة افتتاح مركز المخطوطات للبابطين ايضاً، وفيه عدة الاف من المخطوطات. منحة علمية @ كيف يمكن الاستفادة من مثل هذه المؤسسات في عمل البليوجرافيا؟ اعتقد انه يمكن ان يعلن مركز علمي عن منحة علمية لم يعد بليوجرافيا، وهذا افضل من تشكيل لجنة تجتمع او لا تجتمع، فلا بد من الحافز المادي المغري، وقد اثبت التاريخ هذا، فالعصر العباسي لم يزدهر الا بهذا الحافز، فصاحب الاغاني حصل على بضعة الاف قبل ان يضع كتابه على الجمل ويرحل بها ويسلمها، والجاحظ حصل على بضعة الاف قبل ان يسلم كتبه للشخص الذي يسلم اليه الكتاب، فلم يقدم واحد من هؤلاء كتابه الا وقد اخذ عليه العطية، وعندما الف فقد الف حباً في العلم، لكنهم كانوا في النهاية يكافأون على مجهودهم العظيم. والمسألة تحتاج إلى حافز قوي لانها مكلفة، وكما قلت عندما كنت معاراً ساعدتني مكتبة الملك سعود، فقد وجدت فيها الكتاب التونسي والجزائري قبل ان اجد الكتاب المصري، اما لو كنت في مصر فسأجد الكتاب المصري بوفرة، لكن قد لا اجد كتب البلاد الاخرى، لكي اعد بليوجرافيا سوف اشتري كتباً وافرغ وقتي وقد يؤثر هذا على عملي ومصدر رزقي، فلا بد من توفير الامكانات لان الحياة صعبة الان، لذلك يجب توفير القدر الكافي من المعيشة للعالم والمادة العلمية حتى ينتج، والمكافأة التي ينالها العالم سينفقها لا ليدخرها، وانما لكي يعمل ويسافر وينتقل ويشتري ويوظف اشخاصاً ليساعدوه، وهذه كلها امور مالية،وما يحصل عليه هو النفقات، فما يدفع لهذا العالم لكي ينجز عملاً ليس اجراً او صرفا له عن ان يكون العلم لذات العلم، ولكن لنفقات البحث، فلا بحث مجانياً الان.