تدعم دول مجلس التعاون الخليجى الطاقة؛ لمساعدة المواطنين على الحياة الرغيدة، ولدفع الصناعة حتى تنمو، وتنافس عالمياً. ولكن النمو الكبير للسكان والطلب المتزايد للصناعة على الطاقة الرخيصة، جعل استهلاك الطاقة ينمو بوتيرة سريعة، حتى بدأ هذا الاستهلاك المدعوم بمئات المليارات يؤرق هذه الدول، وبدأت تعلو أصوات تطالب بمراجعة هذا الدعم، لما فيه خير المواطن والوطن. كل شيء فى دول الخليج مدعوم: الماء والكهرباء ووقود السيارات والشاحنات والطائرات، وحتى الصناعة تدعم بمواد أولية، مثل: الغاز الطبيعى والايثان بأسعار لا يمكن مقارنتها مع دول العالم الاخرى. ولكن مع الصرف الكبير للدول الخليجية على تأمين مصادر الطاقة بأسعار زهيدة، طفحت على السطح ظواهر سلبية؛ نتيجة لتحمل هذه الدول الكثير من التكاليف المالية، ومن هذه الظواهر: زيادة استهلاك الطاقة بشكل كبير وربما إلى درجة الاسراف، وتهريب الوقود وعدم محاولة ترشيد الصناعة لتوفر الطاقة واللقيم بأسعار زهيدة. وفيما يتعلق بدعم الوقود فى دول مجلس التعاون، قال وزير النفط والغاز العماني مؤخراً -فى مؤتمر البترول في أبوظبى-: إن برامج دعم أسعار البنزين والكهرباء تسبب هدرا ضخما في الطاقة بمنطقة الخليج، وتهدد اقتصاداتها، وذلك في تحذير رسمي نادر بشأن تنامي الطلب في المنطقة. وقال الوزير محمد بن حمد الرمحي -خلال مؤتمر للطاقة في أبوظبي-: إن منطقة الخليج تهدر كميات كبيرة من الطاقة، وإن استهلاكها أصبح يشكل تهديدا ومشكلة خطيرة، مضيفا: إن الدعم أصبح المشكلة الكبيرة، وإن دول المنطقة بحاجة إلى زيادة أسعار البنزين والكهرباء. لاشك أن أسعار الطاقة الرخيصة أدت الى ارتفاع استهلاك دول الخليج العربى للطاقة، مما يعيق تقدمها الاقتصادي، وذلك لانه يؤثر على تصدير هذه الثروات. وعلى سبيل المثال: فان الزيادة الكبيرة فى الطلب المحلي على الغاز الطبيعى لكل من الاماراتوعمان، قد أعاقت خططهما الاستراتيجية لتصدير الغاز المسال، وبدآ فى الاستيراد عوضاً عن التصدير. ففى عام 2011م، بدأت دولة الامارات باستيراد 1.2 مليون طن من الغاز المسال من الاسواق العالمية وبأسعار باهظة، واتفقت عمان حالياً مع ايران على استيراد الغاز الطبيعى وبالأسعار العالمية، ويعتقد أن تواجه الامارات وسلطنة عمان في غضون السنوات المقبلة مشكلة نفاد مواردهما من الغاز الطبيعي؛ اذا لم يتم تطوير حقول انتاج جديدة. أما دول اخرى مثل الكويت، فاستوردت فى نفس السنة 2.4 مليون طن من الغاز المسال، وذلك لكي تتجنب حرق النفط الخام أو الديزل الثمين. ويتوقع أن ترفع دول الخليج من استيرادها للغاز المسال في المستقبل، خاصة فى فصل الصيف. اذاً الموضوع على درجة عالية من الاهمية، ويجب أن يشغل بال كل فرد خليجى، وان الوضع الحالى لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. وفي محاولتها لترشيد الاستهلاك، أعلنت عمان عن خطط في أوائل 2013 لزيادة أسعار إمدادات الغاز للمصانع إلى ثلاثة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وحتى هذه الأسعار الجديدة تظل رخيصة بالمعايير العالمية التى تصل الى 15 دولارا فى اليابان وكوريا و12 دولارا فى اوروبا. وبحسب مصادر وكالة الطاقة العالمية ( IEA )، دعمت دول الخليج أسعار الطاقة والكهرباء لديها لعام 2011م