(في باريس اكتشفت ذاتي واكتشفت انني حين كنت في المملكة. في هذه الثقافة القبلية, لم اكن سوى خلية صغيرة في جسد ضخم, لم اكن فردا ابدا, لان الثقافة القبلية كانت تلغي الفرد والفرد خلية صغيرة في هذا الجسد المعروف - حسب الدراسات الانثروبولوجية - بالشخصية القاعدية, والتي يمثلها عادة شيخ القبيلة وحين ذهبت الى فرنسا, فانني واجهت نفسي في مجتمع يعترف بالفرد, في بيئة قامت حداثتها وحضاراتها على الاعتراف بحقوق الفرد. بدأت تتحقق ذاتي, وبدأت اجيد القراءة. القراءة كعلم, فاكتشفت بلادي في هذه اللحظة. بلادي التي لم اكن اعرفها, ولم يكن في امكاني ان اعرفها, ولو انني بقيت هناك. اكتشفت الجزيرة العربية. اكتشفت هذه القصيدة التي بناها آباؤنا بعرقهم وتعبهم وجوعهم. اكتشفت بلادا عظيمة. خبأوها عنا، اكتشفت الجزيرة جاهليتها وحاضرها، مازال مصطلح الجاهلية يشكل لي عارا. ولكن الجزيرة العربية لم تكن جاهلية. كانت معلقات. كانت تتعايش فيها كل الاديان. انتمي لهذه البلاد. انتمي لهذه الجزيرة. ولقد كتبتها. كتبتها في (الحزام). احمد ابو دهمان - اشراقات ص 129 رواية (الحزام) او القصيدة, كما وضعها غازي القصيبي, رواية باهرة. انها تنقل قارئيها من درجة الى اخرى في سلم رؤية الحياة ورؤية الآخرين ورؤية الزمان والمكان. بالاضافة الى انها اخترقت لغة اخرى بنجاح رائع. لم اكتب هذه الزاوية لمديح الرواية (فاذا استطال الشيء قام بنفسه) فهي واختها (سقف الكفاية) تشكلان تيارا في ميدان الرواية العربية هو (الرواية الشعرية) تماما مثل تيار (الواقعية السحرية) في بلاد اخرى. بل كتبت هذه الزاوية لارثي انفسنا نحن الذين لم نر باريس فبقيت انفسنا تحت طبقات من الرمال الراكدة. هل تظن ان (ابو دهمان) يمكن ان يكتب الحزام وهو لم ير باريس, ولم يتشرب لغتها, ويفتح ابواب روحه لحضاراتها القائمة على احترام الفرد؟ انه هو نفسه ينفي ذلك. لذلك فظنك وظني يذهبان أدراج الرياح ولكن في المقابل كم هم الذين ذهبوا الى باريس وعادوا بخفي حنين!!