سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
خبراء وسياسيون يتحفظون على مبادرة باول الشرق أوسطية ويعتبرونها تمهيداً لضرب العراق أجمعوا على حاجة المنطقة للاصلاح لأسباب تتعلق بالعالم العربي وليس لاعتبارات أمريكية
أثارت المبادرة الامريكية للشراكة مع الشرق الاوسط التي اعلنها وزير الخارجية الامريكي كولن باول يوم الخميس الماضي لتحقيق الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالشرق الاوسط من خلال شراكة بين واشنطن ودول المنطقة تقدم خلالها الولاياتالمتحدة دعماً يبدأ ب 29 مليون دولار يصل تدريجياً إلى مليار دولار لتنفيذ هذه المبادرة، تحفظات العديد من السياسيين والمراقبين حول الدور الامريكي في المنطقة خلال السنوات المقبلة. وفيما اعتبر البعض ان المبادرة الامريكية الجديدة جزء من الحملة الامريكية لتهيئة اجواء المنطقة لاستقبال الضربة العسكرية الامريكية المحتملة ضد العراق رأى آخرون ان الاصلاح السياسي والاقتصادي بالمنطقة ضرورة ولكن لاعتبارات وطنية واقليمية وليس لمقتضيات امريكية. ورصد سياسيون وخبراء التقت بهم (اليوم) عدة ملاحظات على مبادرة باول والاجواء التي احاطت بها، وفي مقدمة هذه الملاحظات اختيار مؤسسة هيراتدج فاونديشين المعروفة بتوجهاتها العنصرية واليمينية المؤيدة بشدة لاسرائيل وتبني مواقف معادية للعرب والقضية الفلسطينية وتأييد الاصوات المتشددة ضد العرب والمسلمين بشكل عام ومساندتها الحرب ضد العراق. واعتبروا ان حرص باول على الاستشهاد بمقولات جاءت على لسان الزعماء العرب مثل الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل المغربي الملك محمد السادس وقرينة العاهل الاردني الملكة رانيا العبد الله وكذلك اشارته وهو بصدد الحديث عن تعليم الفتيات إلى قول امير الشعراء احمد شوقي: الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعباً طيب الاعراق محاولة لتسويق المبادرة لدى دول وشعوب العالم العربي حتى تقبل كل ما هو قادم من الولاياتالمتحدةالامريكية. وقالوا انه بذل جهداً كبيراً لاعطائها زخماً من نوع خاص حين اشار إلى المساجد والكنائس والمعابد اليهودية كرابط بين الولاياتالمتحدة ودول المنطقة، كما استخدم نتائج التقرير الصادر مؤخراً عن برنامج التنمية التابع للامم المتحدة حول الاوضاع السياسية والاقتصادية والتنموية في العالم العربي لتسويق المبادرة الامريكية وتبرير طرحها في هذا الوقت. رئيس مجلس العلاقات المصري الامريكي الدكتور ابراهيم عويس رأى ان المبادرة الامريكية الجديدة الخاصة بعلاقات الولاياتالمتحدة مع دول منطقة الشرق الاوسط تمهد للضربة الامريكية العسكرية المحتملة ضد العراق مشيراً إلى ان اعلان المبادرة الامريكية في هذا التوقيت يعني قرب توجيه هذه الضربة. واوضح عويس ان المبادرة الامريكية اشتملت على مبادئ تستميل المواطن العربي مثل ارساء الديمقراطية والاخذ بنظام الاقتصاد الحر وتفعيل دور المرأة وغيرها من المبادئ دون الاشارة إلى آلية تنفيذها. ولفت إلى انه على الرغم من احتواء المبادرة على نوايا طيبة الا انها لم تتعرض لجوهر المشاكل الاخرى التي تواجهها دول المنطقة وشعوبها وهي عدم تسوية مشكلة الشرق الاوسط وانهاء الاحتلال الاسرائيلي واتاحة الفرصة لجميع شعوب المنطقة كي تعيش في امن وسلام وتتعاون على بناء الرخاء والمستقبل الافضل. ورحب سفير مصر الاسبق لدى الولاياتالمتحدةالامريكية عبد الرؤوف الريدي بالافكار التي احتوتها مبادرة وزير خارجية الولاياتالمتحدة موضحاً ان العالم العربي بلا شك يرحب بأي مساعدة لتعزيز التنمية والاصلاح في المجال السياسي، غير انه اكد ان تنفيذ ما جاء في المبادرة يتطلب مناخاً سياسياً مستقراً وبالتالي حل المشاكل التي تؤدي إلى التوتر وفي مقدمتها المشكلة الفلسطينية وتحقيق السلام للشعب الفلسطيني. وقال انه كي تحقق هذه المبادرة اثراً ايجابياً على الولاياتالمتحدة ان تكون جادة في التعامل مع قضايا المنطقة فنحن لا نريد تدخلاً سياسياً في الشئون الداخلية للدول العربية بقدر ما نحتاج إلى المساعدة في مجال التنمية فالاصلاح لن يتم بالبراشوت ولكن من خلال التعاون مع المؤسسات الحكومية بدول المنطقة، وهذه المؤسسات والحكومات لها رؤية ولديها برامج للاصلاح السياسي والاقتصادي تحتاج من يدعهما ويمولها غير ان تحقيقها يتوقف على تحقيق السلام. ويعتقد مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الاهرام الدكتور عبد المنعم سعيد ان الاصلاح السياسي والاقتصادي مطلوب لدول المنطقة وبالحاح الا انه لن يتحقق باقتراحات او بأفكار من خارج المنطقة، بل بأفكار من داخلها وبأيدي ابنائها واذا كانت واشنطن تريد تهدئة المنطقة وتجهيزها بصورة او بأخرى لمرحلة جديدة عليها ان تستجيب لمطالب قادة وشعوب الدول العربية وفي مقدمتها تفعيل دورها في عملية السلام بالشرق الاوسط. واعتبر ان طرح هذه المبادرة في هذا التوقيت بعد 34 يوماً من صدور قرار مجلس الامن بشأن نزع اسلحة العراق يعني قرب توجيه الضربة العسكرية إلى العراق، وهو عمل قد ينسف أي جهود تبذلها الولاياتالمتحدة خلال السنوات المقبلة ويزيد التوتر ويخلق ازمات لا حصر لها، والسؤال هو كيف تتعامل واشنطن مع دول العالم العربي بعد ضرب العراق وحالة السيولة التي ستنتج عنها سواء على صعيد العلاقات الاقليمية بين دول المنطقة او حالة العداء التي ستزيد بالقطع. وشدد الدكتور عبد المنعم سعيد على ان رؤيته لا تبرئ نظام الحكم بالعراق من تحمل مسؤولية هذه الاوضاع التي آلت اليها المنطقة مشدداً على ان النكسة الحقيقية ستقع حين يكمل رئيس الوزراء الاسرائيلي ايريل شارون مخططا لتصفية القضية الفلسطينية في ظل انشغال العالم بضرب العراق. وفي لهجة حاسمة طالب مدير اكاديمية ناصر العسكرية الاسبق اللواء الدكتور زكريا حسين دول المنطقة الاستعداد لمواجهة السيناريو الاسوأ الذي حذر منه الخبراء طوال السنوات الماضية لانه اقترب منها بشدة، وقال انه حتى الآن فان ابواب الجحيم لا تزال مغلقة غير انه يجري تجهيز مفاتيحها موضحاً انه بعد ايام او اسابيع قليلة سيكون لدينا شعب هو الشعب العراقي بلا نظام حكم في بلد سيكون بالقطع مدمراً تماماً، يحتاج إلى جهود لا حصر لها وعلى مدى سنوات طويلة قادمة لاعادته بلداً متماسكاً. واكد ان الخطة او المبادرة التي طرحها وزير الخارجية الامريكي كولن باول لن تستطيع بما تضمنته من حديث عن اصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي ودعم مقرر لهذه المجالات اعادة الاوضاع إلى ربع ما كانت عليه قبل ضرب العراق. وحذر اللواء دكتور زكريا حسين دول المنطقة من قبول الوضع الحالي على انه حتمية لا مفر منها، مشدداً على انه مازال امام العرب فرصة او بعض من فرصة لرفض ما يجري الترتيب له ومنعه، اذا اعلنوا صراحة موقفاً قوياً موحداً ضد ضرب العراق وان يرتبط هذا الموقف بالعديد من الاجراءات التي سيتم اتخاذها حال تعرض العراق لضربة عسكرية على ان يتم ذلك بالاتفاق مع العراق. واوضح ان نظام الحكم في العراق قد يكون امامه هو الآخر فرصة لتجنب الضربة للاسراع بتصفية ملفات حرب الخليج الثانية عام 1990، والتي مازالت معلقة حتى الان مشيراً إلى ان الاعتذار الذي اعلنه صدام حسين مؤخراً على لسان وزير اعلامه محمد سعيد الصحاف يحتاج وحده إلى اعتذارين عنه لانه ساعد على تعقيد الامور اكثر من ذي قبل في وقت كان لا بد فيه من اتخاذ خطوات تتجاوز حتى فكرة الاعتذار، لتصفية الملفات العالقة من غزوه الكويت. وأكد مدير اكاديمية ناصر العسكرية الاسبق اننا الان امام السيناريو الاسوأ مباشرة تسبقه طلعة طيران واحدة من قبل القوات الامريكية والبريطانية او طلقة مدفع باتجاه الاراضي العراقية ثم بعد ذلك تنفتح ابواب جهنم التي اشرنا اليها.. وابواب جهنم هذه ليست تدمير العراق بل ما ينتج عن ذلك من اوضاع سياسية في العالم العربي كله.