بأكثر من 100 مليار دولار كالتالي: السعودية 61 مليار دولار (بدون احتساب دعم الغاز الطبيعى وسوائل الغاز الطبيعى)، والامارات 22 مليار دولار، والكويت بحوالى 13 مليار دولار، وقطر 6 مليارات دولار. الجدير بالذكر، انه وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فان قيمة دعم الدول الخليجية للطاقة كانت حوالى 57 مليار دولار في عام 2009م، وهذا يعني أن الدعم قد ارتفع بحوالى 75% خلال سنتين فقط. وللأهمية فان دعم المملكة للطاقة في 2009م كان 36 مليارا، وارتفع 25 مليار دولار فى سنتين فقط، هذا بدون احتساب دعم الغاز الطبيعي وسوائل الغاز الطبيعية. لابد ان هذه الارقام تستدعي الكثير من الانتباه والتفكير ومراجعة الحسابات. لا يمكن لدول الخليج أن تستمر في تطبيق السياسات القديمة، وبأسعار لا تتناسب مع النمو الكبير فى الاستهلاك. إن اتخاذ سياسات تسعيرية أكثر نجاعة وجدوى، من شأنه مساعدة هذه الدول على ترشيد الاستهلاك. ولذلك فهى مطالبة بالتركيز على ترشيد الاستهلاك، وتعديل الاسعار؛ لتمكينها من الاستثمار في تلبية الزيادة الكبيرة فى الطلب على الغاز من خلال الاستكشاف والتنقيب والاستثمار فى الطاقة المتجددة. ستضطر دول الخليج -ان هي لم تتدارك نفسها- أن تعتمد بشكل أكبر على واردات الغاز المسال من العالم، والتى تباع بأثمان باهظة، بينما هي الان تحرق مواردها بكل سهولة، وبأسعار زهيدة. ويوجد العديد من الحلول لهذه المعضلة، منها: تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدى بحيث يتم رفع سعر الطاقة، ويتم تعويض المواطن صاحب الشأن عن ذلك نقدياً، أو تشريع نظام البطاقات الذكية التي تسمح لكل مواطن بحصة معينة بسعر مدعوم. ولنأخذ مصر كمثال: فهي دعمت الوقود لديها فى عام 2009م بحوالى 13 مليار دولار، ثم ارتفع هذا الدعم في عام 2011م وبحسب ( IEA ) إلى 21 مليارا فقررت الحكومة ان توجه الدعم الحكومي لمن يستحقه من مواطينيها، لذلك فهي اقرت نظام البطاقات الذكية، وستقوم قريباً جداً بتوزيع هذه البطاقات على المواطنين، وتأمل مصر من تطبيق هذه الخطوة منع التهريب، وترشيد الاستهلاك، وهي بلا شك ستفيد مصر بتخفيض حاجتها للوقود خاصة مع زيادة عدد سكانها. أنعم الله -عز وجل- على دول الخليج بالثروة النفطية، ويستحق المواطن الخليجى كل الدعم ليعيش حياة كريمة، غير مثقلة بأتعاب الرزق. ولكي ننعم بهذه الثروات لفترة زمنية أطول، علينا المحافظة عليها من الهدر. ولذلك ربما قد يكون الوقت المناسب قد حان، ليتحول الدعم المفتوح وغير المقنن إلى دعم موجه للمواطن الخليجى فقط. وذلك بعمل آليات ونظم، بحيث يكون هو فقط من يحصل على هذا الدعم لاسيما وان هناك عشرات الملايين من غير المواطنين يعملون بهذه الدول. الدعم الذكى والموجه للمواطن، هو الحل لكثير من المشكلات، ومنها: الارتفاع الكبير فى استهلاك الطاقة لدرجة اصبح يهدد هذه الدول على تصدير الطاقة، ومحاربة ظاهرة تهريب الوقود التى ارهقت هذه الدول، وايضاً سيساهم فى حل -ولو جزئىا- ظاهرة الاختناقات المرورية. ولكن فى المقابل لا بد من توفير وسائل النقل الجماعي ذات المستوى الحضارى، والتى تليق بالمجتمعات الخليجية. * مركز التمييز البحثى للتكرير والبتروكيماويات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن